الجبّة التونسية تنافس اللباس العصري

03 سبتمبر 2018
يتأنّى في التطريز (العربي الجديد)
+ الخط -

تبقى "الجُبة"، وهي لباس تقليدي في تونس، حاضرة في الأعراس والمناسبات. صحيح أن هناك إقبالاً على الملابس العصرية، إلا أنها ما زالت موجودة

تعدّ الجُبّة في تونس أعرق لباس تقليدي تشتهر به كلّ الجهات، ويمكن إيجادها في غالبيّة الأسواق في المدن العتيقة. سابقاً، كانت تُحاك باللونين الأبيض أو الرمادي. أما اليوم، فتُحاك بألوان مختلفة. و"الجُبّة" لباس فضفاض يغطي كامل الجسم، وهو ذو فتحة صغيرة على الصدر ذات تطريز خاص، تُلبس فوق ملابس تقليدية مثل "البدعية" و"منتان" والسروال التقليدي الفضفاض والصدرية.

وتختلف أسعارها بحسب نوعيّة القماش المستخدم، وتتراوح ما بين 100 دولار و2500 دولار. ويرتديها الكبار والصغار سواء أكانوا من سكان المدن أو البادية أو الصحراء، وفي الصيف كما في الشتاء. ويتّخذ مفتي الديار وأئمة جامع الزيتونة وشيوخ الدين والمنشدون من الجبّة لباساً رسمياً لهم، كونها رمزاً للانتماء العربي الإسلامي. كما يرتدي السياسيون الجبة غالباً في المناسبات الدينية مثل المولد النبوي، وعيدي الفطر والأضحى، وليلة السابع والعشرين من رمضان، إضافة إلى المناسبات الوطنية الأخرى.



في الوقت الحالي، لا تعدّ الجبّة التونسية لباساً يومياً، ليبقى حضورها مقتصراً فقط على حفلات الزفاف وبعض المناسبات. وتكاد تكون عنصراً أساسياً في حفلات الزفاف التونسية التقليدية، ويرتديها العريس إمّا ليلة زفافه أو يوم عقد قرانه. كما يرتدي غالبيّة المدعوين من الرجال في الأعراس الجبّة بدلاً من البدلات العصريّة. وعلى الرغم من هجران اللباس التقليدي في تونس، وإقبال المواطنين على الملابس الحديثة، لأنّ الجبّة فضفاضة وبالتالي لا يعد ارتداؤها سهلاً خلال العمل، ما زال العديد من التونسيين يرتدون الجبة في معظم المناسبات.

وعلى غرار البلغة والشاشية والبرنس، تميّز الجبّة الأسواق العتيقة في المدن. ويقول محمد (43 عاماً)، وهو أحد الذين يحيكون الجبة، إنها لن تندثر ما زال العديد من الشباب يقبلون على ارتدائها في الأفراح والمناسبات، كما يقبلون على حياكتها. يضيف: "على الرغم من تقلّص عدد محال حياكة الجبّة، إلّا أنّها ما زالت تغزو غالبية الأسواق التونسية، خصوصاً في المناطق السياحية. كما يقبل العديد من الجزائريّين على شرائها على الرغم من أنّها خاصة بالتونسيين".

جاهزة للبيع (العربي الجديد)


ويشير محمد، خلال تطريز إحداها، إلى أنّ الجبة تتطلب أولاً اختيار نوع القماش، ثمّ التفصيل والتطريز يدوياً، ما يجعل أسعارها مرتفعة قليلاً نظراً لارتفاع أسعار القماش المستعمل، ونوع خيوط التطريز التي غالباً ما تكون من الحرير. يضيف أنّ غالبية الحرفيين يعرضون الجبة في العديد من الأسواق، وحتى تلك الخارجية خلال المشاركة في بعض المعارض، لا سيما في بعض الدول الأوروبية.

ولا يُخفي محمد أنّ الحرفة شهدت تراجعاً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، لكنّها تنتعش أساساً في فصل الصيف، بسبب كثرة الأعراس والمناسبات والأعياد. وفي الأيام الأخرى، فإن أكثر من يقبل عليها هم الشيوخ والأئمة. وما زال الكثير من كبار السن يحافظون على ارتداء الجبّة التونسية في معظم أيّامهم. صالح ضيف الله (62 عاماً) يرتدي الجبة مذ كان صغيراً، ويوضح أنّه لم يغيّر عاداته على الرغم من انتشار البدلات العصرية. يقول إنه لا يشعر بالراحة خلال ارتداء ثياب ضيقة، علماً أنّه يوافق على أنّ الجبّة تبدو لباساً غير مريحٍ خلال القيام ببعض الأعمال اليدوية. لكنّ اللافت أن غالبية الشباب التونسي ما زال يفخر بارتداء الجبّة التي لا تغيب عن العديد من المناسبات.

وفي ما يتعلّق بتغيّر عادات التونسيين، يقول الباحث الاجتماعي طارق بلحاج محمّد لـ "العربي الجديد": "اللّباس ليس مجرد زي نرتديه، بل يحمل مجموعة من الرموز والدلالات الثقافية".



وتعد الجبّة التونسية لباساً تقليدياً يعبّر عن هوية التونسيين دون سواهم لأنّها تختلف عن بقية الأزياء العربية الأخرى، حتى تلك الموجودة في المغرب العربي. لكن مع فتح الحدود والعولمة، بات غزو البضائع الأجنبية للأسواق ظاهرة عالمية تشكو منها الدول الكبرى، فما بالك بأسواقنا ومجتمعاتنا المحلية؟". ويلفت إلى أنّ السلع بشكل عام ليست مجرد منتجات للاستهلاك وخالية من المعنى والمضمون الحضاري والثقافي، بل إنها مصدر للمضامين الثقافية والحضارية. والسلع المستوردة تحمل معها مضامين ثقافية مختلفة عن ثقافة مجتمعنا المحلي، خصوصاً إذا تعلّق الأمر باللباس والمظهر الخارجي.

يضيف أنّ متطلّبات العصر فرضت نوعاً جديداً من الملابس الحديثة التي تسهّل حياة وتنقل وعمل الناس، وتحاكي العصر، لكنّها لم تقض على هوية لباسنا خصوصاً أنّ التونسيين يحتفون كل عام باليوم الوطني للّباس التقليدي، كما أنّ غالبيّة الأزياء التقليدية التونسية، نسائية كانت أم رجالية، لا تغيب عن مناسباتنا وأفراحنا.