أهالي سبها يواجهون مصير ليبيي بنغازي

20 فبراير 2019
ساعات بعد دخول قوات حفتر إلى المدينة (فرانس برس)
+ الخط -

يواجه بعض سكان مدينة سبها وجوارها في الجنوب الليبي المصير نفسه الذي لقيه سكان مدن عدّة اجتاحتها قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في بنغازي ومناطق واقعة في شرق البلاد ووسطها، وذلك بسبب مواقفهم المعارضة لحفتر. وحتى يومنا، ما زالت نحو 10 آلاف أسرة تعيش بعيداً عن منازلها في بنغازي وفي مدن أخرى، لا سيّما في مصراتة وطرابلس (شمال غرب)، بسبب انتماء أبناء تلك الأسر إلى القوات التي كانت تقاتل حفتر في بنغازي أو بسبب آراء بعض أبنائها الذين ينتمون إلى أحزاب وتيارات تعارض حفتر. يُذكر أنّ أسراً كثيرة فرّت من درنة (شمال شرق) منذ بدء حملة حفتر على المدينة في العام الماضي، وكذلك من منطقة الهلال النفطي (وسط).

في سبها التي سيطرت قوات حفتر عليها بصورة كاملة قبل أيام، إلى جانب مناطق صغيرة وقرى مجاورة للمدينة، ثمّة حركة نزوح ليبية، سواءً أكان الأمر متعلّقاً بأسر بأكملها أو بأفراد. وهؤلاء إمّا من معارضي سيطرة حفتر على المدينة وإمّا ينتمون إلى تيارات ترى في حكم العسكر انقلاباً على أهداف ثورات "الربيع العربي".

وفي خلال الأيام الماضية، انتشرت تسجيلات فيديو تصوّر اقتحام مقاتلي حفتر بيوت السكان بحثاً عن أفراد أو شخصيات معارضين لهم. كذلك تبرز تلك التسجيلات ما يحصل من عبث بالممتلكات وسرقة وتعديات على حرمة البيوت، في إشارة واضحة إلى أنّ المدينة تعاني ما عانته سابقاتها. وعلى الرغم من نفي قيادة قوات حفتر تبعية هؤلاء المقتحمين الذين ظهروا في تسجيلات الفيديو لها، وتهديدها بإلقاء القبض عليهم وإحالتهم إلى التحقيق ومعاقبتهم، فإنّ تلك التعديات ما زالت تظهر جليّة من خلال التسجيلات التي تنتشر على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي. ومعارضو حفتر لم يجدوا سبيلاً لكشف التعديات إلا من خلال نشرها بتلك الطريقة.




حامد البوسيفي من أهالي المدينة الذين نزحوا أخيراً، يقول لـ"العربي الجديد" إنّه وأسرته لم ينزحوا "لأسباب طبيعية أو على خلفية اشتباكات أو ظروف أمنية"، مؤكداً: "تعرّضنا لتهجير قسري. بالتالي فإنّ مسمّى نازحين لا ينطبق علينا". يضيف البوسيفي: "نحن نحظى بحماية القبيلة لكنّنا اضطررنا إلى الهجرة بسبب تهديدات مسلحي حفتر للقبيلة التي شدّدت على ضرورة خروجنا من المدينة". ويشير إلى أنّ "بيوت المهجّرين قسراً تعرّضت للتخريب وسرقة محتوياتها، لا بل وحرق أجزاء منها"، معبّراً عن خشيته من الانتقام بهدم المنازل وتكرار ما حدث في بنغازي.

لم تنتهِ الأحداث بعد في المدينة، لذا لا تتوفّر أرقام ولو تقريبيّة لعدد المهجّرين من المدينة، لكنّ 36 أسرة تقريباً وصلت إلى طرابلس، واستقرّت بحيّ وادي الربيع في عين زاره وبلدة قصر بن غشير، وثمّة ترجيحات بأن يكون العدد أكبر. ويشير البوسيفي إلى أنّ "أسراً أخرى وصلت إلى مناطق عدّة، بعضها قريب من سبها. وثمّة أسر ما زالت في المدينة، وهي مهددة بالتهجير كذلك".

من جهته، يقول عبد القادر الفيتوري الذي تهجّر مع أسرته من بنغازي ويقيم في مصراتة منذ ثلاثة أعوام، إنّ "نتائج عملية حفتر في سبها لن تختلف كثيراً عمّا حدث في بنغازي". ويشرح لـ"العربي الجديد" أنّ "قوّة حفتر تستخدم الاستراتيجيات نفسها من خلال إثارة الخلافات القديمة من جديد بين القبائل. ولأنّ مواليه هم اليوم في موقع قوّة، فإنّهم سوف يلاحقون أفراد القبائل الأخرى، ليس لأنّهم معارضون لحفتر بل لأسباب ونعرات تاريخية". ويؤكد الفيتوري أنّ "الشرخ الاجتماعي الذي تعانيه بنغازي ومدن أخرى بدأ يضرب سبها".



في السياق، يطالب أهالي مدينة مرزق، القريبة من سبها، المجتمع الدولي بالتدخّل لحمايتهم ممّا يصفونه بـ"التطهير العرقي" على يد قوات حفتر في حال وصلت إلى منطقتهم. ويؤكدون مخاوف المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، التي عبّر عنها في خلال تناوله الأوضاع في جنوب البلاد أمام مجلس الأمن، علماً أنّه حذّر من "وقوع نزاع وشيك". وبحسب بيان أصدره أهالي المدينة ذات الأغلبية المتحدّرة من قبيلة "تبو"، قبل أيام، فإنّ حفتر يستخدم مليشيات قبلية تحت غطاء عملية عسكرية تهدف إلى مطاردة الإرهابيين، وهي في طريقها إلى منطقتهم. وحذّر الأهالي من عمليات انتقام عرقية يقودها عناصر ينتمون إلى قبائل مناوئة لقبيلتهم.

تجدر الإشارة إلى أنّ قوات حفتر أعلنت أخيراً أنّها تتقدم في اتجاه مناطق التبو في مرزق وأم الأرانب وتويوا وغيرها، بالتزامن مع إعلانها عن عمليات وصفتها بـ"الأمنية" في سبها لملاحقة خلايا إرهابية. ويلفت مراقبون إلى أنّ عمليات للقبض على معارضي حفتر تُنفَّذ في المدينة.