يبدو أنّ حوادث التحرّش الجنسي تتزايد في ليبيا، الأمر الذي دعا جهات عدّة محلية ودولية إلى شجبها، لا سيّما بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. فأصدرت البعثة في السياق بياناً يدين التحرّش الجنسي الذي تتعرّض له موظفات مصارف وعميلات في بعض مناطق العاصمة طرابلس، ويعيد ذلك إلى الغياب الواضح لمؤسسات الدولة والقانون.
وصفت بعثة الأمم المتحدة في بيانها التحرّش الجنسي بأنّه "سلوك إجرامي"، مشيرة إلى أنّها تعمل على دعم مؤسسات الدولة للقيام بدورها في حماية المواطن، غير أنّ ذلك دفع سياسيين إلى استنكار ما جاء في بيان البعثة الذي رأوا فيه إلهاءً للرأي العام عن استحقاقات المرحلة وإبراز قضية هامشية. كذلك، انتشرت تعليقات عدّة على صفحات التواصل الاجتماعي، بعضها رافض لمضمون البيان وبعضها مشدّد على أهميته.
يقول عقيل الأطرش، وهو ناشط سياسي ليبي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "البيان بمثابة فضيحة للحكومة العاجزة عن أداء دورها. وما يحصل استدعى منظمة أممية إلى الخروج عن دورها المحدد لها بهدف لفت النظر إلى تلك التجاوزات التي وصّفت بأنّها جريمة". يُذكر أنّ قانون العقوبات الليبي في مادته 420 ينصّ على حبس المتحرّش لمدّة لا تقل عن شهر واحد ولا تزيد عن ستة أشهر، "سواءً أكان التحرّش لفظياً أو بالإشارة أو بالفعل". ويعلّق الأطرش أنّ "القانون الخاص بهذه العقوبة قاصر ولا يكفي لردع المتعدّي"، مؤكداً أنّ "التحرّش بات أمراً معتاداً، لكنّ المجتمع يتحاشى الحديث عنه خوفاً من الفضيحة". ويشدد على أنّ "الأسباب التي تؤدّي إلى ذلك مرتبطة بالانفلات الأمني وعدم توفّر روادع قانونية".
منيرة س. موظفة في الشؤون الإدارية في جامعة طرابلس، تقول لـ"العربي الجديد": "لا أدري ما الذي حدث لموظفات المصارف حتى يستدعي الأمر احتجاج بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا". تضيف أنّ "التحرّش اللفظي وعبارات التغزّل، وحتى التحرّش بالفعل، صارت واضحة في المجتمع الليبي، لا بل الأمر شائع في الجامعات وساحاتها المفتوحة من دون أن تتمكن الدولة من فعل أيّ شيء". وتوضح منيرة أنّ "العيب والخوف من الفضيحة يؤديان إلى الصمت، وهذه هي حال النساء اللواتي يتعرّضنَ للتحرّش بمعظمهنّ"، مؤكدة أنّ "المرأة تخاف من ردّ فعل أسرتها التي قد تمنعها من العمل أو الدراسة نتيجة عجزها عن حمايتها، في ظل امتلاك الخارجين عن القانون السلاح". وتتابع أنّ "الأمر صار من يوميات ليبيا، في أماكن العمل والدراسة وفي الأسواق وفي الطريق إلى البيت"، متسائلة "إلى من أشتكي إذا كان المسلح الذي يقف عند حاجز أمني أمام البوابة الرئيسية للجامعة أو عند مدخل السوق يتحرّش بي لفظياً؟".
من جهتها، تتحدّث المتخصصة في علم الاجتماع مريم أسويري عن "التحرّر المتزايد بين النساء في المجتمع الليبي الذي دفع إلى تزايد التحرّش". وتشرح أسويري لـ"العربي الجديد" أنّ "المرأة الليبية كانت معروفة بلباسها المحتشم الذي تفرضه البيئة الليبية المحافظة، لكنّ النساء رحنَ يظهرنَ في الآونة الأخيرة بملابس مخالفة للأنماط الليبية المعروفة، وهو ما دفع كثيرين إلى النظر إليها على أنّها خارجة عن السياق ومدعاة للانتقاد. وصار التحرّش يأتي في هذا السياق". تضيف أسويري أنّ "مفهوم الحرية المغلوط الذي ساد في السنوات الثماني الأخيرة جعل شرائح عدّة في المجتمع تشعر بأنّ كل شيء مباح، وبأنّ أنماط السلوك المجتمعي القائمة تحدّ من الحرية".
وتتحدّث أسويري عن "حالة الانفلات الأمني التي دفعت كثيرين من الشبان والشابات المتخمين بثقافة الانغلاق إلى ارتكاب تصرّفات خارجة عن المألوف مثل التحرّش بكلّ صوره"، لافتة إلى "غياب الثقافة الجنسية الصحيحة على خلفية مفهوم الممنوع وخدش الحياء". وتؤكد أنّ "تزايد حوادث التحرّش الجنسي يأتي بسبب السكوت عنها وتصنيفها كعيب من قبل المرأة خصوصاً، الأمر الذي يشجّع المتحرّش على التمادي في سلوكياته". وتشرح أنّ "حوادث تحرّش كثيرة وصلت إلى حدّ الاعتداء الجنسي، وقعت في مؤسسات تعليمية وخدمية وكذلك على الطرقات. والسكوت عنها خوفاً من الفضيحة شجّع على تزايد تلك الحوادث". وتذكر أسويري أنّ "سجلات مراكز الشرطة خالية من بلاغات تتعلّق بحالات مماثلة"، مرجّحة أن "تنامي التحرّش الجنسي هو ما دفع مؤسسة أممية مثل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى الخروج عن وظيفتها الرئيسية والتنبيه حول التحرّش وخطورته".