تسببت العاصفة "نورما" في الأيام الأخيرة في لبنان في حوادث كثيرة أدى بعضها إلى وفيات. وبينما برزت الجهود الكبيرة لفرق الإنقاذ، بدت هذه الجهود ضائعة أحياناً بسبب رداءة البنية التحتية والطرقات
انحسرت العاصفة "نورما" مساء الأربعاء في لبنان، بعد أيام من التعطيل والتخريب الذي أدى إلى خسارة أرواح، وأضرار في الممتلكات العامة والخاصة، عدا عن معاناة السكان في معظم المناطق سواء على الطرقات أو في الأحياء والمساكن وفي مخيمات اللاجئين السوريين.
شدة العاصفة التي ضربت الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط بأكمله، ولبنان يتوسطه، كشفت أكثر من منخفضات جوية سابقة ضربت لبنان، عن تأزم البنية التحتية فيه، خصوصاً مع تسجيلها سرعة رياح لم تسجلها عاصفة منذ عام 2016، وكشفت عن ضعف في الأداء المؤسساتي تجاه هذه الأزمة. وبينما أشارت تقارير صحافية إلى أنّ لبنان يحتل المرتبة 113 من بين 137 بلداً شملها المسح، لناحية جاهزية بناه التحتية، بحسب تقرير التنافسية العالمية لعام 2018، فإنّ ذلك يبيّن ظلم الحكم على الاستجابة البشرية من أجهزة الأمن والدفاع المدني والسلامة المرورية، إذ مهما كانت هذه الاستجابة فعالة فإنّها لن تتمكن من فعل الكثير في ظلّ مثل هذه البنية التحتية السيئة، والمتوارثة منذ بدء إعادة إعمار لبنان في أعقاب حربه الأهلية (1975- 1990).
وبينما يعود التلاميذ اليوم إلى مدارسهم، فقد كان من المفترض أن يعودوا الثلاثاء الماضي بعد العطلة الأسبوعية وعطلة عيد الميلاد (الإثنين) لكنّ وزير التربية مروان حمادة، أعلن العطلة على مرحلتين، الأولى أقفل فيها المدارس التي تقع على ارتفاع 700 متر وصعوداً يوم الثلاثاء، والثانية أعلن فيها عن إقفال المدارس كافة الأربعاء، على أن تفتح بشكل عادي الخميس.
حوادث
كثرت في الأيام القليلة الماضية الأخبار المتعلقة بالعاصفة، من كلّ مكان في لبنان. والأربعاء بالذات، أكد مصدر أمني لبناني لـ"العربي الجديد" العثور على جثة الطفلة السورية، فاطمة محمد عيد (8 سنوات) التي قتلتها العاصفة، وجرفت السيول جثتها الثلاثاء في المنية (شمال). كذلك، قتل العشريني علي أسامة جمعة بحادث سير تعرض له بعد انقلاب سيارته به في محيط نهر الزهراني بسبب الطقس العاصف.
في الشمال أيضاً، وبدءاً من الحدود اللبنانية- السورية، تسبب فيضان النهر الكبير الجنوبي في غرق بلدات عدة، أبرزها المسعودية والسماقية وحكر الضاهري وتل بيبي والعريضة والكنيسة والبيرة، ما أدى إلى تخريب الممتلكات والحقول الزراعية بالإضافة إلى نفوق عدد كبير من رؤوس الماشية. كذلك، أغرقت العاصفة بساتين الليمون وأفسدت المزروعات في قرى قضاء زغرتا الشمالي.
على السواحل اللبنانية من الشمال إلى الجنوب، تسببت الأمواج المرتفعة في غرق مراكب صيد في ميناء صور (جنوب)، وفي الجية (جبل لبنان)، وفي تحطيم جزء من السنسول (الرصيف) الغربي لمرفأ العبدة (شمال) كما دفعت بالرمل إلى حوضه ما تسبب بتحطيم زوارق صيد فيه. كذلك، توقفت موانئ الصيد عن العمل، ورفعت المراكب إلى الأرصفة خوفاً من الأمواج في بعضها.
بدورها، أدت الثلوج إلى قطع العديد من الطرقات الرئيسة والفرعية، لا سيما في المناطق الجبلية والداخلية، إذ هطلت ابتداء من ارتفاع 500 متر في عدة مناطق. وأعلنت قوى الأمن الداخلي ظهر الأربعاء، أنّ طريق ضهر البيدر، وهي الشريان الأساس الرابط بين الساحل والسفوح الغربية، والداخل وصولاً إلى العاصمة السورية دمشق، بات سالكاً أمام المركبات ذات الدفع الرباعي.
وعدا عن المياه والثلوج التي قطعت الطرقات وعزلت بعض القرى خصوصاً في عكار (شمال) والهرمل (شرق)، لعب انزلاق التربة دوراً في قطع الطرقات أيضاً، إذ غطت الصخور الضخمة عدداً من الطرقات في مختلف المحافظات بعد انزلاق التربة تحتها من سفوح الجبال ومن فوق المرتفعات. ولم تستثنِ العاصفة أعمدة الكهرباء والإنارة واللوحات الإعلانية الضخمة التي سقط بعضها على السيارات والممتلكات متسبباً في حوادث عديدة. ارتفاع منسوب المياه أدى إلى فيضان عدد من الأنهار، لا سيما في محلة أنطلياس (جبل لبنان، إلى الشمال من بيروت) حيث حوصرت السيارات بأكوام من الحصى والصخور التي دفع بها الدفق القوي من النهر إلى الطرقات. وهو ما فعلته مياه نهر العاصي (البقاع الشمالي، شرق لبنان) إذ اجتاحت مياهه مزارع تربية الأسماك والمقاهي المنتشرة على طول مجراه. كذلك، فاضت مياه مجرى الغدير، المختلطة بمياه الصرف الصحي ونفايات المصانع، في محلة حيّ السلّم في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأغرقت السيارات ودخلت إلى المنازل، علماً أنّ شوارع المحلة ضيقة جداً ما زاد من صعوبة تصريف المياه.
مهمات إنقاذ
بدورها ذكرت المديرية العامة للدفاع المدني، في بيان، أمس، أنّ وحداتها تمكنت ما بين الثلاثاء والأربعاء من إغاثة وإنقاذ مواطنين محاصرين وسحب سيارات عالقة وتسهيل حركة المرور بسبب تراكم الثلوج في مناطق: محمية أرز الشوف، عنايا، ميروبا، عين زحلتا، شارون، ضهر البيدر، حراجل، فالوغا، وحدث الجبة وبشري وزغرتا، وزحلة، وجرود القبيات. كذلك، فتحت طرقات بسبب تراكم الثلوج في مناطق: عين زحلتا، وبمهريه، والبيرة، وكفر سلوان، وترشيش، وكفر دبيان، وفاريا، وضهر البيدر، والمديرج، وحراجل، وميروبا، وفيطرون، وحمانا، وفقرا، وعيون السيمان، وعينطورة، بتغرين، وصوفر، وتنورين وحصرون، وعين مجدلين، وكسارة وزحلة وقاع الريم، وجبل أكروم، وكفتون، والرويمة.
وتمكنت وحدات الدفاع المدني كذلك من سحب مياه الأمطار والسيول من داخل منازل في الليلكي، والجيّة، وبرجا، ويحشوش، وسبعل وفيع وزغرتا، وحوش عين بعال، وغزة والمنصورة، واللبوة، وخريبة الجندي، وكفر عقا، وأميون، وعابا، وكفر حزير، والكورة.
بالإضافة إلى ذلك، أخمد الدفاع المدني حرائق منزلية في: حي ماضي، والدلب، والحدث، وطبرجا، ويحشوش، وبعلبك، ومعروب، وحرائق سيارات في: الصرفند، والحدث، وحارة حريك، وحبالين، والمنصف، وبدارو، وحرائق كهرباء في: فرن الشباك والشويفات، وحريق مستودع في المنصورية.
وعملت وحدات الدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني على نقل حالات طبية إلى المستشفيات، بعضها كان محاصراً في المنازل. وفي هذا الإطار، تمكن عناصر مركز الصليب الأحمر في بلدة حرار، عكار (شمال) من إنقاذ سيدة حامل كانت محاصرة داخل منزلها في بلدة فنيدق بسبب العاصفة الثلجية، وتمكن المسعفون من إتمام عملية الولادة بنجاح داخل سيارة الإسعاف التي تعذر وصولها الى المستشفى بسبب كثافة الثلوج. ونقلت الأم مع وليدتها إلى المستشفى لاحقاً. تكرر الأمر في وادي خالد الحدودية مع سورية (شمال) إذ وضعت سيدة سورية طفلها في سيارة إسعاف خلال محاولة نقلها إلى المستشفى.
وأعلن الصليب الأحمر اللبناني أنّ وحداته لبّت حتى صباح الثلاثاء 581 مهمة إسعاف على كامل الأراضي اللبنانية، منها 49 إصابة من حوادث سير، و6 حالات ولادة.
من جهتها، أشارت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في بيان لها إلى أبرز المهام التي تولتها فرقها خلال أيام العاصفة، بالتنسيق مع الجيش اللبناني، والصليب الأحمر، والدفاع المدني، وفرق وزارة الاشغال والبلديات، ومنها: إنقاذ 250 شخصاً و540 سيارة، في مختلف الأراضي اللبنانية بسبب تراكم الثلوج أو تجمع برك المياه في الطرقات. كذلك، أعادت فتح 24 طريقاً أقفلها انهيار الأتربة والصخور والأعمدة والأشجار، و19 طريقاً أقفلها تجمع المياه والسيول، وعدد آخر من الطرقات أقفلها تراكم الثلوج. وأشار بيان قوى الأمن الداخلي بالذات إلى أوتوستراد ضبيه (طريق بيروت - الشمال) الذي تمكنت، بعد عدة محاولات لفتحه بعدما ازدحمت فيه السيارات كنتيجة لارتفاع منسوب المياه بسبب عدم قدرة القنوات على تصريفها، من فتح فجوتين كبيرتين في الحاجز الوسطي فوقه، ما أدى إلى تسريع تصريف المياه، والمساهمة في فتح الطريق وإنقاذ المواطنين.
إلى ذلك، توقعت دائرة التقديرات في مصلحة الأرصاد الجوية في إدارة الطيران المدني أن يكون الطقس الخميس، غائماً جزئياً إلى قليل من الغيوم، مع ارتفاع محدود بدرجات الحرارة، وبقاء خطر تشكل الجليد على الطرقات الجبلية فوق 800 متر، خلال ساعات الصباح الأولى والليل، بالإضافة إلى التحذير من خطر الانزلاقات.
تجدر الإشارة إلى أنّ هذه المصلحة هي المسؤولة عن تسمية العواصف التي تضرب لبنان، وفقاً لجدول محدد مسبقاً بأسماء إناث وذكور على حدّ سواء، ومن بينها العاصفة "نورما" التي انطلقت من أطراف روسيا ومرت بتركيا إلى سورية والأردن وفلسطين ولبنان. أما معيار التصنيف الذي يستدعي التسمية، فيعود إلى المنخفض الجوي الذي تزيد سرعة رياحه عن 80 كلم في الساعة، وقد سجلت "نورما" 100 كلم في الساعة، وهي التي بدأت الانحسار عن الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط اعتباراً من مساء الأربعاء، مع بقاء تأثير الكتل الباردة.