بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، أدخلت تركيا بداية العام الدراسي 2019 - 2020، الأطفال السوريين في مركز "رام" للتأهيل والإرشاد والدعم النفسي والجسدي، بهدف دمجهم، أو وضعهم في صفوف مخصصة لذوي الإعاقة.
لم يكن مركز "رام" الذي تتوزع فروعه في مختلف الولايات التركية، يستقبل الأطفال السوريين قبل مطلع العام الدراسي الحالي، لكن بعد التنسيق والتعاون مع الاتحاد الأوروبي أخيراً، فتح مركز التأهيل والإرشاد والدعم النفسي والجسدي التركي أبوابه للسوريين، ليبدأ، بحسب المعلمة السورية العاملة في المركز ميادة بيطار، بتشخيص الحالات وإجراء الاختبارات على الأطفال، بهدف معالجتهم ودمجهم أو إرسالهم إلى المدارس التركية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة.
تقول بيطار لـ"العربي الجديد": "خضعنا كسوريين، خلال عطلة الصيف المدرسية، لدورات مكثفة حول الخدمات والجانب العلمي والعملي للمركز، لنكون إلى جانب الأتراك، كمترجمين ووسطاء بين الطفل وأهله من جهة والقائمين على التأهيل والعلاج من جهة أخرى"، مشيرة إلى أنّ "نسبة إصابة الأطفال السوريين مرتفعة، لكنّنا في البدايات الآن، وبدأنا في استقبال الأطفال ممن لديهم توحد ومتلازمة داون وصعوبات التعلم، وغيرها". تتابع أنّ مركز "رام" يستقبل الأطفال السوريين من سن الخامسة حتى الثامنة عشرة، وذلك بعد تحويلهم من مستشفيات أو أطباء مختصين، لأنّ التقارير الطبية ونوع ونسبة الإصابة مهمة للمركز، كي تبدأ معهم رحلة الارشاد أو العلاج والتأهيل.
ومن أحد فروع مركز "رام" الذي تأسس في تركيا منذ عام 1993، ويبلغ عدد فروعه 242، موزعة على كلّ الولايات التركية، يقول المعلم السوري أسعد القاسم: "بدأ المركز هذا العام استقبال الأطفال السوريين، بعد التعاون مع الاتحاد الأوروبي، عبر منظمة آسام التركية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، بهدف تقديم خدمة مزدوجة؛ التعليم الخاص والإرشاد والتوجيه، وذلك بعد خضوع الطفل لفحوص طبية وحصوله على تقرير من مستشفى حكومي حصراً، يوضح الإصابة ونوعها، سمعية بصرية عقلية أو نفسية". وحول المعلمين والمدربين السوريين في مركز "رام"، يضيف القاسم لـ"العربي الجديد": "لم يكن اختيار المعلمين بحسب اختصاصي علم نفس وتربية فقط، بل كان عامل إجادة اللغة التركية هو الأهم، لأنّ دور المعلمين السوريين يتمحور حول الترجمة ومساعدة المعالجين الأتراك وتحقيق التواصل بين المركز وذوي الأطفال".
تتزايد مشاكل الأطفال السوريين ذوي الإعاقة في تركيا، مع صعوبة الدمج، بسبب عدم تقبّل بعض الأتراك لهم، إذ وصل الأمر إلى حدّ التنمّر. كذلك، فإنّ الإعاقة الوراثية من قبيل متلازمة "داون" تزيد المسألة صعوبة. وقد كشفت بعض الإحصائيات أنّ نسبة الأطفال السوريين الذين يحتاجون إلى معالجة من أمراض واضطرابات جسدية وعقلية ونفسية، أو رعاية، تصل إلى 55 في المائة. الطفلة السورية بشرى، إحدى الحالات التي تتلقى العلاج في مركز "مارت كرهان" بمنطقة ياوز سليم بإسطنبول، وقد بدأت بعد عامين من العلاج، بالتحسن، كما تقول أمها وفاء لـ"العربي الجديد". تضيف أنّ لدى ابنتها ذات العشرة أعوام، متلازمة "داون"، لكنّ مركز "رام" لم يكن قبل هذا العام يستقبل الحالات السورية "ما دفعنا إلى تسجيلها في مركز مارت كرهان غير المجاني، لكنّني كلاجئة سورية قدموا لابنتي العلاج والتدريب وحتى النقل مجاناً". تتابع أنّ الصعوبات بإدخال ابنتها إلى مركز "رام" بهدف توصيف الحالة وإرسالها إلى الصفوف المتخصصة ما زالت قائمة: "لأنّهم في رام، يطلبون تقريراً طبياً من مستشفى حكومي حصراً، ولم أتمكن من الحصول عليه حتى الآن. فهناك أعداد كبيرة من المنتظرين ومواعيد تتأجل عدة أشهر".
كذلك، هناك صعوبات يعاني منها أهل الأطفال السوريين، ممن لديهم توحد ومتلازمة "داون"، إذ لا يستقبل مركز "رام" من هم دون سن الخامسة. ويقول إعلامي سوري في إسطنبول، طلب عدم ذكر اسمه: "لدى ابني توحد، لكنّه دون سنّ المدرسة، ما دفعني لتسجيله في مدرسة علاج أميركية، وهي مركز ميسوري، فأدفع مقابل كلّ ساعة 250 ليرة تركية (نحو 40 دولاراً أميركياً)". يضيف: "يخضع ابني كما في برامج رام، لإعادة تأهيل اجتماعي وسلوكي، حركي ونفسي، وهو الآن في وضع أفضل بكثير، لكنّني أتمنى أن يستوعب المركز التركي الحالات دون سنّ الخامسة".
أملت المتخصصة في علم النفس عبير الهاشمي أن تكون ضمن كادر "رام" وإن بصفة متطوعة، لتقدم ما يمكنها للأطفال السوريين، لكنّ القبول يحتاج إلى إذن الإدارة الرئيسية للمنظمة، وقد جرى القبول هذا العام بحسب إجادة اللغة أكثر من الالتفات إلى الاختصاص. تقول الهاشمي لـ"العربي الجديد": "يعتمد مركز رام على الجلسات الفردية والتأهيل والإرشاد وفق منهج عالي المستوى، ليجري بعد عام إرسال الأطفال إلى صفوف مدرسية خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة وغيرها من الحالات بهدف التحضير للدمج".
ومن ولاية غازي عنتاب، يقول الطبيب النفسي السوري جلال نوفل: "يتزايد الاهتمام التركي والدولي بمعالجة ومساعدة الأطفال السوريين المصابين في تركيا، فحتى قبل فتح أبواب رام، نحن نعمل منذ سنوات، بمراكز ممولة من الاتحاد الأوروبي ومنظمة ريليف إنترناشيونال، في مراكز للصحة النفسية في خمس ولايات تركية: أنقرة، وإسطنبول، وغازي عنتاب، وكلس، وهاتاي، بالإضافة إلى مركزين مخصصين للأشخاص ذوي الإعاقة في الريحانية على الحدود التركية - السورية وغازي عنتاب". يكشف نوفل لـ"العربي الجديد"، أنّ هناك مشاريع مقبلة بدعم من الاتحاد الأوروبي، لتطاول الأشخاص ذوي الإعاقة الأكبر سناً، لأنّ المراكز الممولة أوروبياً تعالج الآن من هم دون الثالثة عشرة حصراً، والخطوة الآن البحث عن كوادر سورية قبل التوسع في عملها. ويشير نوفل إلى أنّ مركز منظمة "ريليف" بغازي عنتاب، يقدم خدمات الطب النفسي والعلاج والإرشاد النفسي، ولا يقتصر فقط على الأطفال السوريين، بل إنّ نحو 15 في المائة من مرتادي المركز هم من الأتراك. وحول نسب الأطفال السوريين المصابين بأمراض نفسية بتركيا وحدود التمويل الأوروبي للمراكز، يؤكد نوفل أنّه لا توجد إحصاءات دقيقة سوى دراسة قامت بها جامعة "غازي عنتاب" على عينة صغيرة، لذلك لا يمكن اعتماد مخرجاتها سوى كمؤشر. ويقول: "أتصور، ولا أجزم، أنّ هناك أسباباً عديدة لارتفاع نسب الإصابات النفسية، منها دخول الأطفال إلى سوق العمل ومستوى العنف الأسري، وذلك قبل الحديث عن التنمر أو عدم تقبل المجتمع التركي للسوريين، والذي استغلته أخيراً بعض الأطراف التركية لأغراض سياسية".
وكانت تركيا والاتحاد الأوروبي قد وقعا في أكتوبر/ تشرين الأول 2016 اتفاقية تتضمن استخدام موارد مالية بقيمة 300 مليون يورو (331 مليون دولار أميركي)، بهدف دعم عملية دمج التلاميذ السوريين المشمولين بالحماية المؤقتة بنظام التعليم التركي. وافتتح في العام نفسه مركز لخدمات الصحة النفسية في ولاية غازي عنتاب، يقدم خدمات العلاج النفسي من إشراف طبي وعلاج نفسي فردي، وخدمات الإرشاد لمختلف المشاكل النفسية والاجتماعية، بالإضافة إلى خدمات إعادة التأهيل للأطفال ممن لديهم اضطرابات، وتوحد، وغيرها من المشاكل. كذلك، بدأ العام الماضي في العاصمة أنقرة، تطبيق برنامج "زيادة وصول اللاجئين إلى الخدمات الصحية الخاصة" من خلال مركز ممول من الاتحاد الأوروبي، والتحضير هذا العام، بحسب مصادر لـ"العربي الجديد"، لافتتاح مركز مشابه في إسطنبول.
وتتلقى تركيا مساعدات من الاتحاد الأوروبي بهدف دمج التلاميذ السوريين في مدارسها، الذي بدأ عبر دائرة "التعليم مدى الحياة" المسؤولة عن مراحل التعليم ما قبل الجامعي في وزارة التربية والتعليم التركية، وذلك منذ بداية العام الدراسي 2016ــ 2017. لكنّ الخلاف ما زال قائماً بين تركيا والاتحاد الأوروبي، حول مدى التزام المنظمات الأوروبية بتعهداتها، ففي حين تقول منظمات أوروبية إنّ دول الاتحاد قدمت لتركيا 21 مليار دولار أميركي، تؤكد تركيا أنّ تلك المبالغ لم ترسل جميعها إليها، بل لم يصل إجمالي قيمة المساعدات الإنسانية المقدمة للسوريين في تركيا إلى 7.2 مليار دولار، وهو من الأسباب المهمة التي أخرت افتتاح مراكز التأهيل وربما دمج السوريين في المجتمع التركي عموماً.