"لعنة ليلى"... جدال حول عقوبة الإعدام في مصر

23 فبراير 2019
العقوبة أداة سياسية كما يعتبرها البعض (محمد جميل/ الأناضول)
+ الخط -

تعاطف كبير جداً شهدته مصر مع المتهمين التسعة الذين جرى إعدامهم على خلفية قضية اغتيال النائب العام المصري، هشام بركات، في الأيام القليلة الماضية، خصوصاً أنّ القضية "افتقرت إلى أبسط قواعد المحاكمة العادلة" بحسب تقارير حقوقية

لعبت ليلى، ابنة أحد المنفذ فيهم حكم الإعدام، في مصر، أخيراً، دوراً كبيراً في اتساع مساحة التضامن مع القضية التي أثارت موجة من التعاطف مع الضحايا على المستوى المحلي والخارجي. فقد انتشرت بكثافة صور ليلى، عندما كانت تحملها والدتها لتقول لوالدها من خلف قضبان قاعات المحاكمات، إنّها جاءت إلى الحياة، وإنّها أصبحت تملك أسناناً.

"بابا اتغدر بيه (غُدِر به) يا ليلى"، و"ستلعنكم ليلى في كلّ ليلة"، كانتا من أكثر جمل الرثاء التي صاحبت صور ليلى المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، والتي لحقها، جدال واسع بشأن عقوبة الإعدام في مصر.




الفريق المؤيد لعقوبة الإعدام في مصر، يتمسك بنصوص الشريعة الإسلامية باعتبارها مصدر الأحكام الشرعية في الدستور المصري بنص المادة الثانية، ويتمسك أيضاً، بمبادئ الشريعة في القصاص، بل إنّ هناك من يرفض التضامن مع المُنفَّذ بحقهم الجريمة.

لكنّ الفريق المعارض للعقوبة، ملّ من الدفع بأنّه ليس بصدد الحكم ببراءة أو إدانة المتهمين في القضايا، بل يحكم على إجراءات المحاكمات وما شابها من فترات إخفاء قسري قبل الإحالة للمحاكمة، وتعذيب، واعترافات أُخذت عنوة حتى قبل العرض على النيابة، فضلاً عن توقيتات تنفيذ الأحكام، وتحويل فكرة العدالة الناجزة، إلى عدالة انتقامية يقوّض فكرة العدالة ويفتح باب الشك في تلك الأحكام.

هناك من يتداول قضية محمود شفيق مصطفى، الذي أُخلي سبيله في مايو/ أيار 2014، على ذمة إحدى القضايا نظراً لصغر سنه حينها، وبعدها في ديسمبر/ كانون الأول 2016، فجّر نفسه داخل الكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية المرقسية بمنطقة العباسية في وسط القاهرة، ما أسفر عن مقتل 29 شخصاً وإصابة 49 آخرين أغلبهم من النساء والأطفال.

وهناك من يتداول واقعة براءة عبد الرحمن حسن الجبرتي (25 عاماً) بعد تنفيذ حكم إعدامه في ديسمبر/ كانون الأول 2018، أمام المحكمة العسكرية بتهمة قتل رئيس مباحث مركز شرطة الجناين بالسويس. وعلى الرغم من حصوله على البراءة في قضية أخرى غير التي حكم عليه بالإعدام فيها (القضية رقم 297 لسنة 2017 جنايات السويس) بينما قضية الإعدام استنفد فيها المحامون كلّ الطعون، فإنّ حالة التنديد بعقوبة الإعدام لم تهدأ، باعتبار "الإعدام قتلا بالقانون في دولة لا تطبق القانون إلا على خصومها السياسيين".

يرتفع عدد المنفذ بهم حكم الإعدام في قضايا ذات طابع سياسي إلى 47 شخصاً منذ يوليو/ تموز 2013، في حين ينتظر 59 شخصاً على الأقل تنفيذ الإعدام، بعد استيفائهم مراحل التقاضي وصدور أحكام نهائية بإعدامهم، بحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (مجتمع مدني).

يشار إلى أنّ تنفيذ حكم الإعدام بحق تسعة متهمين في قضية اغتيال النائب العام، جاء بعد حملات تصفية وقتل مباشر أجرتها وزارة الداخلية المصرية راح ضحيتها 16 مواطناً مصرياً على الأقل، وادعت وزارة الداخلية المصرية تورطهم في القضية. فوفقاً لتقارير الصحف الحكومية والبيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية المصرية، هناك 11 شخصاً قتلتهم الشرطة المصرية في مواجهات أمنية، ارتبطت أسماؤهم بقضية اغتيال النائب العام السابق، إلى جانب 14 أوقفتهم أمنياً، و35 مطارداً.

في 2 يوليو/ تموز 2016، أعلنت وزارة الداخلية المصرية في بيان لها "القضاء على 9 إرهابيين خططوا لتنفيذ عمليات استشهاد النائب العام، وهم من مسؤولي لجان العمليات النوعية التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية، وذلك في إطار ملاحقة العناصر القيادية الإخوانية الهاربة المتهمين والمحكوم عليهم في قضايا قتل وأعمال عنف وإرهاب".



وفي 19 أغسطس/آب 2016، نقلت البوابة الإلكترونية لصحيفة الأهرام الحكومية، خبراً بعنوان "داعش بليبيا ينشر بيانات المتهم بقتل المستشار هشام بركات" قالت فيه: "نشر تنظيم داعش في ليبيا صورة مرفقة ببيانات هشام العشماوي المتهم الأول في اغتيال النائب العام المصري، المستشار هشام بركات". وبحسب المنشور، فإنّ العشماوي يقاتل في صفوف ما يسمى بمجلس شورى مجاهدي درنة في ليبيا، وذلك بعد قدومه من مصر".

وفي فبراير/ شباط 2016، أبرزت الوكالة الرسمية المصرية، في تقريرها عن الصحف المصرية، ما جاء في صحيفة الأخبار الحكومية عن "تصفية قتلة المستشار هشام بركات، النائب العام السابق".

وفي 4 مارس/ آذار 2016، كشفت الوكالة الرسمية المصرية أنّ النيابة العامة، قامت بحبس 6 أشخاص، قالت إنّهم منتمون للإخوان على ذمة قضية اغتيال النائب العام، وإنّ "وزير الداخلية المصرية مجدي عبد الغفار، قال إنّ حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، قامت بتدريبهم، لافتاً إلى أنّه تم ضبط جميع العناصر التي شاركت في اغتيال النائب العام وعددهم 14 عنصراً من ضمن خلية تضم 48 يترأسها قيادات من الإخوان بالخارج بينهم يحيى موسى".

الجدال حول تنفيذ عقوبة الإعدام أو الإبقاء عليها مستمر منذ اندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، عندما انطلقت مجموعات حقوقية مثل "ضد الإعدام" و"لا للإعدام" وغيرها تطالب بإلغاء تلك العقوبة، مستشهدين بحالات مماثلة لحالة الجبرتي، متمسكين بحجج عديدة منها أنّها "العقوبة الوحيدة التي لا يمكن تدارك آثارها إذا تبين في ما بعد براءة النفذة فيه، وأنّه لا يجوز للدولة أن تمارس القتل حتى ولو كان عقاباً على القتل فمكافحة الجريمة لا يكون بفعل وحشي من جنسها".

كذلك، يعتبر المناهضون للعقوبة أنّه "يمكن استبدالها بالسجن مدى الحياة، وهو يؤدي الغرض نفسه، بعزل المجرم عن المجتمع، كما لم يثبت وفقاً للإحصاءات الجنائية أنّها حدت من وقوع الجرائم المعاقب عليها". ويشير المناهضون للعقوبة إلى أنّها "بصفة عامة لم تشرع للتشفي والانتقام بل لتحقيق الردع والإصلاح".

أما حجج المؤيدين للإبقاء على العقوبة، فلأنّها منصوص عليها في الشريعة الإسلامية حدّاً وقصاصاً وتعزيراً، وأنّها تحقق الردع العام في الجرائم الخطيرة، وأنّها تشفي صدور أهل المجني عليه في الجرائم ضد الأشخاص وتمنع تبادل الانتقام.

كذلك، يعتبر المؤيدون أنّها تحمي المجتمع من الجرائم التي تهدد كيانه، وأنّه لا يعلم تحديداً عدد الجرائم التي يمكن أن تقع لو ألغيت عقوبة الإعدام.




يتحدث أستاذ القانون الدستوري، نور فرحات، عن الموقف العالمي من العقوبة: "أوقفت 24 دولة عقوبة الإعدام عملياً فهي تحتفظ بها في القانون لكنّها لم تنفذ أيّ عمليات إعدام طوال السنوات العشر الماضية أو أكثر، ويُعتقد أنّها تنتهج سياسة أو لديها ممارسات تقضي بعدم تنفيذ عمليات إعدام، مما يرفع مجموع الدول التي ألغت عقوبة الإعدام في القانون وتنفيذها إلى 120 دولة".