استعاد وسط بيروت أو "البلد" مع انطلاق الانتفاضة في لبنان، قبل 13 يوماً، شيئاً من ماضيه. فالعربات والبسطات عادت إلى شوارعه التي امتلأت باللبنانيين الرافضين واقعهم. وهؤلاء المنتفضون الذين يفجّرون غضبهم في شوارع وسط العاصمة اللبنانية، بأشكال مختلفة، في حاجة إلى مثل تلك العربات والبسطات ليشبعوا جوعاً أو عطشاً في أحيان كثيرة، الأمر الذي يمثّل فرصة استرزاق لأصحابها. في ظلّ التظاهرات والاعتصامات التي تترافق مع إغلاق للطرقات في أكثر من منطقة في بيروت، تأثّر عمل أصحاب العربات والبسطات في أنحاء مختلفة من العاصمة، فرأوا أنّه من المجدي نقل مصادر رزقهم إلى "البلد" حيث يستطيعون بيع الكعك والعصائر والذرة والفول وكذلك السندويشات وغيرها. إلى جانب هؤلاء، ثمّة آخرون لم يعملوا من قبل في هذا المجال، لكنّهم رأوا في ذلك فرصة عمل جديدة ومربحة.
طوني فارس، شاب لبناني يقلي البطاطس في وسط بيروت ويبيعها للمتظاهرين، يقول لـ"العربي الجديد": "وجودنا هنا اليوم هو واجب وطني أوّلاً، لكنّه من واجبنا كذلك أن نوفّر الطعام للمتظاهرين الذين يقضون ساعات طويلة في ساحة الشهداء، في حين نؤمّن رزقنا". يُذكر أنّ فكرة فارس كانت قد خطرت له ولعدد من أصدقائه قبيل الانتفاضة، وقد أتت الأخيرة بحسب ما يشير "فرصة لنا بهدف تطبيقها والتأكّد من إمكانية نجاحها أم لا. وكما يبدو، فإنّها نجحت، لا سيّما أنّ الغلاء المعيشي يدفع الناس إلى أطعمة بمتناول الجميع". يُذكر أنّ البطاطس من المواد الغذائية الأقلّ كلفة في لبنان، وهي تلقى إقبالاً من قبل الجميع. ويؤكّد فارس أنّه سوف يبقى في الشارع حتى بعد انتهاء الانتفاضة، لأنّ بسطة البطاطس، بحسب ما يوضح، هي "مصدر عيشي الوحيد اليوم"، آملاً باستمرار مشروعه في هذا المجال.
إلى جانب بسطة البطاطس المقلية، ثمّة عربات وبسطات عدّة لـ"الكعكة الطرابلسية" التي تنتشر عادة في مناطق شعبية عدّة في بيروت. فهي كثرت منذ انطلاق الانتفاضة، في ساحتَي رياض الصلح والشهداء في وسط بيروت. رشيد واحد من أصحاب تلك العربات والبسطات، كان يتمركز من قبل تحت جسر الكولا (غربي بيروت)، لكنّه بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد"، اضطر إلى الانتقال إلى "البلد" بسبب قلّة الحركة في هذه الأيام. يضيف: "بدنا نعيش! نحن مضطرون إلى تغيير مواقع عملنا حتى نتمكّن من العيش. ثمّة مستحقّات كثيرة علينا سدادها". ويشير رشيد إلى أنّ "سعر الكعكة هنا كما كان في الكولا، وهو في متناول الجميع"، مؤكداً أنّ "عملي هذا يفيد الانتفاضة فيما أستفيد بدوري".
في سياق متصل، ينتقد غيّاث وهو من المتظاهرين، ارتفاع أسعار السلع في وسط بيروت. بالنسبة إليه "الأسعار غير عادلة وثمّة استغلال للناس. فعبوة المياه المعدنية الصغيرة على سبيل المثال التي تباع عادة لقاء 500 ليرة لبنانية (0.33 دولار أميركي)، متوفّرة هنا لقاء 1000 ليرة (0.66 دولار) أي بضعفَي ثمنها، وهذا غير مقبول". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "هذه الثورة هي من أجل العدالة وليس الاستغلال. لا بدّ من أن يعي الناس هذا الأمر".
من جهتها، تقول جنى طبّارة وهي متظاهرة في "البلد"، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأسعار مقبولة، وثمّة منافسة أحياناً بين أصحاب العربات والبسطات"، مضيفة أنّ "شراء كعكة طرابلسية هنا أو طعام آخر أوفر لنا من شراء كعكة عادية من فرن ما أو سندويش من مطعم". وتشير طبّارة إلى أنّ "هذا المشهد في وسط بيروت أعاد إليه الحياة، لذا أتمنّى أن تبقى تلك العربات والبسطات في المكان بعد انتهاء التحرّكات الاحتجاجية"، مؤكدة أنّه "من الجميل أن نرى هذا المشهد فيما الناس فقراء وأغنياء يتشاركون الطعام وكذلك الرقص".
كذلك، تنتشر في وسط بيروت عربات وبسطات الذرة والفول التي اعتاد الناس شراء ما يعرضه أصحابها على كورنيش البحر في منطقتَي الروشة وعين المريسة (غربي بيروت). عماد سعد صاحب واحدة من تلك العربات والبسطات، يخبر "العربي الجديد" أنّه انتقل من كورنيش عين المريسة إلى ساحة رياض الصلح لأنّ "الحركة توقّفت هناك ببساطة"، مضيفاً "لم أسترزق من قبل مثلما فعلت في الأيام الأخيرة". ويشير سعد إلى أنّ "الحشود الكبيرة هي التي تنشّط حركة البيع، وقد عمدت إلى تقليص أسعاري هنا لأنّ الطلب يزداد"، شارحاً أنّ "في عين المريسة الطلب أقلّ بكثير حتى في أيّام الحركة العادية، لذلك كنت مضطراً إلى رفع أسعاري حتى أتمكّن من تأمين لقمة عيشي".