ما عاشته الجزائر خلال العشرية السوداء في تسعينيات القرن الماضي، ساهم في تغيير الحياة الاجتماعية في العاصمة. والخوف ظلّ يدفع الناس إلى العودة إلى منازلهم باكراً. إلّا أن المدينة تُحاول استعادة الحياة ليلاً
تحاول العاصمة الجزائريّة استعادة الحياة الاجتماعيّة والثقافية والسياحية، ومحو ما بقي من ملامح أزمة تسعينيات القرن الماضي التي أدت إلى إغلاق العاصمة وخلوّها من الناس قبل حلول المساء. وساهم تطوّر حركة النقل وتوفّر مترو الأنفاق والترامواي الذي يصل وسط المدينة بالضواحي الجنوبية والشرقية، في إحياء حياة الليل.
قبل الأزمة الأمنية العنيفة التي عصفت بالبلاد منذ عام 1992، كانت العاصمة الجزائرية تعيش جزءاً من ليلها كباقي المدن والعواصم. وكانت الحياة فيها تستمر لما بعد الغروب، في ظل حرية ثقافية وحياة سينمائية وغيرها. لكن الظروف الأمنية ألغت كل ذلك، وجعلت مدنا جزائرية كثيرة تعيش حالة من الفوضى، ما أدى إلى خلوها من الناس باكراً.
في مقهى الداربي، قبالة البريد المركزي في قلب العاصمة الجزائرية، اعتادت مجموعة من الصحافيين والمثقفين على اللقاء كل مساء. شيئاً فشيئاً، باتت لقاءاتهم تستمر لفترة أطول، في وقت يستمر صاحب المقهى ومقاه أخرى في تقديم خدماتهم للزبائن حتى فترة ما بعد الغروب. ويبدو ذلك قليلاً بالمقارنة مع حجم وطبيعة مدينة حيوية كالعاصمة الجزائرية، إلا أنها جيدة إذا ما قورنت بالفترة السابقة التي كانت فيها العاصمة تنام باكراً.
اقــرأ أيضاً
على مدى أكثر من عقدين من الزمن، ظلّت العاصمة الجزائرية، مثل المدن والبلدات الأخرى، تستسلم للنوم باكراً. الظروف الأمنية العصيبة التي مرت بها البلاد، منذ بداية التسعينيات، فرضت تغيراً كبيراً في نمط حياة سكان العاصمة وزوارها. كانت المقاهي والمحال تغلق أبوابها قبل السادسة مساءً، ليس بسبب مغادرة أصحابها إلى وجهاتهم ومنازلهم، لكن لخلو المدينة من الناس بعد انتهاء أعمالهم. وكان الجميع يسارع للوصول إلى البيت قبل وقت الغروب، تلافياً لأي مشاكل أمنية.
هذا الوضع أدى إلى انتقال الحياة من وسط العاصمة إلى مناطق محددة من الأحياء شبه الراقية، تحوّلت إلى غيتوهات مغلقة بعد الغروب. لكن خلال السنوات الأخيرة، تحاول العاصمة الجزائرية تغيير هذا الواقع، من خلال انتعاش المقاهي وسط العاصمة. ومع توافد الزبائن، مساء، تضطر المقاهي إلى الاستمرار في تقديم خدماتها. كما ساهم تجار التحف والصناعات التقليديّة في الشارع الرئيسي ديدوش مراد وقرب ساحة أودان وسط العاصمة، في إضفاء مشهد جميل يوحي برغبة جامحة وطموحة لإعادة الحياة إلى المدينة ليلاً، في ظل وجود عناصر أمنية.
في عام 2007، حاولت السلطات، بالتزامن مع مهرجان الجزائر عاصمة الثقافة العربية، فرض نظام يلزم التجار وأصحاب المحال والمقاهي والمطاعم بالاستمرار في العمل وتقديم الخدمات حتى وقت متأخر. لكن ذلك لم يساهم في إحياء ليالي المدينة، بسبب المخاوف الأمنية التي كانت مستمرة من جهة، وقلة عدد الزبائن الذين كانوا يضطرون إلى مغادرة المدينة باكراً بسبب قلة وسائل المواصلات. ويقول صاحب مقهى في شارع ديدوش مراد وسط العاصمة، محمد ناصري: "في تلك الفترة، حاولوا أن يفرضوا علينا العمل حتى منتصف الليل. لكن ليس لهكذا قرارات أية فعالية، لأن إبقاء مقهى مفتوحا لساعات إضافية يفرض عليّ توظيف فريق عمل ليلي، وكلفة إضافية، في مقابل عدد قليل من الزبائن. كان الناس ما زالوا يعيشون رعباً بسبب الأعمال الإرهابية، عدا عن نقص وسائل النقل ليلاً".
انتبهت السلطات لهذه المشكلة، وساهم مترو الأنفاق الذي يربط وسط العاصمة بالضاحية الجنوبية حتى منطقة باش جراح، والترامواي الذي يصل بين منطقة رويسوا وسط العاصمة ومنطقة باب الزوار ودرقانة في الضاحية الشرقية للعاصمة، في تشجيع المواطنين والعائلات على البقاء وسط العاصمة مساء. وتحاول مجموعة من المقاهي على مقربة من البريد المركزي وشارع العربي بن مهيدي وساحة أودان وساحة الكيتاني ومقاهي ساحة بورسعيد أن تؤدّي دوراً إيجابياً، ولو قليلاً.
ويرى الباحث في علم الاجتماع محمد راجعي أن "توفر وسائل النقل أمر مهم في أي مدينة. حين لا تتوفر المواصلات، تختفي الحياة التجارية والثقافية والسياحية في المدينة"، مضيفاً أن "المسألة لا تتعلق بقرار إداري، بل بعادات تكرّس كثقافة في المدينة، كتوفير الخدمات التجارية للزبائن، والجو الثقافي كالسينما والمسارح والحفلات والندوات، وفضاءات عامة للراحة تشجع العائلات والشباب على السهر".
ويأمل رئيس بلدية الجزائر الوسطى التي تضم وسط العاصمة، عبد الحكيم بطاش، في أن تساهم بعض الأنشطة الثقافية والسينمائية التي تقام بين الحين والآخر وسط العاصمة، في إبقاء المدينة حيّة ليلاً، خصوصاً خلال فصل الصيف وشهر رمضان. اللافت أن العاصمة الجزائرية تتقدم ببطء نحو استعادة الحياة في الجزء الأول من الليل، على الرغم من استمرار بعض العوامل التي تعيق ذلك.
تحاول العاصمة الجزائريّة استعادة الحياة الاجتماعيّة والثقافية والسياحية، ومحو ما بقي من ملامح أزمة تسعينيات القرن الماضي التي أدت إلى إغلاق العاصمة وخلوّها من الناس قبل حلول المساء. وساهم تطوّر حركة النقل وتوفّر مترو الأنفاق والترامواي الذي يصل وسط المدينة بالضواحي الجنوبية والشرقية، في إحياء حياة الليل.
قبل الأزمة الأمنية العنيفة التي عصفت بالبلاد منذ عام 1992، كانت العاصمة الجزائرية تعيش جزءاً من ليلها كباقي المدن والعواصم. وكانت الحياة فيها تستمر لما بعد الغروب، في ظل حرية ثقافية وحياة سينمائية وغيرها. لكن الظروف الأمنية ألغت كل ذلك، وجعلت مدنا جزائرية كثيرة تعيش حالة من الفوضى، ما أدى إلى خلوها من الناس باكراً.
في مقهى الداربي، قبالة البريد المركزي في قلب العاصمة الجزائرية، اعتادت مجموعة من الصحافيين والمثقفين على اللقاء كل مساء. شيئاً فشيئاً، باتت لقاءاتهم تستمر لفترة أطول، في وقت يستمر صاحب المقهى ومقاه أخرى في تقديم خدماتهم للزبائن حتى فترة ما بعد الغروب. ويبدو ذلك قليلاً بالمقارنة مع حجم وطبيعة مدينة حيوية كالعاصمة الجزائرية، إلا أنها جيدة إذا ما قورنت بالفترة السابقة التي كانت فيها العاصمة تنام باكراً.
على مدى أكثر من عقدين من الزمن، ظلّت العاصمة الجزائرية، مثل المدن والبلدات الأخرى، تستسلم للنوم باكراً. الظروف الأمنية العصيبة التي مرت بها البلاد، منذ بداية التسعينيات، فرضت تغيراً كبيراً في نمط حياة سكان العاصمة وزوارها. كانت المقاهي والمحال تغلق أبوابها قبل السادسة مساءً، ليس بسبب مغادرة أصحابها إلى وجهاتهم ومنازلهم، لكن لخلو المدينة من الناس بعد انتهاء أعمالهم. وكان الجميع يسارع للوصول إلى البيت قبل وقت الغروب، تلافياً لأي مشاكل أمنية.
هذا الوضع أدى إلى انتقال الحياة من وسط العاصمة إلى مناطق محددة من الأحياء شبه الراقية، تحوّلت إلى غيتوهات مغلقة بعد الغروب. لكن خلال السنوات الأخيرة، تحاول العاصمة الجزائرية تغيير هذا الواقع، من خلال انتعاش المقاهي وسط العاصمة. ومع توافد الزبائن، مساء، تضطر المقاهي إلى الاستمرار في تقديم خدماتها. كما ساهم تجار التحف والصناعات التقليديّة في الشارع الرئيسي ديدوش مراد وقرب ساحة أودان وسط العاصمة، في إضفاء مشهد جميل يوحي برغبة جامحة وطموحة لإعادة الحياة إلى المدينة ليلاً، في ظل وجود عناصر أمنية.
في عام 2007، حاولت السلطات، بالتزامن مع مهرجان الجزائر عاصمة الثقافة العربية، فرض نظام يلزم التجار وأصحاب المحال والمقاهي والمطاعم بالاستمرار في العمل وتقديم الخدمات حتى وقت متأخر. لكن ذلك لم يساهم في إحياء ليالي المدينة، بسبب المخاوف الأمنية التي كانت مستمرة من جهة، وقلة عدد الزبائن الذين كانوا يضطرون إلى مغادرة المدينة باكراً بسبب قلة وسائل المواصلات. ويقول صاحب مقهى في شارع ديدوش مراد وسط العاصمة، محمد ناصري: "في تلك الفترة، حاولوا أن يفرضوا علينا العمل حتى منتصف الليل. لكن ليس لهكذا قرارات أية فعالية، لأن إبقاء مقهى مفتوحا لساعات إضافية يفرض عليّ توظيف فريق عمل ليلي، وكلفة إضافية، في مقابل عدد قليل من الزبائن. كان الناس ما زالوا يعيشون رعباً بسبب الأعمال الإرهابية، عدا عن نقص وسائل النقل ليلاً".
انتبهت السلطات لهذه المشكلة، وساهم مترو الأنفاق الذي يربط وسط العاصمة بالضاحية الجنوبية حتى منطقة باش جراح، والترامواي الذي يصل بين منطقة رويسوا وسط العاصمة ومنطقة باب الزوار ودرقانة في الضاحية الشرقية للعاصمة، في تشجيع المواطنين والعائلات على البقاء وسط العاصمة مساء. وتحاول مجموعة من المقاهي على مقربة من البريد المركزي وشارع العربي بن مهيدي وساحة أودان وساحة الكيتاني ومقاهي ساحة بورسعيد أن تؤدّي دوراً إيجابياً، ولو قليلاً.
ويرى الباحث في علم الاجتماع محمد راجعي أن "توفر وسائل النقل أمر مهم في أي مدينة. حين لا تتوفر المواصلات، تختفي الحياة التجارية والثقافية والسياحية في المدينة"، مضيفاً أن "المسألة لا تتعلق بقرار إداري، بل بعادات تكرّس كثقافة في المدينة، كتوفير الخدمات التجارية للزبائن، والجو الثقافي كالسينما والمسارح والحفلات والندوات، وفضاءات عامة للراحة تشجع العائلات والشباب على السهر".
ويأمل رئيس بلدية الجزائر الوسطى التي تضم وسط العاصمة، عبد الحكيم بطاش، في أن تساهم بعض الأنشطة الثقافية والسينمائية التي تقام بين الحين والآخر وسط العاصمة، في إبقاء المدينة حيّة ليلاً، خصوصاً خلال فصل الصيف وشهر رمضان. اللافت أن العاصمة الجزائرية تتقدم ببطء نحو استعادة الحياة في الجزء الأول من الليل، على الرغم من استمرار بعض العوامل التي تعيق ذلك.