يمنيات يلجأن إلى "الغرسات" خوفاً من الإنجاب

01 ديسمبر 2019
رضيع لم يغادر المستشفى في اليمن (محمد حمود/ الأناضول)
+ الخط -

تشكو نساء يمنيات عدم توفر وسائل منع الحمل في الصيدليات، باستثناء تلك المرتفعة الأسعار، وعدم توزيعها من قبل المنظمات الدولية، ما يدفع بعضهن للجوء إلى "الغرسات" كونها متوفرة ورخيصة

يشكو الكثير من سكان المناطق الخاضعة لسيطرة أنصار الله الحوثيين من عدم توفر وسائل تنظيم الأسرة التي كانت توزع مجاناً في المرافق الصحية الحكومية، أو تباع بأسعار مخفضة في الصيدليات، قبل قيام السلطات الصحية بسحبها من المرافق والصيدليات. وفوجئت عبير عبد الخالق، وهي من سكان صنعاء، بسبب عدم توفر غرسات منع الحمل (الغرسة قطعة بلاستيكية مرنة بحجم عود الثقاب، تُوضع تحت جلد الجزء العلوي من الذراع. وتُطلِق غرسة منع الحمل جرعة منخفضة ثابتة من هرمون البروجستيرون، لزيادة مخاط عنق الرحم وتخفيف سمك بطانة الرحم، كما تمنع غرسة منع الحمل الإباضة أيضاً) في السوق التي وصفتها لها الطبيبة.

وتقول لـ "العربي الجديد": "لأول مرة، تنعدم وسائل منع الحمل. في السابق، كانت من أرخص أنواع المشتريات التي قد نشتريها من الصيدلية، بل كانت توزع مجاناً لتحفيز الناس على تنظيم النسل". وتشير عبير إلى أن عدم قدرتها على توفير وسائل تنظيم النسل قد يعرضها لمخاطر صحية مختلفة. "الحمل في هذه المرحلة يعني أنني سأتعرض لبعض المشاكل الصحية، وأعرض حياة الجنين للخطر، كما أخبرتني الطبيبة". وتتساءل: "لماذا تقوم وزارة الصحة بمنع هذه الوسائل ونحن في أمس الحاجة إليها بسبب ظروفنا المعيشية التي تجعلنا غير قادرين على توفيرها من مكان آخر، بعدما كان بعضها يوزع علينا مجاناً؟".




كما تشكو فاطمة عبد السلام بسبب عدم توفر وسائل تنظيم النسل الآمنة. "لدي أربعة أطفال، واستخدم منذ فترة حبوب منع الحمل لأنني لم أستطع تحمل بقية الوسائل"، مشيرة إلى أن الأقراص التي تمنع الحمل "لم تعد متوفرة مجاناً في المراكز الصحية، وأسعارها مرتفعة في السوق". تضيف لـ "العربي الجديد": "أشتري الحبوب من الصيدلية بأسعار باهظة، وهذا الأمر صعب علينا لأننا نمر بظروف معيشية صعبة للغاية. لا ندري هل نوفر المال من أجل الغذاء أو من أجل هذه المستلزمات؟".

المعلّمة لينا مارش تضرّرت نتيجة منع توزيع موانع الحمل في المراكز الصحية مجاناً، واقتصار بيعها في المستشفيات بأسعار باهظة. تقول لـ "العربي الجديد": "بعد منع توزيع الحبوب التي تمنع الحمل، استخدمت الغرسة كون أسعارها مناسبة، لكنها أرهقتني وقد عانيت منها كثيراً". وتلفت إلى أن لديها ثلاثة أطفال ولا تريد أن تنجب غيرهم في الوقت الحالي.
وعملت وزارة الصحة على سحب الوسائل الخاصة بتنظيم الأسرة تدريجياً خلال الأشهر القليلة الماضية من المراكز الصحية، على الرغم من أنها مقدمة من المنظمات الدولية الصحية مجاناً، بحسب مصدر في أحد المراكز الصحية في صنعاء.

ويقول المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه لـ "العربي الجديد": "أصدرت الوزارة تعميماً للمراكز الصحية الإنجابية يقضي بمنع توزيع غرسات وحقن منع الحمل وحبوب الميكروجينون التي تستخدم في تنظيم الأسرة وتقلل من احتمالات الحمل والولادة المتكررة، وصادرتها كلياً، من دون إبداء أي أسباب. ولم تتوقف السلطات عند منع توزيع هذه الوسائل في المراكز الصحية وحسب، بل ذهبت بعيداً إلى تنفيذ حملات ميدانية واسعة على الصيدليات الخاصة، للتفتيش عن كل الأدوية التي توزعها المنظمات الدولية بشكل مجاني على المواطنين أو تباع في الصيدليات بأسعار مخفضة".



في هذا السياق، يقول الصيدلي خالد الصنعاني (اسم مستعار) لـ "العربي الجديد"، إنهم كانوا يوفرون وسائل تنظيم الأسرة التي توزع مجاناً لبيعها في الصيدليات بأسعار مخفضة لـ "المواطنين الذين لا يستطيعون الوصول إلى المراكز الصحية والحصول عليها مجاناً". ويشير إلى أن السلطات الصحية في صنعاء سحبت كل هذه الأدوية والمستلزمات، لكنها سمحت ببيع بعض الحبوب ذات الأسعار المرتفعة. أما الغرسة، فمعدومة من الأسواق". يضيف: "تختلف أسعار الحبوب التي يسمح ببيعها، وتتراوح ما بين 1200 إلى 4000 ريال يمني (ما بين 3 إلى 8 دولارات أميركية)".

ويوضح الصنعاني أنّ العائلات الفقيرة لا يمكنها شراء هذه الأقراص بهذه الأسعار. "الأمر سيعرض النساء إلى مخاطر صحية مختلفة فضلاً عن تزايد أعداد السكان وانتشار الفقر". ويتّهم الصنعاني شركات تجارية بالوقوف وراء منع توزيع هذه الوسائل في المراكز الصحية. يقول: "بعد منع توزيع الوسائل المجانية، انتشرت في الأسواق أنواع مختلفة من هذه الأدوية الخاصة بتحديد النسل، وبأسعار مرتفعة، وليس هناك تفسير لما حدث إلا أن هناك تجاراً وراء مثل هذه الإجراءات غير المنطقية".

وتُبرّر الجهات الصحية في صنعاء هذه الإجراءات المثيرة للجدال بأنها خطوة لمواجهة تبذير المنظمات الدولية للأموال، بحسب الناطق باسم وزارة الصحة الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) صنعاء، يوسف الحاضري. ويقول لـ "العربي الجديد" إن الصحة الإنجابية "أوسع من مجرد منع الحمل. يجب الاهتمام بالمرأة قبل مرحلة الزواج، وإخضاعها لفحوصات وتحديد سن آمن للزواج وصولاً إلى رعاية المرأة بعد الولادة والطفل حتى لا يصاب بسوء تغذية". ويشير إلى أن المنظمات الدولية المعنية بالصحة الإنجابية "تغفل بقية جوانب الصحة الإنجابية التي تُفهم على أنها موانع حمل فقط".

يضيف الحاضري: "منع الحمل له شروط وأدلة تنظيمية خاصة، فهذا العلاج متى يستخدم؟ وكم يستخدم؟ وهل هذا العمر مناسب؟ وما الأخطار المترتبة على الاستخدام الطويل الأمد كالإصابة بالعقم أو سرطان الثدي؟". ويلفت إلى أن هذه الإجراءات تهدف إلى تقليل المخاطر التي قد تتعرض لها المرأة من خلال "استخدام هذه الحبوب من دون آلية تنظم توزيع هذه الموانع، مثل العقم الذي قد يحدث من جراء الاستخدام المستمر لها، فضلاً عن مخاطر إصابة النساء بالأمراض السرطانية".




ويؤكد المسؤول في إدارة التخطيط في وزارة الصحة في صنعاء، نجيب القباطي، بأن الوزارة في صدد "إعداد كتيب صغير يوضح آلية تنظم استخدام حبوب منع الحمل وتوزيعها بالتعاون مع المنظمات الدولية حفاظاً على صحة النساء". يضيف لـ "العربي الجديد" أن الوزارة لم تمنع تلك الوسائل، لكن هناك معايير على مستوى كل الدول لاستخدام هذه الوسائل، ويجب أن تخضع لهذه الآلية والشروط".

وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن نحو 6 ملايين امرأة في اليمن في سن الإنجاب، وجميعهن في حاجة إلى الدعم والرعاية، وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت في وقت سابق عن ولادة أربعة ملايين طفل في اليمن منذ بدء الحرب في البلاد قبل أكثر من أربع سنوات.
المساهمون