قبل أيام من العام الدراسي الجديد في مصر، الذي انطلق في 22 سبتمبر/ أيلول الجاري، ارتفعت أسعار الكتب الخارجية بالمقارنة مع ما كانت عليه في العام الماضي بنسب تراوحت ما بين 20 و50 في المائة، في حين يعاني أولياء الأمور من جرّاء الغلاء الذي يطاول المستلزمات المدرسية، من الزيّ الخاص إلى الحقائب والقرطاسية. يُذكر أنّه لا مفرّ من المعاناة التي تتكرر في كلّ عام مع الموسم الدراسي الجديد.
في منطقة الفجالة، وسط القاهرة، راج الأهالي والتلاميذ يتزاحمون أمام المكتبات. وتلك المنطقة تشتهر بالمكتبات التاريخية المتراصة على مساحات ضيّقة، وهي سوق مفتوح للكتب الخاصة بمختلف المراحل التعليمية، وكذلك لمختلف مستلزمات المدارس. لذا، من الطبيعي أن يضمّ المشهد المسجّل في مثل هذه الأيام، طوابير من الأهالي والتلاميذ الذين يقبلون على كتب ربّما لم تصل بعد إلى المكتبات الأخرى في المحافظات.
يبرر أصحاب دور النشر في الفجالة ارتفاع أسعار الكتب الخارجية، بأنّه نتيجة ارتفاع أسعار الورق عالمياً وكل المواد الخام المستوردة من الخارج وكذلك الطباعة، شارحين أنّ مصر لا تنتج إلا 25 في المائة من حاجة السوق. ويشيرون إلى أنّ أسعار الكتب تتفاوت تبعاً للمراحل التعليمية المختلفة. بالنسبة إلى المرحلة الابتدائية، يتراوح سعر الكتاب الخارجي ما بين 20 جنيهاً مصرياً و30 (1.12 - 1.7 دولار أميركي تقريباً). أمّا بالنسبة إلى المرحلة الإعدادية، فيتراوح سعر الكتاب ما بين 50 جنيهاً و80 (2.8 - 4.5 دولارات تقريباً). وقد تصدّرت كتب اللغات والرياضيات والعلوم قائمة الكتب الخارجية الأغلى ثمناً لهاتَين المرحلتَين. وبخصوص أسعار الكتب الخارجية للمرحلة الثانوية، فقد تخطت 150 جنيهاً (نحو 8.5 دولارات)، خصوصاً كتب قسم العلمي علوم وقسم العلمي رياضة. وقد بلغ سعر "كتاب الامتحان" مواد الكيمياء والجيولوجيا والفيزياء والأحياء 255 جنيهاً (نحو 14.5 دولاراً)، بينما وصل سعر كتاب اللغة العربية الخارجي إلى 90 جنيهاً (خمسة دولارات)، في حين تراوح سعر كتب المواد الفلسفية والجغرافيا والتاريخ ما بين 70 جنيهاً و100 (4 - 5.6 دولارات تقريباً).
يأتي ذلك في حين أنّ وزارة التربية والتعليم لم تطبّق نظام الثانوية العامة الجديد، الذي كان وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي قد طلب تطبيقه في العام الدراسي الجديد على الصف الأول الثانوي. فالمدارس لم تحصل بعد على الأجهزة اللوحية، ولم تنجز الوزارة شبكات الإنترنت الخاصة به، في حين لم تنتهِ بعد استعدادات بنك المعرفة المصري ولم تحلّ أزمة اكتظاظ الفصول. ويتساءل أولياء الأمور: هل طبعت وزارة التربية والتعليم كتب المرحلة الأولى للثانوية العامة، مع العلم أنّ عدد تلك الكتب يصل إلى تسعة ملايين كتاب بواقع 18 كتاباً للتلميذ الواحد؟ أم أنّ الاعتماد سوف يكون على التكنولوجيا مثلما أكد الوزير، في حين طرحت المكتبات الكتب الخارجية لتلك المرحلة من الثانوية العامة؟
وأمام غلاء أسعار الكتب الخارجية، لجأ بعض الأهالي والتلاميذ إلى شراء الكتب القديمة الأقل ثمناً من الكتب الخارجية الجديدة، والتي انتشرت في عدد من المكتبات سواء في الفجالة أو في المحافظات. وقد سُجّل إقبال كبير على تلك الكتب، لا سيّما بسبب الفارق الكبير في السعر بينها وبين الكتب الجديدة. وفي جولة شملت عدداً من المكتبات في منطقة الفجالة، أعاد فتحي محمود، وهو صاحب مكتبة لبيع الكتب الخارجية، السبب الرئيسي لغلاء أسعار تلك الكتب إلى "ارتفاع تكاليف استيراد الورق والطباعة والمواد الخام والنقل، بنسبة تزيد على 40 في المائة بالمقارنة مع العام الماضي. بالتالي، لم نجد حلاً سوى رفع ثمن الكتاب". ويشير إلى أنّ "الكتاب شأنه في ذلك شأن السلع الأخرى". أمّا محمد عبد الراضي، وهو صاحب مكتبة، فيتّهم "سعر صرف الدولار الأميركي"، مؤكداً أنّه "سبب النكسة وارتفاع الأسعار". ويوضح عبد الراضي أنّ "موجة الغلاء وارتفاع الأسعار لم تقتصر على الكتب فحسب، إنّما طاولت كل السلع والمنتجات المختلفة المتعلقة بالمدرسة، وأثّرت على حركة البيع والشراء. وهذا ما دفع أولياء أمور إلى شراء القديم والمستعمل من المستلزمات المدرسية، وبعضها المعروض على الأرصفة، بعدما صُدموا بالأسعار الجديدة".
ويحمّل أولياء الأمور وزارة التربية والتعليم مسؤولية شراء الكتب الخارجية، على غرار سوق الدروس الخصوصية، بسبب "الحشو في الكتب المدرسية الحكومية". بالنسبة إليهم، هذا ما يجعل التلميذ يهرب من كتاب الوزارة. وتقول شرين محمد بعد شرائها عدداً من الكتب الخارجية والمستلزمات المدرسية، إنّه "لا بديل عن الكتب الخارجية لضمان نجاح أبنائي في المراحل التعليمية المختلفة. كذلك لا غنى عن الدروس الخصوصية".
أمّا أحمد حسن، فيتساءل عن "كيفية شراء الكتب المدرسية الخارجية لأبنائي الأربعة، وهم في مراحل مختلفة". ويطالب وزارة التربية والتعليم بأن "تؤدّي دورها في تطوير المناهج الدراسية رحمة بأولياء الأمور. فالحشو في الكتب الحكومية يشعر التلميذ بالملل وعدم التركيز، وهو ما يدفع باتجاه شراء الكتب الخارجية". من جهته، يقول يوسف محمد، وهو تلميذ في المرحلة الثانوية، إنّ "لا أحد منّا يستخدم كتاب الوزارة. أكثر من 95 في المائة من التلاميذ يستخدمون الكتب الخارجية والملازم الخاصة بالدروس الخصوصية". ويؤكد أنّ "الكتاب الخارجي غنيّ بالمعلومات والمفردات والمعاني. والشرح يأتي باستفاضة وبسهولة ويسر، بخلاف الكتاب الحكومي".
في السياق، يقول رمضان محمد إنّ "ثمّة كتباً خارجية كثيرة، وبالتالي منافسة بين المؤلفين من أجل توفير جودة عالية. وكلّ واحد من تلك الكتب يسعى إلى تقديم الأفضل لجذب التلاميذ والأهالي على حدّ سواء". يضيف أنّ "المشكلة الأساسية في التخلّي عن كتاب الوزارة هو أنّ الكتاب الخارجي يقدّم للتلميذ ما تقيسه الوزارة خلال الامتحان، فيستعين بالتالي بالوسيلة الأسهل والأفضل". ويشدّد محمد على أنّه "لا ندافع عن الكتاب الخارجي، ونطالب الوزارة بتطوير الكتاب وجودته"، لافتاً إلى أنّه "لا نرغب في دفع مال إضافي لكنّنا مضطرون إلى ذلك".