يوم السبت الماضي، عاد تلاميذ غزة إلى مدارسهم بعدما اضطروا إلى التغيّب عنها لأيام بسبب العملية الإسرائيلية الأخيرة. هم عادوا إلى صفوفهم، لكنّ كثيرين منهم ما زالوا يعانون آثار العدوان.
قاسية كانت تلك الأيام الثلاثة التي عاشها أهل غزة خلال الأسبوع المنصرم، وسط قصف استهدف به الاحتلال الإسرائيلي أهدافاً عسكرية ومدنية على حدّ سواء. وقد توالت في تلك الأيام المشاهد التي صوّرت جرائم الاحتلال البشعة، فهو قتل 34 فلسطينياً في القطاع المحاصر وجرح أكثر من 110 آخرين. ولعلّ المشاهد الأكثر إيلاماً كانت للأطفال الذين استشهدوا، ولأخرى صوّرت أخيراً رفاقهم أو زملائهم في المدارس وقد افتقدوا حضورهم.
وخلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، استشهد ستّة تلاميذ بحسب بيانات وزارة التربية والتعليم العالي في غزة، وهم محمد عطية حمودة (18 عاماً) من مدرسة عثمان بن عفان الثانوية شمالي غزة، وإسماعيل عبد العال (16 عاماً) من مدرسة يافا الثانوية شرقي غزة، وأمير عياد (سبعة أعوام) من مدرسة الزيتون المشتركة للاجئين شرقي غزة، إلى جانب ثلاثة من عائلة السواركة في مدينة دير البلح وسط غزة وهم معاذ (سبعة أعوام) من مدرسة عبد الله بن رواحة المشتركة ومهند (12 عاماً) ووسيم (13 عاماً) من مدرسة عبد الله بن رواحة للبنين. يُذكر أنّ 15 مدرسة تضرّرت من جرّاء تلك العملية العسكرية، واختلفت الأضرار ما بين انهيار جدران وتصدّعات في أخرى، بالإضافة إلى تحطّم أبواب ونوافذ، لكنّ التلاميذ على الرغم من ذلك عادوا إلى صفوفهم.
أحمد الحطاب (15 عاماً) من بين هؤلاء الذين عادوا إلى مقاعدهم الدراسية، علماً أنّه في الصف العاشر بمدرسة يافا الثانوية. يخبر أحمد "العربي الجديد" أنّه صُدم عندما شاهد على التلفزيون نبأ استشهاد زميله في الفصل إسماعيل عبد العال، فراح يبكي وشعر بضيق خانق. يقول: "كان صاحب نكتة، وكنت أشعر بالمرح في حضوره كما حال تلاميذ الفصل الآخرين. جميعنا كنّا ننتظر منه أن يحكي لنا النكات". يضيف أحمد: "علاقتي بإسماعيل هي ليست زمالة فحسب بل صداقة كذلك، وأنا لا أحتمل اللحظات التي يحدّثني خلالها زملاء المدرسة أو الجيران عن استشهاده. كلّ واحد يروي ما حدث بطريقة مختلفة، وأنا لا لم أعد أرغب في معرفة أيّ شيء. هو استشهد وانتهى الموضوع. كلّ واحد منّا قد يستشهد في غزة، وقد يكون في غرفة نومه". ولا يخفي أحمد "الشعور بالضيق الذي خنقني لحظة دخولي المدرسة، وعندما بدأ مدير المدرسة يتحدث عن الشهداء التلاميذ، بمان فيهم الذين رحلوا في عمليات عسكرية سابقة"، لافتاً إلى أنّ "المدرسة خصّصت مساحة على أحد الجدران ليكتب عليها زملاء إسماعيل رسائل له بأقلامهم". وكان إسماعيل عبد العال قد استشهد مع شقيقَيه إبراهيم (19 عاماً) وأحمد (26 عاماً) يوم الأربعاء الماضي في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني، عندما أغارت طائرات إسرائيلية على موقع قريب من منجرة العائلة شرقي مدينة غزة.
في مدينة دير البلح، وقعت مجزرة في حقّ عائلة السواركة صباح الخميس الماضي في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني، راح ضحيّتها ثمانية أفراد من العائلة التي كانت تسكن في منزل متواضع دمّرته الطائرات الإسرائيلية بالكامل. في مدرسة عبد الله بن رواحة المشتركة للبنين، كان للأمر وقعه الأليم، فاثنَين من الشهداء كانا يتابعان تعليمهما فيها. براء سمور (12 عاماً) واحد من تلاميذ المدرسة، يقول لـ "العربي الجديد" بحزن: "أخبرتني خالتي في ذلك اليوم أنّ منزل صديقي مهنّد دُمّر، فيما لم أستيقظ أنا على صوت القصف. فركضت باتجاه منزلهم، ووجدت أشخاصاً كثيرين يحفرون في المكان لإخراج من بقي حيّاً تحت الأنقاض. وعندما رأيت سيارة الإسعاف، توجّهت نحوها سريعاً فوجدت فيها جثة مهند". فرجع إلى منزله وهو يبكي ويرتعش. ويتمنّى براء "الانتقال إلى مدرسة أخرى"، فمنذ عودته إلى المدرسة بعد انتهاء العدوان الأخير، يتحدّث الجميع عن مهند ومعاذ ووسيم. يتذكّر براء آخر ما تشاركه مع مهند، فيقول: "اتفقنا أنّنا سوف نبدأ بجمع مصروفَينا لنشتري كرة قدم، بعدما ضاعت كرتي التي كنّا نلعب بها بالقرب من منزلَينا. لكنّني اليوم لم أعد راغباً في شراء كرة ولا اللعب من جديد". يُذكر أنّ الفتيان كانا يشجّعان فريق برشلونة الإسباني وبطلهما المفضّل اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي.
وفي مدرسة الزيتون المشتركة، ما زال سعيد أبو حنيف (سبعة أعوام) يبكي زميله أمير عياد. عند عودته إلى المدرسة يوم السبت الماضي، اكتشف استشهاده، فانطوى على نفسه إذ إنّه لم يعد قادراً على التواصل مع مدرّساته. لكنّه قبل المغادرة، سأل إحداهنّ: "كيف يمكننا حماية أنفسنا من الموت خلال القصف الإسرائيلي؟". ويخبر سعيد "العربي الجديد" أنّه وأمير كانا يحبّان كرة القدم واللعب في مدينة الملاهي في حيّ الزيتون في غزة.
عند عودة تلاميذها إلى صفوفهم، بعد العطلة القسريّة على خلفيّة العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، راحت المدارس تخصّص حصص تفريغ نفسي للأطفال الذين عانوا الخوف خلال التصعيد الإسرائيلي. وصار المدرّسون يتشاركون مع تلاميذهم أنشطة رياضية في محاولة للتخلّص من تأثيرات ما مرّوا به، لا سيّما في المدارس المتضررة من القصف وفي تلك التي سقط تلاميذ منها شهداء. يُذكر أنّ وكيل وزارة التربية والتعليم العالي في غزة زياد ثابت كان قد صرّح في السياق، بأنّ المؤشرات الأولية تدلّ على حالات صدمة وخوف، خصوصاً بين التلاميذ الذين اضطروا للعودة إلى مدارس متضررة.