أعادت التظاهرات العراقية المستمرة منذ أكثر من شهر، الحياة إلى المطابع التي لا تنتعش عادة إلا في فترة الانتخابات، وشهدت المكتبات توافداً للمحتجين الباحثين عن الأعلام الوطنية وبقية مستلزمات التظاهر الذي اتخذ أشكالاً مختلفة لم يشهد لها العراق مثيلاً من قبل.
محمد باسل صاحب مطبعة في شارع السعدون وسط بغداد القريب من ساحة التحرير، قال لـ "العربي الجديد"، إنّ إقبال المتظاهرين على المطابع كان واضحاً خلال شهر التظاهر المنصرم، موضحاً أن كثرة الشعارات التي يرفعها المتظاهرون تحولت إلى مصدر رزق إضافي لأصحاب المطابع.
وأضاف: "في كل يوم تقريباً يأتي إلينا عشرات المتظاهرين الذين يطلبون كتابة شعارات أو وضع صور لقتلى الاحتجاجات على بوسترات كبيرة الحجم"، مبيناً أن أغلب أصحاب المطابع خفّضوا الأسعار تضامناً مع المتظاهرين.
وأكد زين العابدين الحسناوي لـ "العربي الجديد" أنه وَضَعَ مطبعته الصغيرة في بغداد تحت تصرف المتظاهرين في موجة الاحتجاجات الأولى التي انطلقت في الأول من الشهر الماضي، مستدركاً: "إلا أن المتظاهرين الآن يصرون على منحي مبالغ تسدد كلفة المواد التي تستخدم في الطباعة".
وأضاف: "لأنني من الشباب المتخرجين العاطلين من العمل، قررت الالتحاق بصفوف المتظاهرين مساء كل يوم"، مبيناً أن المشاركة في هذا الكرنفال الشعبي الاحتجاجي فرصة لا يمكن أن تعوَّض.
وفي هذا الصدد، قال ناشطون في احتجاجات بغداد لـ "العربي الجديد"، إنّ تعاون أصحاب المطابع معهم سهّل مهمتهم في التظاهر بشكل كبير، موضحين أن تسارع الأحداث والحاجة إلى رفع شعارات جديدة يدفعانهم أحياناً إلى الاتصال بأصحاب المطابع من خلال الهاتف لتكتمل البوسترات الجديدة وتصل إلى ساحة التحرير خلال دقائق، لكون أغلب المطابع تقع في شارع السعدون الذي يمثل امتداداً لساحة التحرير.
وأشاروا إلى وجود مبادرات من قبل أصحاب المكتبات الذين زوّدوا المتظاهرين بكميات كبيرة من الأعلام والشموع ومستلزمات أخرى للتظاهر، موضحين أن ما حدث يمثل انتفاضة حقيقية شارك فيها جميع العراقيين كل من موقعه.
وقال أحد أصحاب المكتبات في شارع الرشيد القريب من ساحة التحرير، إنّ المتظاهرين يأتونه كل يوم لشراء أعداد كبيرة من الأعلام العراقية، مؤكداً لـ "العربي الجديد" أنه اضطر إلى جلب آلاف الأعلام من مخزنه لبيعها للمتظاهرين بسعر الجملة.
ولفت إلى أنه تعاون معهم أيضاً في مسألة طبع المنشورات الصغيرة والتوجيهات التي توزع في ساحات التظاهر بأسعار مخفضة.
وتابع: "في الوقت ذاته لا يمكن أن ننكر أن التظاهرات أنعشت سوق المكتبات الذي عانى من ركود خلال السنوات الأخيرة بسبب الإقبال على التكنولوجيا التي خطفت نسبة كبيرة من زبائن المكتبات"، موضحاً أن كثيراً من أصحاب المكتبات تعاونوا مع المتظاهرين ولم يرفعوا الأسعار عليهم، مع استثناء قلة من أصحاب المكتبات استغلوا الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد لرفع الأسعار.
إياد الشيخ، وهو أحد الناشطين في تظاهرات بغداد، قال لـ "العربي الجديد"، إنّ الاعتماد على المطابع والمكتبات كان له أثر كبير في إدامة الزخم، مبيناً أن أعداد المتظاهرين تصل أحياناً إلى الآلاف أو عشرات الآلاف، وفي هذه الحالة لا يمكن مخاطبتهم جميعاً إلا من خلال بوسترات كبيرة تكتب عليها الشعارات أو المواقف الجديدة، فضلاً عن توزيع منشورات لتوعية المتظاهرين.
يشار إلى أن شارع السعدون وسط بغداد الذي يبدأ بساحة كهرمانة من الجنوب وينتهي بساحة التحرير شمالاً، يعدّ المركز الرئيسي للمطابع في بغداد خصوصاً والعراق عموماً، التي يعود تاريخ بعضها إلى عهد العراق الملكي، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت ركوداً في سوق الطباعة باستثناء فترات الانتخابات، ما أدى إلى إغلاق عشرات المطابع التي يوجد بعضها في شارع الرشيد الذي يمثل امتداداً لشارع السعدون وتفصل بينهما ساحة التحرير.