تكثر أكوام النفايات في مصر، غير أنّ الأكثر خطورة هو انتشارها بالقرب من المدارس، فهي تهدّد صحّة التلاميذ وكذلك المدرّسين والعاملين في المؤسسات التربوية، لا سيّما عند حرقها.
الأسبوع الماضي، أصيبت تلميذات مصريات من مدرسة الداخلة الثانوية الزراعية في محافظة الوادي الجديد، جنوب غرب البلاد، بحالات اختناق وضيق في التنفّس نتيجة الأدخنة الناجمة عن حرق نفايات بالقرب من سور مدرستهنّ. أتى ذلك بعد أيام من إصابة تلميذات أخريات باختناقات في محافظة أسوان، جنوبي مصر، نتيجة تسرّب غاز من مصنع كيما للأسمدة، علماً أنّ مئات من أهالي المنطقة كانوا قد طالبوا بإيجاد حلّ لذلك الغاز. وعادت حادثة محافظة الوادي الجديد لتطرح من جديد قضية النفايات في محيط المدارس، في كل المحافظات المصرية، علماً أنّه لم يسجّل حتى اليوم أيّ تدخّل من قبل الأجهزة التنفيذية على الرغم من اقتراب النصف الأول من العام الدراسي على الانتهاء. ويلجأ السكان في المناطق القريبة من المدارس إلى حرق النفايات للتخلّص من الحشرات الضارة التي تنتشر في مواقع القمامة وكذلك من القوارض والكلاب والقطط التي تكثر في مثل تلك المواقع، من دون أدنى مبالاة بالآثار الخطرة لتلك الأدخنة التي قد تكون قاتلة للتلاميذ المصابين بأمراض صدرية وأصحاب المناعة الضعيفة.
وتشكو مدارس كثيرة في مختلف محافظات مصر من الإهمال وتكدّس النفايات عند أسوارها، الأمر الذي يجعلها غير مناسبة لاستقبال التلاميذ، على خلفيّة الخطر الذي يتهدّد هؤلاء. وتُعَدّ النفايات في مصر مشكلة معقّدة بعدما عجزت الحكومة بأجهزتها المسؤولة عن إيجاد مخرج للتخلّص منها وقد تكدّست في الشوارع والميادين ووصلت في بعض الأحيان إلى مواقع خاصة بمصالح حكومية، لا سيّما المستشفيات والمدارس، وذلك في ظلّ تخلّف الأحياء والمحليات عن أداء دورها من خلال إزالتها. وتكدّس النفايات يتسبّب في عرقلة حركة المرور، بالإضافة إلى الخطر الصحي الذي قد نتج عن تلك المخلفات، فيما يعمد الزبّالون إلى فرز القمامة في الشوارع أمام أعين الجميع. وتفيد تقارير مصرية بأنّ حجم النفايات في محافظة القاهرة يزيد على 11 ألف طنّ يومياً، وخمسة آلاف طنّ في محافظة الجيزة، فيما يبلغ حجم النفايات الصلبة نحو 43 ألفاً و835 طنّاً على مستوى البلاد.
يقول ياسر ن. وهو مدير مدرسة لـ"العربي الجديد" إنّ "تلال النفايات تُلاحظ أمام البيوت فيما تحيط بمدارس كثيرة، فيما يعمد عمّال النظافة في كثير من الأحيان إلى حرقها بدلاً من إزالتها. لذا، فإنّ الأدخنة المتصاعدة من عمليات الحرق تدخل إلى غرف الصفوف، علماً أنّ تلك العمليات قد تستمرّ لأيام عدّة تحت أنظار المسؤولين، من دون أن يتحرّك أيّ كان على الرغم من إدراكهم حجم المشكلة وخطورتها". ويشير إلى أنّ "إدارات المدارس ترفع تقارير ومذكرات سنوية إلى الإدارات التعليمية حتى تعالج تلك المصيبة، من دون جدوى".
بدوره، يقول مدير مدرسة آخر فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إنّه "في الإمكان وصف حالة الشوارع والمدارس والمصالح الحكومية بالسيّئة جداً، على خلفية تراكم النفايات في محيطها"، متأسفاً لأنها "تتمدد رقع انتشارها لتصل إلى البيوت والمدارس". ويؤكد أنّ "ثمّة أمراضاً معدية كثيرة تصيب التلاميذ نتيجة كثرة الذباب والناموس وحشرات أخرى تجذبها النفايات. كذلك، تكثر الفئران في تلك الأكوام، الأمر الذي قد يؤدّي كذلك إلى أمراض خطرة"، مضيفاً أنّ "ما يفاقم الوضع هو إلقاء الحيوانات النافقة في البقع حيث تتكدّس النفايات". ويتابع أنّ "أزمة النفايات تجاوزت حدّها في كلّ المحافظات المصرية من شمالها إلى جنوبها، نتيجة عجز الحكومة عن إيجاد حلول جديدة ومناسبة لمواجهتها".
في السياق، يقول مهندس فضّل عدم الكشف عن هويته، في أحد أحياء محافظة القليوبية الواقعة إلى شمال محافظة القاهرة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تراكم النفايات في الشوارع هو نتيجة للفساد الإداري والمالي في المحليات، بالتالي ينتشر في كل أنحاء البلاد، بطولها وعرضها. وهذا ما يجعل الشوارع مرتعاً للكلاب الضالة والحشرات والقوارض". يضيف بتهكّم أنّ "تلال القمامة راحت تنافس الأهرامات في ارتفاعها".
من جهته يقول أستاذ الحساسية والمناعة في كلية الطب التابعة لجامعة عين شمس، الدكتور ماجد رفعت، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تراكم النفايات لفترات طويلة يؤدّي إلى مخاطر صحية جسيمة، ويأتي إحراقها ليتسبب في أمراض صدرية مختلفة نتيجة استنشاق الأدخنة الصادرة عنها، نظراً إلى ما تحويه من عناصر كيميائية خطيرة". يضيف رفعت أنّ "أكوام النفايات تمثّل بيئة مؤاتية لنموّ الجراثيم والفطريات بأنواعها المختلفة، في حين تنبعث منها غازات سامة وروائح كريهة"، لافتاً إلى أنّها "تسبب كذلك تلوّثاً بصرياً". ويطالب رفعت بـ"ضرورة استخدام الطرق الصحية الآمنة في التخلص منها بدلاً من حرقها"، مشيراً إلى أنّ "إعادة تدويرها (على سبيل المثال) تحمي البيئة". ويشدّد على أنّ "انتشار تلك النفايات بالقرب من المدارس أمر لا يُرضي أيّاً كان".