بحكم الأعراف والتقاليد المتّبعة من قبل قبائل البشتون التي تقطن عند جهتَي الحدود الأفغانية الباكستانية، فإنّ المرأة لا تخرج من منزلها حتى لتلقّي التعليم أو من أجل شؤون اجتماعية أخرى. لكنّ المرأة، على خلفية المستجدات التي شهدتها المنطقة على مرّ العقود الأخيرة، راحت تتحدّى الأعراف وتخرج من المنزل ليس بهدف التعليم فحسب، إنّما كذلك لرفع صوتها في شتى المجالات الاجتماعية.
ولعلّ "حرکة حماية البشتون" التي ظهرت في الفترة الأخيرة كان لها أثرها الكبير على أوضاع المرأة البشتونية، إذ إنّها دفعت النساء المضطهدات إلى الخروج من أجل المطالبة بحقوقهنّ، لا سيّما اللواتي اختفى أزواجهنّ أو أحد من ذويهنّ على أيدي السلطات الأمنية بحسب ما يدّعينَ. وقد شاركت النساء في التظاهرات والاحتجاجات التي نظمتها الحركة في كل أنحاء باكستان، لكنّ ذلك لم يكن غريباً لأنّه أتى في سياق المطالبة بالإفراج عن ذوي هؤلاء النساء أو أزواجهنّ.
أمّا الغريب والمستجد فهو خروج البشتونيات من منازلهنّ للمطالبة بحلول لقضايا اجتماعية، مثل انقطاع التيار الكهربائي. على الرغم من أنّ الأمر غير مألوف تماماً، وفي حين دانه كثيرون، فإنّ ثمّة من رحّب بـ"التطوّر". يُذكر أنّ الذين دانوا ذلك، كانوا قد رأوا فيه محاولة للقضاء على مكانة المرأة البشتونية في المجتمع، التي كانت لا تزال تحافظ عليها.
في السياق، يقول الزعيم القبلي شير خان: "لقد تعلمنا من آبائنا أنّ للمرأة البشتونية مكانة مرموقة في منزلها، لكنّ ذلك لا يعني ألا نتركها تخرج من منزل مثلما يظنّ البعض. كذلك، الأمر لا يعني أن تخرج من منزلها لكلّ كبيرة وصغيرة وأن تشارك في تظاهرات من أجل الكهرباء". يضيف شير خان أنّ "إخراج المرأة من أجل الكهرباء إهانة لها، لأنّ قضية الكهرباء قضية تعني الحكومة والتحرّك هو من أجل الضغط عليها. لذا، فإنّه من الأنسب أن يخرج الرجال إلى الشارع أو أن ينظموا اعتصامات في هذا الإطار". ويشدد على أنّه "من غير المعقول أن نُخرج نساءنا من أجل الضغط على الحكومة". أمّا قضية المفقودين، فهي أمر استثنائي بالنسبة إلى خان، ويقول إنّ "لدى النساء الحق في التحرّك من أجل ذلك لأنّه يؤثّر على حياتهنّ الشخصية. المشاركات في التظاهرات التي نُظّمت من أجل المفقودين، كنّ بمعظمهنّ من اللواتي فقدنَ أشخاصاً من عائلاتهنّ... والمفقودون هم إمّا أزواجهنّ وإمّا إخوتهنّ وإمّا أبناؤهنّ وإمّا آباؤهنّ".
من جهة أخرى، كثيرون من البشتون، خصوصاً الشباب منهم، يرون ذلك تطوّراً كبيراً في حياة المرأة البشتونية، لا سيّما وأنّه يساعد في الضغط أكثر على السلطات، نظراً إلى الصدى الكبير لصوتهنّ في الأوساط الدولية. وتقول الناشطة الاجتماعية صدف ولي إنّ "المرأة البشتونية اجتازت الحدود والعقبات التي كانت تمنع المرأة من الخروج من منزلها، وقد بدأت تساهم اليوم بقوة في رفع الصوت من أجل ملفات اجتماعية مختلفة". وتشير إلى أنّ "صمت المرأة طيلة الأعوام الماضية يُعَدّ أحد أبرز أسباب تخلف القبائل البشتونية، بالتالي فإنّ ثمّة ضرورة ملحة لخروج المرأة من منزلها، أوّلاً حتى ترفع صوتها من أجل حقوقها وثانياً حتى تساهم في تطوير أوضاع المنطقة". وتلقي الناشطة كذلك باللائمة على "الزعامة والنظام القبلي في ما واجهته المرأة من قمع واضطهاد"، مؤكدة أنّ "الأوان آن حتى تخرج المرأة من المنزل مثلما يخرج الرجل من أجل التغيير ومن أجل أن تعيش الأجيال المقبلة ما لم تعشه الأجيال التي سبقتها، بما في ذلك جيل اليوم".
وكانت مئات النساء قد شاركنَ قيل أيام في تظاهرة، إلى جانب مئات من الرجال، وذلك في شوارع مدينة دير السفلى (شمال غرب باكستان) احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي في المنطقة في ظلّ موجة من الحرّ الشديد. والتظاهرة كانت هادئة في بداية الأمر، غير أنّها صارت عنيفة بعدما داهم المتظاهرون والمتظاهرات مركزاً للشرطة ومراكز حكومية، وقد أدّى ذلك إلى تدمير جزء من مركز الشرطة. كذلك، عمد متظاهرون إلى إغلاق الشوارع الرئيسية ومنع حركة السير في المدينة، لكنّ المواجهات بدأت مع وصول القوات شبه العسكرية، وقد تصدت تلك القوات والشرطة للمتظاهرين والمتظاهرات عبر إطلاق النار في الهواء ومن خلال استخدام الهراوات، الأمر الذي أدى إلى إصابات عدّة.
مظهر الله خان من منظمي تلك التظاهرة، يقول إنّ "انقطاع التيار الكهربائي بصورة متكررة ولفترات طويلة جعل حياتنا ناراً وعذاباً، لذا خرجنا. أمّا الجديد فهو خروج نساء المنطقة لرفع أصواتهنّ في وجه الظلم الاجتماعي التي تعانيها مناطق البشتون". ويؤكد أنّهم سوف يواصلون الاحتجاج "إذا لم تصغِ الحكومة لمطالبهم ولم تحلّ مشكلتهم"، مطالباً النساء بالمشاركة في التحركات المقبلة إذا لم تحلّ الحكومة مشكلة الكهرباء بصورة جذرية.
ومشاركة النساء في الاحتجاجات حظيت باهتمام على وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي من شأنه أن يسهم كثيراً في تعزيز نشاط المرأة وتحرّكاتها في المستقبل. وتقول صدف ولي: "نحن كنساء مناطق البشتون في حاجة إلى دعم من أطراف عدّة، دعم الزعامة القبلية ودعم المجتمع الدولي ودعم علماء الدين ودعم الحكومة الباكستانية"، مشددة على "دعم المجتمع الدولي والجهات المعنية بشؤون المرأة".
تجدر الإشارة إلى أنّ منطقة دير السفلى ليست المنطقة الوحيدة التي خرجت فيها تظاهرات بمشاركة من قبل النساء احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي، بل خرجت أخرى في مناطق الشمال الغربي مثل مديرية سوات، وكذلك في إقليم بلوشستان في الجنوب الغربي. ورداً على تلك الاحتجاجات، وعدت حكومة عمران خان التي تولّت سدة الحكم في البلاد في أغسطس/ آب الماضي، بالعمل الجاد من أجل حلّ المشكلة بصورة أساسية، بحسب ما قال وزير الإعلام فواد شودري في تصريح صحافي. لكنّ الوعود المكررة للحكومات الباكستانية المتعاقبة جعلت المواطن الباكستاني عموماً لا يعتمد عليها كثيراً.