يحلم عدد من الأطفال في الجزائر بالعيش في بيت دافئ بعيدا عن قسوة الشارع، ويتوقون إلى لحظة عناق تعوضهم حنان الوالدين. صغار لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا خارج إطار الزواج، فتكفلت مؤسسات رسمية بتنشئتهم وتربيتهم لغاية بلوغهم السن القانونية (18 سنة)، أو إلى أن تتطوع عائلات بكفالتهم وتغيير واقعهم المرير.
في عام 2007 نجحت زهرة بلحاج، الناشطة والمربية الاجتماعية، في الحصول على الموافقة لكفالة طفلة بعد انتظار دام سنتين. تقول زهرة لـ"العربي الجديد": "جئت بصابرينة وعمرها خمس سنوات. كان الهدف الأول إدماجها وسط العائلة وتعزيز علاقتها مع باقي أولادي الثلاثة، وكنت حريصة على ذلك حتى لا تشعر بأي فرق".
وتضيف: "عملت في المرحلة الموالية على تعليمها وتدريبها على قواعد العيش وسط العائلة التي تختلف عن المركز، ففي البيت لديها غرفة منفردة وألعاب ومساحة خاصة".
وجود صابرينة في البيت أنسى زهرة عراقيل وصعوبات واجهتها لأكثر من سنتين من أجل الكفالة، في الوقت الذي ما زالت العديد من العائلات تتخبط في هذه المشاكل ولم تتمكن من الحصول على حق كفالة طفل.
أمل، واحدة من السيدات اللواتي حرمن نعمة الأمومة واكتوين بنار الانتظار، منذ عام 2004 وهي تنتظر الموافقة على طلبها بكفالة طفل، حتى أنها كادت تصرف النظر عن الموضوع، تقول لـ"العربي الجديد": "وضعت ملفا لدى مصلحة الشوؤن الاجتماعية لولاية وهران منذ ثلاث سنوات لأجل التكفل برضيعة، لكنهم طلبوا مني انتظار دوري. لم أكن أعرف أن القصة ستأخذ كل هذا الوقت، برغم أن وضعنا الاجتماعي جيد".
وعلى غرار أمل، تخوض عائلات وأسر جزائرية تتوق إلى كفالة يتيم، رحلة شاقة في ظل تعقد القوانين التي تنظم هذه العملية، والتي تسيرها وزارة التضامن الوطني والأسرة الجزائرية، ومنها ضرورة توفر 64 وثيقة للتكفل بطفل.
وفي يونيو/حزيران عام 1984، أصدرت الحكومة الجزائرية قانونا ينظم حالة التكفل بالأطفال والاستقبال الشرعي لهم، وتم تعديل هذا القانون عام 2005 ليتطابق مع التطورات الاجتماعية التي شهدتها الجزائر في العقود الأخيرة.
ويعتبر القانون أن كفالة الطفل هي التزام قانوني من العائلة المتكفلة بالتطوع بنفقات
ومصاريف التربية والاعتناء بالطفل القاصر وحمايته، تماما مثلما يقوم بذلك الأب تجاه أي من أبنائه، ويتوجب على كل من يرغب في استقبال طفل من أبوين مجهولين أو معروفين، أن يتقدم بطلب لدى الموثق أو رئيس المحكمة الأقرب إلى مكان إقامته.
ويفرق القانون في الجزائر بين حالتي استقبال عائلة لطفل من أبوين معروفين، أو طفل من أبوين غير معروفين، في الحالة الأولى يشترط القانون أن يحافظ الطفل المتكفل به على نسبه الأصلي، إذا كان من أبوين معروفين، أما في حالة كفالة الطفل من أبوين مجهولين أو من أب مجهول فيشترط موافقة الإدارة الحكومية المكلفة بالشؤون الاجتماعية.
ويضع القانون اشتراطات لتمكين أي شخص من كفالة طفل وحق الاستقبال القانوني، ومنها أن يكون مسلما ولديه القدرة المادية والاجتماعية على الاعتناء بالطفل المكفول وحمايته. ويمنح القانون لهذا الطفل الحقوق والخدمات العائلية والتربوية مثل الطفل الشرعي. ويسمح القانون الجزائري للكافل بمنح لقبه للطفل المتكفل به، لكنه يمنع التبني، لكون قانون الأسرة مستمد من الشريعة الإسلامية التي تحرم ذلك.
وتشير الإحصائيات الرسمية في الجزائر إلى وجود أكثر من سبعة آلاف طفل يولدون خارج إطار الزواج، عدد منهم يتم إيداعهم في مراكز حضانة تابعة للحكومة، بلغ عددها 363، بين مركز ودار لرعاية الأطفال تسمى في الجزائر "دار الطفولة المسعفة"، وبتقديرات الحكومة، فإن هناك أزيد من أربعة آلاف من الأطفال اليتامى في دور الطفولة والأيتام موزعين في مختلف مناطق الجزائر.
ونجحت دار الطفولة المسعفة في تمكين 82 طفلا من الحصول على حضن عائلي، بعدما تقدمت عائلات بطلب احتضانهم، بينها 10 عائلات جزائرية تقيم خارج البلاد. وفي العام الماضي حصل أكثر من 1200 طفل على كفالة لدى عائلات جزائرية، بينها أكثر من 100 عائلة جزائرية تعيش في الخارج.
وتدعو رئيسة جمعية "الطفل البريء"، وهيبة تامر، التي تدافع عن حقوق الأطفال مجهولي النسب، العائلات الجزائرية إلى التطوع للتكفل بالأطفال الموجودين في مراكز الإسعاف أو دور الرعاية، ومنحهم فرصة العيش في حضن عائلي دافئ.
وهيبة، التي وجدت نفسها بدون نسب ومجهولة الهوية، لا تعرف لها أما ولا أبا، غير الأم فتيحة التي ربتها برفقة خمسة أطفال آخرين في وضعها، لكن كفالتها من طرف سيدة كانت تعمل مربية منحتها مؤقتا بعض الدفء العائلي الذي أتاح لها تكوين شخصيتها، إلى حد الانخراط في المجتمع المدني وتأسيس جمعية مدنية تعمل في الدفاع عن حق الطفولة المنسية.
من جهتهم، يشجع رجال الدين والأئمة في الجزائر العائلات الجزائرية على كفالة الأطفال باعتبارها جهدا إنسانيا وواجبا شرعيا للعائلات التي تتيح لها ظروفها الاجتماعية ذلك.
ويعتقد نقيب الأئمة، جلال حجيمي، أن رعاية الأطفال المحرومين من الدفء العائلي عمل بالغ القيمة، وكافلهم وصفه الرسول الكريم بأنه في الجنة.