مع اقتراب انتهاء فصل الشتاء، تتوجّه غالبيّة العائلات، في العاصمة الليبية طرابلس، إلى الساحات المفتوحة للترفيه وقضاء العطل. لكنّ لم يبق غير حديقة واحدة في أبو ستة شمال طرابلس. وعلى الرغم من توفّر بعض وسائل الترفيه فيها، إلا أنها تكتظ بمئات العائلات. تقول إنعام حميدة: "لا يجد ابني أية فرصة للّعب في ظل الاكتظاظ". توضح أن منتزه أبو ستة هو الوحيد الذي ما زال مفتوحاً أمام الناس، "ألجأ إليه للترفيه عن أطفالي". لكنّ إقفال منتزهات أخرى جعل الناس تتسابق للوصول باكراً وإيجاد مكان، موضحة أن البديل هو الذهاب إلى المنتزهات الخاصة في مقابل مادي. وتشير إلى أن دخل غالبية العائلات لا يكفي، وبالتالي فإن المنتزهات الخاصة ليست على القائمة.
في طرابلس، انتشرت المشاريع الترفيهية الخاصة بعد إقفال معظم الغابات والمساحات الترفيهية منذ أكثر من ثماني سنوات.
تقول إنعام إنّ الدخول إلى أحد المنتزهات يتطلب ما لا يقل عن مائة دينار (نحو 72 دولاراً) ليلعب طفلاها مدة لا تزيد عن ساعتين. تضيف: "هناك رسم دخول يصل إلى 30 دينارا (نحو 21 دولاراً). كما أن كلفة كل لعبة هي 10 دنانير (نحو سبعة دولارات). تضيف: "غلاء الأسعار دفعني في المرة الوحيدة التي زرت فيها منتزهاً خاصاً إلى الاكتفاء بلعبة واحدة لمدة لا تزيد عن نصف ساعة فقط"، مشيرة إلى أن إدارة المنتزهات الخاصة تشترط على المواطن عدم اصطحاب المأكولات، وبالتالي يتم شراؤها بأسعار مضاعفة داخل المنتزه.
ووصلت المنتزهات الخاصة في طرابلس إلى نحو عشرة، ويقصدها العشرات. وعادة ما يتوجه كثيرون إلى منتزه أبو ستة، وتكتظ الطرقات القريبة بالسيارات، وتحديداً على طريق الشط. يقول المسؤول في شركة الخدمات العامة الحكومية، نصر أرحيم، إن الأزمة وتداعياتها السياسية والأمنية تؤثّر على الجانب الترفيهي في البلاد. كما أن غابات النصر وحديقة الحيوان والفضاءات الترفيهية، على قلّتها، موجودة بين الأحياء. ويشير إلى أن مجموعة مسلحة سيطرت على حديقة الحيوان منذ عام 2011، وحوّلتها إلى مكان لتكديس السلاح والمقاتلين. من جهة أخرى، فإن غالبية الحيوانات نفقت. وعبث كثيرون بمحتويات الحديقة، بعدما كان سيعاد افتتاحها بعد ترميمها في عام 2011.
يتابع أرحيم لـ "العربي الجديد": "السلطة حوّلت غابة النصر، قبل عام 2011، إلى مجمع حكومي يضم فندق ريكسوس الحكومي، وقد أقفلتها أمام المتنزهين". ويوضح: "على الرغم من عدم صلاحية بعض الغابات في منطقة السراج وشرق طرابلس للتنزه، إلا أنها باتت ملجأ للناس". ويبيّن أن الخراب عمّ حديقة السراج بشكل كبير، حتى الملاهي التي كانت تتوفر عليها متوقفة بسبب عدم صيانتها. ويؤكد أن حاجة الناس للتنزه دفعت مستثمرين إلى استغلالها وفتح منتزهات خاصة أسعارها مرتفعة ولا تناسب فئة كبيرة من المواطنين الفقراء، لافتاً إلى أن غالبية هذه المنتزهات تعمل بشكل غير قانوني، وتصدر رخصاً من أجل إنشاء صالة رياضية ومطعم كبير يلحقانهما بصالات للألعاب، تهرّباً من قانون يفرض عليهم أسعاراً خاصة ومرتفعة.
ويقول إن الإقبال على الاستثمار في هذا المجال يدل عليه انتشار عشرات الشركات المتخصصة في إنشاء الحدائق والمنتزهات. لكنّه في الوقت نفسه، دافع عن جهود شركة الخدمات، قائلاً إنّ "مكتب الحدائق التابع للشركة أطلق مشاريع عدة لصيانة حدائق بين الأحياء، مثل حديقة بوسليم وغيرها. لكن تمركز المسلحين أدى إلى العبث بها".
وفي الوقت نفسه، يعترف أرحيم بأنّ المنتزهات الخاصة وفرت أشكالاً مختلفة للترفيه، وهي غير متوفرة في المنتزهات العامة. ويشير إلى أن "منتزه أبو ستة الوحيد لا يتوفر سوى على أراجيح ومسار طويل لممارسة رياضة المشي، إضافة إلى ألعاب الأطفال الممتعة، مثل البيوت والبحيرات الاصطناعية والردهات للجلوس".
وفي المساء، تتجمّع العائلات لقضاء ساعات آخر النهار وسط مساحات خضراء صممت لتكون رافداً لطريق الشط، وفاصلاً بينه وبين البحر. وعلى الرغم من عدم موافقة أرحيم على استغلال الأهالي للمساحات الخضراء لقضاء بعض الوقت واللعب، كونها غير مخصصة للترفيه، وعدم اكتراث الناس للحفاظ عليها، تتساءل إنعام: "إلى أين نذهب وكل سبل الترفيه أصبحت معدومة في عاصمة البلاد؟".