أندريه ساخاروف... 30 عاماً على رحيل "ضمير الأمة الروسية"

14 ديسمبر 2019
جنازة أندريه سخاروف (ويتيك لاسكي/Getty)
+ الخط -
تُصادف اليوم السبت، ذكرى مرور 30 عاماً على رحيل عالم الفيزياء النووية السوفييتي، أندريه ساخاروف، والذي كان واحداً من مخترعي القنبلة الهيدروجينية، ولُقّب لاحقاً بـ"ضمير الأمة" نظراً إلى إدراكه مسؤولية العلماء عن التداعيات المدمّرة لأعمالهم، ونضاله من أجل قيم الحرية وحقوق الإنسان، ومعارضته التدخل العسكري السوفييتي في أفغانستان.
في عام 1947، حاز ساخاروف على شهادة دكتوراه من معهد ليبيديف للفيزياء التابع لأكاديمية العلوم السوفييتية، وفي العام التالي أُلحِق بمجموعة العمل الخاصة بتطوير السلاح النووي الهيدروجيني الفتّاك الذي فاقت قوته قوة القنابل النووية بمقدار أضعاف. وعلى الرغم من دوره المحوري في تطوير القنبلة الهيدروجينية التي اختبرها الاتحاد السوفييتي في عام 1953، استناداً إلى اقتناعه بأنّها سوف تحقق توازناً في العالم ذي القطبين، فإنّ ساخاروف أدرك خطورة نشاطه وتوجّه نحو العمل الاجتماعي منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي، داعياً إلى الحدّ من اختبار الأسلحة النووية حتى وقفها بشكل كامل. كذلك، كان الأكاديمي ساخاروف واحداً من المبادرين إلى إبرام اتفاقية موسكو لحظر التجارب النووية في الغلاف الجوي والفضاء وتحت البحار في عام 1963، بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأميركية.
تقول أمينة صندوق متحف "مركز ساخاروف" في موسكو، ناتاليا ساموفير، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ساخاروف كان شخصية فريدة من نوعها جمعت ما بين مخترع فيزيائي عبقري ومفكر إنساني على نطاق عالمي". تضيف ساموفير أنّ ذلك "كان ملحاً جداً في زمن حازت فيه أكبر قوتَين عسكريتَين عالميتَين، حائزتين على الأسلحة النووية التي كان استخدامها سوف يؤدّي إلى تدمير العالم كله. وساخاروف من بين الأوائل الذين أدركوا الأمر وساهم في إبرام اتفاقية 1963". وعلى الرغم من مرور 30 عاماً على رحيله، ترى ساموفير أنّ "إرث ساخاروف ما زال يساهم في جعل الدول الكبرى تتوقف عند حدّ معيّن في المواجهة في ما بينها من دون الانزلاق إلى صدام نووي".
لم تقتصر أنشطة ساخاروف على العمل من أجل منع نشوب حرب نووية مدمرة، إنّما انخرط كذلك في النشاط الحقوقي والدعوات إلى التقارب بين القطَبين وإعلاء قيم الشفافية والديمقراطية. وبعد معارضته التدخل العسكري السوفييتي في أفغانستان في عام 1979، حُرم ساخاروف من كلّ الامتيازات من دون خضوعه إلى محاكمة، ونُفِي إلى مدينة غوركي (نيجني نوفغورود حالياً) حيث أقام برفقة زوجته سبعة أعوام تقريباً تحت مراقبة جهاز الأمن السوفييتي (كي جي بي).
وتعليقاً على دور نشاط ساخاروف الحقوقي في اعتباره "ضمير الأمة"، تقول ساموفير إنّ "الروس ما زالوا يرون فيه عالماً وإنساناً بلغ قمّة الهرم وأدرك أهمية حقوق الإنسان، ولم يتردّد في وضع كلّ ما لديه على المحكّ من أجل المصلحة العامة، بعدما سلّم في أثناء عمله على تصميم القنبلة الهيدروجينية أنّ أعلى القيم هي الإنسان وحقوقه". وتشير إلى أنّه "بينما يُعَدّ مفهوم حقوق الإنسان واضحاً اليوم، فإنّه كان يتطلب جهداً فكرياً واختراقاً مدنياً في الاتحاد السوفييتي ما بعد حقبة حكم جوزيف ستالين".
ظلّ ساخاروف في المنفى حتى انطلاق قطار إصلاحات "بيريسترويكا"، حين فوجئ في عام 1986 بوصل خطّ هاتف أرضي إلى منزله وتلقّيه اتصالاً من آخر زعماء الاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف دعاه فيه إلى العودة إلى موسكو، ليصير نائباً شعبياً واكب التحوّلات الجذرية في الاتحاد السوفييتي في السنوات الأخيرة من عمر الدولة العظمى. ولم يتردّد ساخاروف في وضع رؤيته للدستور السوفييتي وإرسالها إلى غورباتشوف من دون أن يتلقّى رداً، فقد وافته المنيّة في 14 ديسمبر/ كانون الأول من عام 1989.
تجدر الإشارة إلى أنّ سجلّ ساخاروف الحافل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان هو الذي دفع البرلمان الأوروبي في عام 1988 إلى استحداث "جائزة ساخاروف لحرية الفكر" التي تُمنَح سنوياً لتكريم مساهمة في النضال من أجل حقوق الإنسان وفضح انتهاكها. وفي العام الأول على تأسيس الجائزة، مُنِحت للمناضل الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا المعروف بمناهضته نظام الفصل العنصري (أبارتهايد)، وللمنشقّ السوفييتي أناتولي مارتشينكو الذي كان قد لقي حتفه من جرّاء إضرابه عن الطعام في المعتقل قبل ذلك بعامَين. وفي العام الماضي، مُنِحت جائزة ساخاروف للمخرج الأوكراني المعتقل حينها في روسيا بتهمة "الإرهاب"، أوليغ سينتسوف، علماً أنّه أُفرِج عنه في إطار اتفاق لتبادل الأسرى ما بين موسكو وكييف في بداية سبتمبر/ أيلول الماضي.
دلالات