بنك طعام سوداني يكافح الجوع من خلال "حفظ النعمة"

23 سبتمبر 2018
ينظم البنك إفطارات جماعية أيضاً (إبراهيم حامد/ فرانس برس)
+ الخط -

"حفظ النعمة" برنامج أطلقه بنك الطعام السوداني. وقد استفاد منه أكثر من 624 ألف شخص خلال العامَين 2016 و2017، مع أكثر من 104 آلاف وجبة. يُذكر أنّ الوجبة الواحدة تكفي لنحو أربعة أشخاص في أسرة واحدة.

يعيش السوداني يونس (37 عاماً) الأب لثمانية أبناء وبنات، في منزل متواضع بحي مايو، وهو واحد من أفقر أحياء ولاية الخرطوم. لدى يونس إعاقة سمعية تمتد إلى بعض أبنائه أيضاً. إعالة الأسرة أمر صعب جداً، فقد حاصره الفقر، ومعه فواتير العلاج. لكنّ النجدة جاءته عبر بنك الطعام السوداني، الذي وفر له ولأسرته وجبة يومية من أفخم فنادق الخرطوم ضمن برنامج للبنك تحت اسم "حفظ النعمة" يجمع من خلاله فائض الطعام من الفنادق وصالات الأفراح ويوزعه على الفقراء والمحتاجين. بعد فترة، بات يونس واحداً من 2783 متطوعاً يعملون مع البنك في توزيع الغذاء.

الأمر نفسه حدث مع هادية، وهي موظفة متقاعدة عن العمل، تعيش حياة فقر وعوز مع أبنائها داخل مدرسة في منطقة أمبدة، غرب الخرطوم. تقول هادية لـ"العربي الجديد" إنّ الوجبات التي يتسلمونها من بنك الطعام خففت كثيراً عنها وعن آخرين في المنطقة تكاليف الحياة اليومية، فأوضاعهم كانت أكثر مأساوية لولا تلك الوجبات التي تحتوي أحياناً مقبلات وحلويات حتى.



في عام 2014، تأسس أول بنك للطعام في السودان بهدف تقديم العون الغذائي والطعام للمحتاجين ومتضرري الكوارث وحالات الطوارئ، وتقديم العون الغذائي للتلاميذ في المدارس والطلاب في الجامعات، وللأيتام والعجزة والمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة، كما يعمل البنك في مشاريع خاصة تستهدف وقف هدر الطعام، واستخدام الفائض منه في مكافحة الجوع. ومن أهداف البنك نشر ثقافة الغذاء الصحي وتحقيق الأمن الغذائي، ويمارس البنك نشاطه حالياً في 7 ولايات سودانية من أصل 18.

أنشأ البنك مطابخ جاهزة داخل المدارس، لإعداد الطعام وتقديمه لتلاميذ من أسر فقيرة. وبلغت جملة المستفيدين من هذا المشروع خلال عامي 2016 و2017 نحو 18 ألف تلميذ، من خلال مليون و800 ألف وجبة غذائية طوال فترة المدرسة. أما مشروع وجبة الطالب الجامعي، فقد استفاد منها 4416 طالباً وطالبة. كذلك، دعم البنك خلال الفترة نفسها 870 من المرضى المقيمين في المستشفيات بـ41.360 وجبة. أما مرضى السلّ فقد تلقى 2515 منهم دعماً بسلال غذائية تحتوي غالبية المكونات الغذائية التي تساعد العلاج. وقدم البنك دعماً غذائياً مباشراً للفقراء الذين بلغ عددهم 21.472، ودعم أيضاً 3528 من المسنين.




يقول مدير البنك، إبراهيم محمد عثمان، لـ"العربي الجديد" إنّهم يركزون في عملهم على الفئات الأكثر حاجة، مثل تلاميذ المدارس، للحدّ من التسرب المدرسي والمساهمة في الاستقرار الدراسي وزيادة التحصيل، كما يركزون على دعم مرضى السلّ الذي يهدد أسرة المريض بالعدوى، لذلك يقدمون سلتين غذائيتين؛ الأولى للمريض والثانية للأسرة. يضيف عثمان، من مكتبه في الخرطوم: "قدمنا وجبات جاهزة لطلاب وطالبات جامعات تعود جذورهم إلى مناطق النزاعات في السودان، ويقيمون في مجمعات سكنية، سواء في ولاية الخرطوم أو في غيرها، نظراً إلى مواردهم المالية المحدودة، وعدم قدرة أسرهم على توفير ما يحتاجون إليه أثناء سنوات الدراسة. كذلك، قدمنا دعماً غذائياً للأشخاص ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى تنظيم إفطارات جماعية في رمضان، وتوزيع لحوم الأضاحي في العيد الكبير". ويوضح عثمان أنّ برنامج وقف هدر الطعام يجري من خلال أخذ الفائض من الطعام في الفنادق وصالات الأفراح، وتوزيعه بعربات مبردة للمحتاجين، مشيراً إلى أنّهم اختاروا توزيع تلك الوجبات عند الساعات الأولى من الصباح حتى لا يشعر المحتاج بأيّ حرج.



يقدم البنك سلة غذاء متكاملة وبصورة دورية للأسر الفقيرة وفقاً لدراسة حالة يجريها. ويقول عثمان إنّ البنك بدأ تنفيذ فكرة الفلاحة المدرسية، لزرع أشجار مثمرة وأحواض خضار يرعاها التلاميذ حتى يساهموا في توفير الغذاء لأسرهم، فتعتمد على نفسها مستقبلاً. يشير إلى أنّ الفكرة طبقت في 100 مدرسة حتى الآن، كما يشجع البنك الأسر الفقيرة ويدعمها ويدربها في مجال الفلاحة المنزلية، والعمل الصناعي المنزلي. ويقول عثمان إنّ المرحلة الثانية للبنك تهدف إلى دعم الصناعات الصغيرة كرؤية استراتيجية للقضاء على الجوع، وتحويل الفقير إلى منتج.

حول رأسمال البنك وموارده المالية، يذكر عثمان أنهم يعتمدون على التبرعات من رجال أعمال سودانيين، عدا عن الدعم العيني من اليابان وتركيا وغيرهما، فضلاً عن شراكات أخرى محلية مع عدد من الجهات، معلناً عن رغبتهم في الدخول في المزيد من الشراكات مع المنظمات الدولية والمحلية والجمعيات الخيرية. ويتابع عثمان أنّ الصعوبات الاقتصادية الأخيرة في السودان ألقت بظلالها السلبية على عمل البنك إذ ازداد عدد المستفيدين، لكن بقي عدد المانحين مع مساهماتهم على حاله، بالإضافة إلى مشكلة عدم التنسيق بين المنظمات التطوعية. ويسعى بنك الطعام في السودان إلى تغيير السلوك الغذائي لدى السودانيين عامة مع إشاعة ثقافة غذائية صحية تعتمد أول ما تعتمد على المكونات المحلية.




مدير إدارة التغذية في البنك، أسماء التيجاني، تقول لـ"العربي الجديد" إنّ البنك يعمل على توعية المواطنين بطرق حفظ وتداول الطعام، بما يؤمّن وفرة للأسرة الواحدة. من جهته، يوضح المدير الإداري لبنك الطعام، عمر آدم رحمة، لـ"العربي الجديد" أنّ البنك لا يعتمد فقط على التبرعات، بل أسس مشاريع استثمارية يعود ريعها للأعمال الخيرية، إذ أسس مصنعاً للمياه المعدنية، وآخر لملح اليود، ويعمل في نفس الوقت على تأسيس مصنع للبسكويت بصيغة استثمارية.
دلالات