مجزرة المستشفى... أهل الحديدة هدف للتحالف

06 اغسطس 2018
الضحايا بالعشرات (عبده حيدر/ فرانس برس)
+ الخط -

تقول الأمم المتحدة إنّ المستشفيات محمية بالقانون الدولي، ولا شيء يبرر استهداف المدنيين، لكنّ طائرات التحالف ترى عكس ذلك، في اليمن، إذ تستمر في حصد أرواح من لا حول لهم ولا قوة

الصدمات تتوالى على سكان مدينة الحديدة الساحلية في اليمن، فالغارات الجوية لا تتوقف عن استهداف المدنيين، بذريعة سعي التحالف السعودي - الإماراتي إلى طرد جماعة أنصار الله (الحوثيين) من المدينة والمحافظة ككلّ. فبعد قصف طائرات التحالف قوارب صيد في أحد سواحل الحديدة ما أدى إلى مقتل صياد وجرح تسعة آخرين، فجعت المدينة بقصف مدفعي وجوي استهدف سوقاً للسمك وبوابة مستشفى الثورة، أكبر المستشفيات الحكومية في المحافظة ما أدى إلى عشرات الضحايا.

فوجئ زائرو مستشفى الثورة بانفجارت قوية مساء الخميس الماضي، تسببت في أضرار مختلفة ومتفاوتة في السيارات والمباني وسقوط ضحايا أمام بوابتها.

إبراهيم السماوي، أحد شهود العيان، يؤكد أنّه كان أمام أحد المحلات التجارية التي تقع بالقرب من بوابة المستشفى، ليفاجأ بصوت انفجار من بعيد، أعقبته بعد دقائق عدة انفجارات شديدة جعلته يقفز من مكانه إلى مكان مجاور من شدة الخوف والهلع. يقول لـ"العربي الجديد": "في العادة يكون المكان مزدحماً بالناس، وفي اللحظة التي حدث فيها الانفجار هرب الجميع إلى أماكن مختلفة. اعتقدت أنّه قصف استهدف المستشفى مباشرة". يشير إلى أنّ بعض القذائف وقعت في الشارع أمام بوابة المستشفى "وبالقرب من المكان المخصص لتوقف سيارات الزائرين". يوضح السماوي أنّه بعد الانفجار بثوانٍ بدأ الصراخ والبكاء في الأرجاء: "كنت أسمع بكاء الأطفال وأحاول أن أبحث عنهم بين الدخان والغبار". يلفت إلى أنّ رجال الأمن انتشروا في المكان ومنعوا دخول المواطنين إلى موقع الانفجارات.




المسؤول الأمني في المستشفى، عبد الرحمن حمزة، كان شاهداً كذلك على الحادثة، كما شارك في عملية توثيق ضحايا القصف. يقول لـ"العربي الجديد": "نجوت بأعجوبة. كنت في سيارتي ووقعت الانفجارات. سقطت قذيفة على بعد خمسين متراً مني. لا أنسى منظر الموت والضحايا يتساقطون أمامي، خشيت على ابني الذي يعمل في إحدى الصيدليات أمام المستشفى". يشير إلى أنّ الجميع كان يصرخ ويبكي ويبحث عن أقاربه.

يروي حمزة تفاصيل قصة مأساوية لأربع نساء قتلن أمام المستشفى: "كانت ثلاث نساء أمام البوابة يرافقن زوجة شقيقهن الحامل في الشهر الثامن للاطمئنان على صحتها وصحة جنينها، فسقطت قذيفة الموت لتحصد أرواحهن جميعاً". يشير إلى أنّ أسماء النساء هي خميسة وفاطمة وسعيدة وهادية، قتلن جميعاً مع الجنين.

كذلك، يشير حمزة، إلى أنّ فتى السادسة عشرة قتل أمام المستشفى أثناء محاولة إسعاف صديقه المصاب جراء القصف الأول على سوق السمك. يلفت إلى أنّ القصف لم يسلم منه "سائق دراجة أو صياد أو بائع متجول ولا حتى النساء... فامرأة عجوز مريضة وطفل مع أبيه سقطوا جراء القصف".

من جانبه، يؤكد، ياسر نور، مدير "مركز الأمل لمكافحة السرطان" المجاور للمستشفى، وكان شاهد عيان على المجزرة، أنّ القصف على بوابة المستشفى حدث أثناء نقل المصابين بقصف المحوات (سوق السمك). يشير إلى أنّه كان أمام بوابة طوارئ المستشفى حينها: "كنت في حالة فزع شديدة وأرى الناس يفرون في حالة ذهول وخوف واتجهت إلى البوابة، والناس لا يقدرون على الخروج منها لإنقاذ الجرحى خوفاً من قصف آخر يطاولهم. بعدها جاء بعض الموظفين في المستشفى وجنود الأمن وبدأت عملية إنقاذ الجرحى ورفع الجثث التي سقطت".

هذا القصف تسبب في تراجع أعداد المرضى والزائرين الذين يتوافدون إلى المستشفى والمركز الذي يديره نور. يقول لـ"العربي الجديد": "فرّ جميع المرضى تقريباً من المستشفى وهذا ما سيؤثر على صحتهم وحالتهم النفسية أيضاً". يشير إلى أنّ عدد المرضى الذين زاروا المركز، أمس الأول السبت، لم يتجاوز 10 حالات فقط بينما يصل عدد المرضى في الوضع الطبيعي إلى نحو 50 شخصاً في اليوم: "عدد المرضى الذين يزورون المستشفى تناقص مقارنة بالأيام الأخيرة قبل القصف، وهذا قد يؤدي إلى وفاة بعض المصابين بأمراض خطيرة في المحافظة التي تعتبر من الأفقر في اليمن". يوضح نور أنّ الكادر الطبي والتمريضي والفني والإداري يعملون في ظروف نفسية صعبة، ويعيشون في حالة توجس وقلق وخوف من احتمال استهداف المستشفى مرة أخرى. يواصل: "أهالي العاملين في المستشفى يشعرون بقلق دائم على أبنائهم. يتصلون بشكل مستمر للاطمئنان عليهم بعد الحادثة".

القصف تسبب بحدوث أضرار مادية طفيفة في المستشفى، إذ اخترقت قذيفة سقف مكتب الأرشيف والإحصاء داخل المستشفى، كما لم يتضرر أحد العاملين هناك.

وكانت الأمم المتحدة قد وصفت القصف الذي تعرض له مستشفى الثورة العام في محافظة الحديدة، بالأمر المروع. وقالت منسقة الشؤون الإنسانية في اليمن، ليزا غراندي، إنّ "المستشفيات محمية بموجب القانون الدولي الإنساني. لا شيء يمكن أن يبرر خسارة الأرواح هذه". وأشارت في بيان نشره موقع الأمم المتحدة إلى أنّ المستشفى واحد من المرافق الطبية القليلة العاملة في المنطقة "ومن أفضل مراكز علاج الكوليرا في المدينة، إذ يعتمد مئات الآلاف من الأشخاص على هذا المستشفى من أجل البقاء".




ولم تصدر أيّ منظمة تقريراً حول الأضرار البشرية الناتجة عن القصف الذي استهدف سوق السمك ومستشفى الثورة بالحديدة الخميس الماضي، إلاّ أنّ جماعة الحوثيين أكدت مقتل 55 مواطناً وجرح 170 آخرين من بينهم تسعة أطفال.