ريفيات مهمشات في تونس

18 اغسطس 2018
آفاق التشغيل مسدودة (Getty)
+ الخط -
"أقطن في منطقة ريفية بالهوافي، التابعة لمحافظة سيدي بوزيد. توفي زوجي تاركاً لي 3 أطفال وراتباً تقاعدياً لا يتجاوز 150 ديناراً (نحو 60 دولاراً أميركياً)، ما اضطرني إلى العمل الفلاحي. لكن، باستثناء موسم جني الزيتون، فإنّ العمل غير متوافر، ففي منطقتنا لا مصانع ولا آفاق لتشغيل النساء"، بهذه العبارات تتحدث هناء العماري (48 عاماً)، لـ"العربي الجديد".

تضيف بمرارة أنّ المرأة الريفية منسية، وتعاني بصمت، فلا أحد يهتم بها، أو يسمع صوتها، مؤكدة أنّ تفكيرها منصبّ على مواصلة أبنائها تعليمهم الذي حرمت منه، بسبب الظروف الاجتماعية القاسية. تضيف أنّ ابنها نجح في امتحان البكالوريا (الثانوية العامة) وسيدخل إلى الجامعة، كما لديها ابنان آخران (11 عاماً و16 عاماً)، لكنّها مستعدة للعمل من أجل تأمين تكاليف تعليمهم وكتبهم التي يحتاجون إليها.

التهميش في الريف يسبب المعاناة لنساء كثيرات، إذ لا يعثرن على فرص عمل ملائمة، كما يعجزن غالباً عن تأسيس أعمال صغيرة لإعالة أسرهن. تؤكد رئيسة "جمعية النهوض لإنصاف المرأة الريفية"، إنصاف حمادي، لـ"العربي الجديد"، أنّ هناك العديد من الصعوبات التي ما زالت تواجه المرأة الريفية، منها صعوبة النقل وغياب الوسائل التكنولوجية الحديثة التي تتيح تبادل المعلومات، ما يجعل المعلومة غائبة ولا تصل إلى المرأة في عمق الأرياف. تضيف أنّ ما يضاعف معاناة المرأة الريفية انسداد آفاق التشغيل، فمجرد الوجود في الريف يعتبر عائقاً أمام عمل المرأة، مبينة أنّ تأسيس المشاريع الخاصة يحتاج إلى تمويل عادة ما لا يتوفر في الريف، كما أنّ فرص نجاح أغلب المشاريع تكون محكومة بصعوبات عدة.




تلفت حمادي إلى أنّ هناك عطفاً على المرأة الريفية من قبل المدافعين عن حقوقها، لكنّ الحديث عن الصعوبات التي تعترض المرأة الريفية لم ترافقه أيّ حلول عملية لواقعها الصعب. تتابع أنّ هناك ريفيات ظروفهن أفضل من غيرهن ولا يعانين أيّ مشاكل مع بيئتهن الاجتماعية، وقد نجدهن يعملن في المستوصفات الجهوية أو في التعليم، لكنّ نسبة هامة من النساء الريفيات مهمشات. تتابع حمادي أنّ أبسط حقوق المرأة الريفية من ناحية الأجر الذي تتقاضاه أو في التعويض عليها جراء حوادث العمل، خصوصاً في النقليات لدى الفلاحات، ما زالت غائبة. تتابع أنّ الإعلان عن قرارات لصالح المرأة الريفية أمر جيد، لكنّ المطلوب اليوم السهر على تطبيق تلك القرارات لتتحول إلى أفعال وواقع تعيشه المرأة الريفية فينعكس بالإيجاب عليها. تشير حمادي إلى أنّ العديد من المشاريع بقيت حبراً على ورق، فبالرغم من الإعلان عن إعفاء المرأة الريفية عند تأسيس مشروع ما، من الضرائب، فإنّ العديد من القرارات لم تنفذ.

من جهتها، تقول رئيسة "جمعية المرأة والمواطنة" كريمة بنيني، لـ"العربي الجديد"، إنّ الدور الاقتصادي للمرأة الريفية لا يُعترف به عادة، فلا تحصل على مقابل مادي لجهدها، فكأنّ ما تقوم به واجب فحسب. توضح أنّ نساء كثيرات يعملن منذ طفولتهن في الفلاحة العائلية لكنّهن لا يحصلن على أيّ أجر، بينما تتقاضى أخريات أجوراً في العمل الفلاحي أقل من الرجال، ولو أنّ هذا ممنوع قانوناً. كذلك، تضيف أنّ ظاهرة تشغيل البنات من أرياف الشمال الغربي عاملات منزليات ما زالت متواصلة ما يؤدي إلى تسربهن من المدرسة.

تؤكد أنّه في ظل الجدل القائم حول المساواة في الميراث، فإنّ المرأة الريفية تعيل أسرتها ثم تتخلى عن نصيبها في الميراث لأشقائها الذكور، فتعيش ظلماً مضاعفاً ولا يُعترف بدورها. تتابع أنّ المرأة الريفية ما زالت تعيش تحت سلطة أبوية وأسرية، مع تدخل في شؤونها، إذ لا يمكنها اتخاذ أيّ قرار، وبالتالي، فالمطلوب اليوم ثورة في العقليات قبل القوانين التي لم تنصف المرأة الريفية.

تشير بنيني إلى أنّه بالرغم من حملات التوعية التي تنفذها الجمعيات في الأرياف، من قبيل التوعية حول العنف الاقتصادي الممارس على المرأة، فإنّ المسألة قد تحتاج إلى كثير من الوقت لتغيير العقليات، فبعض النساء واعيات أنّ حقوقهن مسلوبة لكنّهن في المقابل يعترفن بأنّهن تربين منذ الصغر على مثل هذا الوضع ولا يمكنهن المطالبة بتغييره. تشير إلى أنّ القوانين موجودة، لكن بين الواقع والتطبيق هناك مسافة شاسعة. وتدعو إلى تدخل أوسع من الدولة ومن جميع مكونات المجتمع للنهوض بواقع المرأة الريفية.




تبقى الإشارة إلى أنّ رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، أقر خلال مجلس وزاري عقد أخيراً، ضرورة النهوض بالوضع الاجتماعي للمرأة الريفية وإدماجها في منظومة التغطية الاجتماعية والصحية، وقد تمّ توقيع اتفاقيّة تسمح بتحسين ظروف دخول نحو 500 ألف امرأة عاملة ريفية إلى المنظومة الاجتماعية لتطوير مكاسب المرأة الريفية العاملة.