وناقشت الندوة، كيف أنّ "الفلسطينيين فقدوا مدينتهم في النكبة كما فقدت هي الكثير من إشعاعها ومراكزها بعد النكبة"، وأشار منظموها إلى أنّ مدن فلسطين في أوائل القرن العشرين شهدت نهضة ثقافيّة وعمرانيّة لافتة، وانعكست بالأساس في مدن يافا والقدس وحيفا. وبعد عام 1948 وقعت هذه المدن ضمن مخططات البناء والاستيطان الإسرائيلي وأُقصي الفلسطيني منها وحوصر في أحياء الفقر.
وبحسب جمعية الثقافة العربية، فإن بعض مدن فلسطين التاريخيّة تشهد اليوم حراكًا ثقافيًا لافتًا، بينما تواجه مدن أخرى ظاهرة ازدياد في أعداد السكان لكن من دون تحوّلها إلى مدن بالمفهوم الحضري المدني.
وقدمت نسرين مزاوي الباحثة والأكاديمية وطالبة الدكتوراه في الأنثربولوجيا من الناصرة، مداخلة بعنوان "تحولات ثقافيّة في الحيّز المديني للناصرة" وقالت:" حتى العام 1948 كانت الناصرة أصغر المدن الفلسطينية وأقلها أهمية، وخلال فترة قصيرة جدا لا تزيد عن بضعة أشهر ضاعفت الناصرة عدد سكانها وتحولت إلى مدينة فلسطينية وحيدة منقطعة عن شبكة المدن الفلسطينية والعربية المحيطة بها وحظيت بلقب عاصمة الفلسطينيين في الداخل".
وأضافت مزاوي: "كمدينة منكوبة تطورت الناصرة على مدار سبعة عقود من دولة قامت على أنقاض مجتمعها ونكبة المجتمع الفلسطيني وعلى تدمير كل ما هو فلسطيني بما في ذلك مدنها ومراكزها الحضرية".
وتابعت "مسار التحضر الذي شهدته كباقي المدن الفلسطينية في النصف الأول من القرن العشرين، انقلب ابتداء من العام 1948 إلى مسار معاكس يدحض كل المقومات الحضرية للناصرة ويسعى إلى تحويلها لتجمع سكاني بحت، وقد فُرِضَ هذا المسار على الناصرة بداية من خلال عمليات مصادرة أراض واسعة في ظل حكم عسكري استمر ما يقارب العشرين عاما، تم خلالها إقامة مدينة إسرائيلية مجاورة لتستبدل الناصرة كمركز حضري، واستمر هذا المسار بعمليات تفريغ الناصرة من مؤسساتها الرسمية ونقلها إلى المدينة المجاورة وبعرقلة عمليات التخطيط وتوجيه البناء والنمو السكاني فيها إلى داخل المدينة".
واختتمت مزاوي مداخلتها قائلة "في النصف الثاني من سنوات التسعينيات من القرن الماضي التحقت الناصرة كباقي مدن العالم برُكب النيوليبرالية، وشمل هذا تحولات جذرية في الحياة اليومية لسكان المدينة وفي نمط السكن والبناء فيها وفي التركيبة الاجتماعية والاقتصادية لأحيائها التي تحولت من أحياء طائفية وعائلية إلى أحياء طبقية.
واعتبرت الباحثة أن هذا التحول انعكس أيضا على الحياة الثقافية العامة التي شهدت تقلبات وفقًا للظروف السياسية، وتنطبق حالة "المدنيين بدون مدينة" على سكان الناصرة وفلسطينيي الداخل عامة، الذين يفتقدون الحق في المدينة كحق أساسي من حقوقهم الجماعية والحق بالانتماء كحق أساسي من حقوقهم الإنسانية".
من جهته، قدّم الكاتب إياد برغوثي مداخلة بعنوان "استحضار المدينة الغائبة أدبيًا - عكّا نموذجًا"، وتطرق للحياة الاجتماعية التي كانت في مدينة عكا قبل النكبة، وتوقف خلال مسار بحثه عند كتاب "بلدي وأهلي وأنت" تأليف ذا النون جراح والصادر عام 1997 الذي حصل عليه من مالك دار كان استأجر بيته في مدينة عكا.
وأشار برغوثي إلى أنّ هذا الكتاب يسرد تاريخ العائلة من أوائل القرن التاسع عشر حتى ما بعد النكبة والتهجير، وهو مكون من ثلاثة فصول، فصل عن مدينة عكا وتاريخها، وفصل عن العائلة وتاريخها وشخصياتها، وفصل عنه، من طفولته بعكا وعمله بحيفا وببقاع المشرق العربي مع شركة البترول العراقية، وحتى حياته كلاجئ في العراق ولاحقًا في الشام. وقرأ برغوثي بعض فقرات من الكتاب عن الحياة الاجتماعية للعائلة على الجمهور.
أما الباحث الفلسطيني من يافا، فقد اختار أن يقدم مداخلة بعنوان "رياضة كرة القدم في فلسطين قبل النكبة: يافا نموذجًا"، وقال:" تأسس نادي كرة القدم الرياضي الأرثوذكسي سنة 1924 في يافا بالموقع الذي تقام عليه كنيسة مارجريس للأرثوذكس اليوم، وفي عام 1926 أسس النادي الرياضي الإسلامي يافا فريق كرة قدم، وكان دوري فلسطيني، وكان هذا مؤشرا على أن الوضع الاقتصادي تحسن في سنوات العشرينيات، وبقي حتى سنة الثورة الفلسطينية 1936".
وتابع "الأوضاع السياسية كانت دائما تنعكس على كرة القدم بشكل خاص وعلى الرياضة بصفة عامة، ومن الفترة 1936 إلى غاية 1939 عرفت الحركة الرياضية شللا تاما، ثم عادت إلى الحياة من جديد عام 1944 عندما تأسس الاتحاد الرياضي الفلسطيني، وسنة 1948 عندما جاءت النكبة أوقفت كليا الحركة الرياضية وبشكل خاص كرة القدم".