قلق في ألمانيا من قدرة اليمين المتطرف على الحشد...رداً على جريمة طعن

29 اغسطس 2018
انقسام بمدينة كيمنتس الألمانية بين مؤيد ومناهض للمهاجرين(شين غالوب/Getty)
+ الخط -


أسدل ستار الاحتفالات باكراً في مدينة كيمنتس الألمانية الشرقية، التي كانت تسمى "كارل ماركس شتات" والواقعة في مقاطعة ساكسونيا، في ذكرى مرور 875 عاماً على تأسيسها، وأملاً في اختيارها عاصمة أوروبا الثقافية. واستعيض عنها بمظاهرات عنيفة شارك فيها المئات، على وقع مقتل رجل ألماني وجرح اثنين بطعنات قيل إن "أجانب نفذوها".

والمظاهرات التي رفعت فيها التحية النازية الهتلرية، وهتف بعض المشاركين بغضب "نحن الشعب" ضد الأجانب والطبقة السياسية الحاكمة في برلين. شهدت في المقابل هتافات شبان يساريين طالبوا بخروج النازيين من المدينة.

وقبل أن يدرك كثيرون من "الأجانب" (اللاجئين) تفاصيل ما جرى، ومع توافد الناس وبينهم حليقو الرؤوس باللباس الأسود، وتجمّعهم "حزناً" على قتل شابين لاجئين ألمانياً في الـ35 من عمره طعنا بالسكين، وجد هؤلاء أنفسهم في المكان الخطأ. لم يدركوا أن حادثة الطعن فجر الأحد الماضي غيرت الكثير في المدينة، فكانت الجموع تطاردهم وتركل وتصفع وتصرخ بكلمات نابية، وفقا لما أجمعت عليه غالبية الصحف الألمانية.

لم يخفف إعلان الشرطة عن مرتكبي حادثة الطعن حدّة الغضب، بل زاد منسوبه مع تداول وسائل التواصل الاجتماعي تفاصيل قصة الطعن الثلاثية، التي راح ضحيتها قتيل وجريحان نقلا إلى المستشفى، والإشارة إلى أن الضحايا "طعنوا وهم يدافعون عن نساء تعرضن لمحاولة اعتداء جنسي". لم تنف الشرطة الألمانية تلك الشائعة إلا متأخرة، وتأجج الغضب حين أعلنت أن مرتكبي حادثة الطعن المفترضين هما سوري(23 عاماً) وعراقي(22 عاماً) واتهمتهما بالقتل.

حاولت الشرطة الألمانية وقف ما يجري في كيمنتس، لكن عناصرها تعرضوا لهجمات بالزجاجات والألعاب النارية من اليمينيين الغاضبين. واستمرت أجواء الكراهية مسيطرة منذ الأحد الماضي وحتى اليوم الأربعاء، ممتدة إلى مناطق أخرى في ساكسونيا.

ندد الناطق باسم الحكومة الألمانية، ستيفان زيبرت، بـ "مطاردة الناس كمطاردة الساحرات". وعبّر في مؤتمر صحافي عن رفض برلين "محاولات نشر الكراهية في الشارع وملاحقة أشخاص من خلفيات أخرى. ولا يجب أن يمنح هؤلاء فرصة لنشر اللاتسامح والتطرف في ألمانيا".

الإعلان عن جنسية القاتلين دفع بحزب اليمين المتشدد "البديل لأجل ألمانيا" للدعوة إلى التحرك الاحتجاجي، الذي شهدته المدينة بعد ظهر الأحد الماضي. كما دعا مؤيدو فريق كرة القدم في المدينة، جنبا إلى جنب مع شبيبة الحركة النازية، عبر "فيسبوك" إلى تحرك سريع تحت شعار "مسيرة حزن" و"دعونا سوية نظهر من لديه القول الفصل هنا".

 صدمة


سرعة اليمين المتطرف في تنظيم وحشد الشارع في كيمنتس، وما أعقبها من أعمال عنف وبروز الشعارات النازية شكلت حالة صدمة عبّر عنها سياسيون من الأحزاب التقليدية، منها "دي لينكه" اليساري وكذلك الاتحاد الديمقراطي المسيحي الحاكم.

ورأى وزير داخلية مقاطعة ساكسونيا، رونالد فوللر، أن ثمة "أبعادا جديدة للعنف بتنا نلاحظها في الولاية". في حين صرحت رئيسة بلدية المدينة باربرا لودفيغ، من الحزب الاجتماعي الديمقراطي: "فظيع تخويف الناس وملاحقتهم وتعنيفهم في شوارع المدينة".


الصحافة الألمانية عبّرت بدورها عن صدمتها من الأحداث، ومن دعوات التصعيد واستغلال حزب البديل اليميني عملية القتل ليطلق العنان لتصريحاته عن "ضرورة وقف مهاجري السكاكين"، لجذب المزيد من المؤيدين في الشارع.

صحيفة "بيلد" وصفت تداعيات الحادثة بـ "يوم العار في كيمنتس". وتساءلت "شبيغل أونلاين"، "كيف يمكن للشرطة ترك المدينة تحت سيطرة اليمين المتطرف". أما الصحيفة المحلية "فراي برس كمينيتس" فاختزلت ما جرى بعنوان واضح "قتل مُستغل"، مشيرة إلى أن عملية القتل التي تمت بالمدينة جرى استغلالها بشكل "مثير للاشمئزاز".

ورأى الباحث المتخصص في الحركات اليمينية المتطرفة، روبرت لوديك، من مؤسسة "أماديو أنتونيو" في برلين، أن ما جرى في كمينتس "يعري حقيقة أن العنصرية تتقدم لدينا. المجتمع يعيش حالة استقطاب، ويعبر الناس صراحة عن عنصريتهم. ويكشفون علانية ما يدور في تفكيرهم حول من يريدون له البقاء أو الرحيل عن ألمانيا".


ما يقلق أيضا في ساكسونيا، وبعض ولايات أخرى في شرق ألمانيا، تكرار استغلال أحداث معينة للتعبير عن مواقف متطرفة ضد اللاجئين والمهاجرين. فحركة "بيغيدا" المتطرفة حيث معقلها الكبير غير بعيد، في دريسدن، تجد في حادثة الطعن فرصة لتأكيد طابعها المتطرف واستقطاب المزيد من الشارع. ومثلها يفعل "البديل لأجل ألمانيا" ويظهر في الاستطلاعات بعد سنة من انتخابات الولاية أنه أكبر الأحزاب فيها.


وبالرغم من أن سكان مدينة كمينتس يشعرون بغضب لفقدان النجار الثلاثيني دانيال الأب والزوج (حسبما نقلت الصحافة الألمانية اسمه)، إلا أن غضبا آخر أبرزته الصحافة، التي نقلت عن بعضهم رفضهم "المساواة بيننا وبين النازية". وبعضهم كتب على قصاصات ورق ما يشبه رسائل للصحافة تقول: "أعزاءنا الصحافيين، إن كنتم تحبون كمينتس فرجاء امنحونا السلام والهدوء، ودعونا نحزن دون اتهامنا بالنازية".


المقلق عموماً في المجتمع الألماني أن اليمين المتطرف بات جزءا من المشهد السياسي والمجتمعي، فمشاركة شبيبة الحركة النازية NS Boys في أحداث العنف والمبادرة إلى تجمعات احتجاجية علنية الطابع، بحجة التعبير عن الحزن، ووقوف أناس عاديين يرفعون أصابعهم الوسطى بوجه السياسيين والصحافيين، مع هتافات ضد المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، وبقية الطبقة السياسية، كلها أمور باتت تختصر حالتَي الانقسام والخوف.

المستشارة ميركل اضطرت للخروج والتعليق بنفسها على هذا التطرف في مؤتمر صحافي بالقول: "شاهدنا بالفيديو الجموع التي تطارد أشخاصا في الشوارع وبشكل ينم عن تعاون بينهم من منطلق الكراهية، هذا الأمر لا علاقة له بدولة القانون لدينا، وأعمال الشغب هذه لا مكان لها في بلدنا وأي من شوارعنا".


لكن الصدام الذي أدى إلى وقوع 20 جريحا، بين اليسار والمتطرفين، وتحقيق الشرطة مع عشرة شبان رفعوا أذرعهم لأداء التحية النازية الممنوعة في ألمانيا لا يلغي كون الهدوء الذي شهدته مدينة كمينتس يوم أمس الثلاثاء ليس سوى هدوء خادع، وهو أيضا ما تعترف به الصحافة ووسائل الإعلام في هذا البلد المنقسم على ذاته اليوم أكثر مما كان أيام انقسامه بين شرق وغرب. ​

المساهمون