في حالات الفوضى التي تُسجّل عادة في خلال الأزمات باختلافها، لا سيّما في الصراعات المسلحة، يكثر الفساد الذي يطاول مختلف القطاعات. وفي ليبيا حيث يعاني المواطنون منذ أعوام من جرّاء الاضطرابات، تهدّد الأغذية الفاسدة الجميع
وسط الظروف المتردية في ليبيا على أكثر من صعيد وعدم ضبط منافذ البلاد، يُسجَّل دخول شحنات من الأغذية الفاسدة، الأساسية منها والكمالية، ووجهتها المطاعم، الأمر الذي يؤشّر إلى بلوغ التدهور مستويات خطرة. ولعلّ آخر الأخبار في هذا السياق هو ضبط مخزن في شارع عمر بن العاص بمدينة بنغازي يوزّع اللحوم الفاسدة على أكبر مطاعم المدينة، قبل أيام. وبحسب مديرية أمن بنغازي، فإنّ عملية الضبط تمّت بعد تلقّي مركز شرطة المدينة معلومات حول الموضوع، بالتالي كانت عملية اقتحام للمكان وألقي القبض على الأشخاص القائمين عليه الذين اعترفوا بفساد اللحوم وبتسويقها في مطاعم بالمدينة. من ثمّ، صدرت الأوامر بإقفال المطاعم الأربعة المعنية.
وكانت تحقيقات أعلن عنها جهاز الحرس البلدي الليبي، في منتصف يوليو/ تموز الماضي في مدينة زليتن، قد بيّنت أنّ شحنة مؤلّفة من حاويتَين اعترضها الجهاز تحوي لحوم أبقار فاسدة وغير صالحة للاستهلاك البشري. وأشارت إلى أنّ أصحاب الحاويتَين أبرزوا شهادات تؤكّد حصولهم على إذن بالإفراج الجمركي. وفي تعليق من مركز الرقابة على الأغذية والأدوية الليبي على الحادثة، أوضح أنّ الشحنة مُنحت إفراجاً جمركياً من ميناء الخمس على أنّها شحنة تفاح طازج، ليتبيّن في ما بعد أنّها تحتوي كذلك على لحوم أبقار غير الصالحة للاستهلاك البشري وكمية كبيرة من كبد الأبقار المحظور في ليبيا.
ويصف المسؤول في مكتب شؤون الإصحاح البيئي بطرابلس، علي الرفاعي، أوضاع المطاعم اليوم بـ"الفوضوية"، مؤكداً أنّ "المطاعم بمعظمها تتعامل مع شركات استيراد بشكل مباشر، من دون أن تتأكد من حصول هذه الشركات على تراخيص وأذونات للتسويق من الجهات الرقابية". ويوضح الرفاعي لـ"العربي الجديد"، أنّ "المكتب شارك مع لجنة مؤلفة من أعضاء من الحرس البلدي ومن مركز الرقابة على الأغذية والأدوية، في زيارة لسوق اللحوم الرئيسي في طرابلس برفقة قوات التدخّل السريع، فاكتشفنا وجود 14 محلاً مخالفاً للقانون". يضيف أنّ "تلك المحلات هي نقاط توزيع رئيسية لشركات استيراد، ما يعني أنّ لدينا 14 شركة من دون تراخيص"، مؤكداً أنّ "فيها تم العثور على كميات كبيرة من الكبد والأحشاء الفاسدة والمحظورة وكميات من اللحوم المتعفنة وغير الصالحة للاستهلاك البشري". ويتابع الرفاعي أنّ "ثمّة مواد غذائية أخرى عُثر عليها في مخازن ومحلات سوق اللحوم الرئيسي لا علاقة لها باللحوم، مثل الفراولة المجمّدة في ثلاجات إلى جانب اللحوم، بالإضافة إلى أنّها غير ممهورة بتاريخ إنتاج أو تاريخ انتهاء الصلاحية ولا حتى اسم بلد المنشأ". وعن مصير الذين أحيلوا إلى العدالة بسبب جرائمهم تلك، يقول: "أؤكد أنّهم لم يتمّ استدعاؤهم للتحقيق معهم، وربّما عادت محلاتهم إلى العمل، إذ إنّ وراء الشركات مليشيات تحميها وتقدّم لها العون".
وفي أواخر أغسطس/ آب الماضي، أعلن مستشفى الأبيار العام، بالقرب من بنغازي، عن استقباله 29 حالة تسمم شملت أطفالاً ونساءً ورجالاً، بسبب تناولهم وجبات تحوي مواد فاسدة من أحد مطاعم المنطقة. ويقول الرفاعي في السياق، إنّ "حالات التسمّم المرصودة من قبل الجهات ذات الاختصاص أكثر من تلك التي يُعلَن عنها"، مضيفاً أنّه "في ظل تحسّن سعر صرف الدينار الليبي يُلاحظ إقبال كبير على تناول الوجبات في المطاعم الشعبية التي تقدّم صنوفاً من الطعام التقليدي ومعظمها غير مرخّص". ويؤكد أنّ "الأطعمة الفاسدة تنتشر منذ ثلاثة أعوام في المطاعم في غياب الرقابة، والأمر يتفاقم في حال عدم ملاحقة المسؤولين ومعاقبتهم".
ويذكر الرفاعي أنّ "مكتب شؤون الإصحاح على اتصال وثيق بمركز الرقابة على الأغذية والأدوية، وتقارير كثيرة تصلنا من المختبرات تصدر على أساسها قرارات بحظر دخول سلع غذائية معينة". ويشدد على أنّ "المطاعم تبقى أخطر الأماكن حيث من الممكن انتشار الأغذية والمشروبات الفاسدة التي تتدفق إلى الأسواق من دون رقيب". ويكمل الرفاعي أنّ "تقارير طبية تؤكد لمكتبنا انتشار أمراض معوية بشكل واسع بين الناس بمختلف شرائحها نتيجة الفساد الغذائي، وفي مقدّمتها الأمراض التي تتسبّب بها جرثومة السالمونيلا". ويدعو الرفاعي إلى "ضرورة توفير رقابة بهدف التقليل من مخاطر الأطعمة الفاسدة التي تؤدّي إلى إصابة المستهلك بالتسمّم الغذائي، كذلك ضرورة مراقبة تراخيص الشركات وخضوعها إلى اللوائح والقوانين الموضوعة".