هولندا تحجم عن استخدام النقد في تعاملاتها

11 اغسطس 2018
في أحد متاجر هولندا (العربي الجديد)
+ الخط -
تسعى هولندا إلى وقف استخدام النقود الورقية والمعدنية في تعاملات البيع والشراء. وقد غابت النقود كأداة شراء وتلقّي الخدمات عن عدد من متاجر المدن الكبرى وعن وسائل النقل العمومية، لا سيّما الحافلات والقطارات والترام والمترو. الخطة التي تسير بها أمستردام رافقها جدال واسع حول الرقابة المالية على السكان والمواطنين بدوافع أمنية واقتصادية، فهي لدى بعضهم تدخّل فظ ورقابة غير مشروعة على سلوك الأفراد وحركتهم بين المناطق والمدن وفي تعاملاتهم المالية والشرائية. بالنسبة إلى آخرين فإنّها تقليص لحجم اليد العاملة، ما يعني فقدان وظائف عدّة مثلما هي الحال في المتاجر الكبرى التي يعمل فيها شبان وفتية لا تتعدّى أعمارهم السابعة عشرة، بدوام جزئي، في أقسام خدمة الزبائن وعلى الصناديق.

في تجربة مشتركة بين إحدى جامعات مدينة أوترخت (وسط) وبين سلسلة متاجر للبيع بالتجزئة، تُركت للزبائن حرية الاختيار بين تسديد الفاتورة لموظف أو موظفة في المتجر وبين الخدمة الذاتية التي تشمل تسجيل قائمة المشتريات وتسديد ثمنها.

يُذكر أنّ نحو 250 متجراً كبيراً للبيع بالتجزئة في هولندا تتبع لعلامة تجارية واحدة تعتمد الخدمة الذاتية، في حين أنّه لم تصدر بعد أيّ أرقام تكشف حجم الإقبال والتعامل مع الخدمة الذاتية، في حين أنّ القائمين على التجربة وصفوها بالمرضية حتى اليوم. ووصفوا عملية تسديد المال الذاتي عبر آلية المسح اليدوي أو سكانر بأنّه سريع (من دون طوابير) وسهل وواضح، وبأنّه يمنح الزبون إمكانية ووقتاً لتسوّق إضافي من دون الحاجة إلى الخروج من ممرات الصناديق والعودة مجدداً من ممر الدخول في حال نسي الزبون غرضاً غفل عن شرائه.



وبات مألوفاً أن تجد زبائن ومستهلكين يتفادون الوقوف في طوابير عند الصناديق، فيستخدمون أجهزة المسح الضوئي لتسجيل مشترياتهم من تلك المتاجر وتسديد الفواتير ذاتياً عبر استخدام جهاز المسح والدفع من خلال الحساب المصرفي للزبون أو هاتفه النقال. وتلك المتاجر أطلقت تجربة الخدمة الذاتية بشكل جزئي سعياً إلى الاعتماد عليها بشكل كلي، بعد الانتهاء من المرحلة التجريبية التي ترافقها عادة مشكلات وأخطاء لا بدّ من استدراكها قبل الاعتماد على الخدمة الجديدة بشكل كلي.

يُذكر أنّ ثمّة زبائن فوجئوا بأرقام خيالية على فاتورة مشترياتهم، بعدما أخطأت أجهزة المسح في قراءة كود البضاعة، الأمر الذي لا يحصل مع عامل أو عاملة الصندوق اللذَين ينتبهان إلى ذلك عادة. كذلك فقد لجأ زبائن إلى التحايل على تلك الأجهزة لغياب الرقابة المباشرة من قبل أشخاص مخوّلين بذلك، لكنّ الكاميرا رصدت بعض عمليات التحايل من قبيل أن يسدد زبون ثمن بعض المنتجات الرخيصة ويغفل متعمداً مسح وتسجيل منتجات غالية الثمن وتسديد المتوجّب عليه.

قررت خوض التجربة الجديدة (العربي الجديد) 


وقد بيّنت التجربة تحفظاً واضحاً من قبل كبار السنّ على استخدام أجهزة المسح والاعتماد على الخدمة الذاتية وتسديد الثمن مباشرة، إذ إنّ هؤلاء يفضّلون حمل نقودهم في محافظهم عند تسوّقهم من المتاجر الكبيرة وكذلك المحلات، تجنّباً لأخطاء غير بشرية ورغبة في التواصل المباشر مع الموظفين والحصول على نصائح ومساعدة قد لا توفّرهما الأجهزة الإلكترونية. وهذا ما تؤكده إليزابيث التي تفضّل "التحدّث إلى أناس في المتاجر والمحلات التي اعتدت زيارتها والتسوق منها في مدينتي".

من جهته، باتت لسائق الباص مهمة إضافية نتيجة التوجّه العام إلى وقف استخدام النقود الورقية والمعدنية، إذ إنّه يتوجّب عليه شحن بطاقات المواصلات للمسافرين وبيعهم التذاكر عن طريق الدفع من حساباتهم المصرفية، بعدما كانت مهمته التأكد من تمرير المسافرين لبطاقاتهم على أجهزة المسح أو بيعهم تذاكر وقيادة الباص. وهو ما يعني وقتاً وجهداً إضافيَّين.

تجدر الإشارة إلى أنّه من بين 32 شركة مشغّلة لخدمة نقل الركاب بالباصات في هولندا، 28 منها تعتمد بشكل كامل على تسديد التعرفة من الحساب المصرفي عبر البطاقة المصرفية أو جهاز الهاتف وقد توقّفت عن التعامل بالنقود الورقية والمعدنية، بحسب المكتب الوطني للبنى التحتية وإدارة المياه في هولندا. وهو ما وافق عليه البرلمان الهولندي وأجازه خلال النصف الأول من هذا العام.



ولا يختلف الأمر في الترام بالمدن الكبرى. ففي أمستردام على سبيل المثال، التي تعدّ عاصمة السياحة في البلاد، بات المراقب أو معاون سائق الترام معنياً مباشرة بتأمين الخدمة وشحن بطاقات المسافرين الذين يستقلون وسيلة النقل تلك، بعدما كانت مهمته الرئيسية تقتصر على المراقبة وبيع تذاكر للسياح تستخدم لمرّات محدودة. ويشرح بالإنكليزية والهولندية للمسافرين أنّ التعامل المباشر بالنقود قد توقّف، ويطلب منهم التأكد من وجود بطاقاتهم المصرفية معهم في أثناء السفر والتنقل بواسطة حافلات الترام. وهذا الإجراء بات يتطلب وقتاً إضافياً، الأمر الذي يعني تأخراً في جدول وصول الترام إلى محطاته المعتادة، لا سيّما في أوقات الذروة التي تستقبل فيها أمستردام أعداداً إضافية من السياح أو الزائرين، في موسم العطل والمهرجانات والفعاليات الدولية التي تحتضنها المدينة.

إلى ذلك، رفعت هيئات النقل من تكلفة شحن البطاقات والشراء عبر موظفيها ومكاتب خدمتها في محطات البلاد الرئيسية، أي أنّ التواصل مع موظف شركة النقل العامة يكلّف مبلغاً إضافياً (50 سنتاً) عن كل تذكرة وخدمة. وفي بلاد لا يرى فيها سكانها حرجاً في وصف أنفسهم بالبخلاء، فإنّ ذلك ترك أثراً واضحاً على سلوك المسافرين في محطات القطارات، إذ تقلّصت طوابير الخدمة بعدما ارتفعت التكاليف.
دلالات