جيش العبودية السري في كوريا الشمالية

30 يوليو 2018
يعملون في البناء في روسيا (فرانس برس)
+ الخط -
نحو 100 ألف عامل من كوريا الشمالية يُستغلون في دول أخرى، في ساعات عمل طويلة، من دون أن يقابل هذا التعب مدخول مرتفع، بل بالكاد ما يسمح بالعيش

وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة في 2017 فإنّ مداخيل جمهورية كوريا الشمالية من "تأجير العمال" بطريقة أشبه بالاستعباد إلى دول أخرى تقدر بنحو 2.3 مليار دولار سنوياً. تأتي الصين وروسيا في المراتب الأولى من حيث استيراد هذه العمالة الرخيصة، بل المجانية بالنسبة للعمال الذين لا يتلقون رواتبهم مباشرة، إذ ترسل إلى مندوبي الحكومة الكورية الشمالية. الأخيرون يمنحون العمال فقط ما يسد رمقهم في الدول التي يعملون فيها، وفي أحيان كثيرة يقبل هؤلاء بالعمل الاضافي لدى الناس لأجل سد رمق أسرهم، من دون علم مراقبيهم الكوريين الشماليين.

وبحسب ما ذهب إليه في أكثر من مناسبة مقرر مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في ما يتعلق بكوريا الشمالية، الإندونيسي مرزوقي داروسمان، فإنّ هؤلاء العمال لا يتواجدون بتلك الصيغة، الاستعبادية والأقرب إلى الاتجار بالبشر، في الصين وروسيا فقط، بل في قائمة طويلة من الدول، تصل إلى 15 دولة، من بينها دول أفريقية وعربية. وقدّر عدد العمال العام الماضي، بنحو 100 ألف عامل. بولندا هي الوحيدة بين دول الاتحاد الأوروبي التي تستقبل هذا النوع من اليد العاملة الرخيصة، لكنّها تساهم في إنتاج بضائع تذهب إلى بقية دول الاتحاد، وهو ما يتنافى أصلاً مع سياسات اقتصادية وحقوقية وسياسة مقاطعة كوريا الشمالية، والخوف من استخدام الأموال لمشاريع بيونغ يانغ النووية.




تطلق وسائل الإعلام الأوروبية على عمال كوريا الشمالية شتى المسميات، ومن بينها "جيش العبودية الكوري الشمالي" و"جيش كيم جونغ أون السري". وفي أغلب الأحيان يعمل هؤلاء في صناعة السفن، وقطاع الإعمار والنسيج والمناجم، إلى جانب أعمال أخرى بحسب الطلب. أما ظروف العمل، فيمنع على أفراد هذا "الجيش" الاختلاط بالآخرين، ويبقون تحت مراقبة لصيقة، ولا يحق لهم التحرك الحرّ في الدول التي يعملون فيها، و"يعمل بعضهم لنحو 20 ساعة يومياً، ويحصلون على يوم إجازة واحد في الشهر، وهي من الأمور التي تجعل المنظمات والمراكز البحثية الدولية تنظر إلى الأمر على أنّه استرقاق حديث واتجار بالبشر، وهو أيضا ما أكدته تقارير "هيومان رايتس ووتش" منذ أعوام. وتشير مؤسسة "فايس" الإعلامية المتخصصة بكوريا الشمالية في أوروبا، وتقارير جامعة "لايدن" الهولندية، إلى أنّ "من هرب من مشغليه جرى نقل أسرته كاملة إلى معسكرات العمل القاسية حتى الموت في كوريا الشمالية، كما في حالة عائلة كيم سونغ شيول الذي هرب، من بين قلائل، من عبودية العمل في روسيا".

منذ عام 2016 بدأت تتكشف، من خلال تقارير حقوقية وإعلامية، عمليات استغلال عمال كوريا الشمالية، وتحديداً في قطاع بناء السفن، في بولندا، إذ كشفت أنّ سفناً جرى بناؤها لدول الاتحاد الأوروبي، من بينها هولندا والدنمارك وكندا بواسطة هؤلاء العمال.

وكان مشروع بحثي في جامعة "لايدن" الهولندية، بعنوان "عبيد للنظام"، قاده البرفسور في الدراسات الكورية، رمكو بريكو، كشف أنّ "الظاهرة ممنهجة لتأجير آلاف العمال حول معظم دول العالم، والهدف الأساسي تأمين سيولة مالية للنظام بظروف عبودية لنحو 100 ألف عامل". وكلّ هذا يجري في السنوات الأخيرة، بالرغم من أنّ الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي فرضا عقوبات على كوريا الشمالية، تشمل تلك الأعمال، منذ عام 2006، لمنع تدفق الأموال للحكومة في بيونغ يانغ.

الأمر يتجاوز بضعة آلاف في بولندا، ففي تقارير حقوقية وتحقيقات صحافية كشف النقاب عن أنّ تصدير تلك العمالة، بهذه الشروط غير الإنسانية، استمر في روسيا والصين. وكشفت تقارير التلفزيون الدنماركي والصحافة النرويجية و"هيومان رايتس ووتش" أنّ "روسيا استغلت تلك اليد العاملة لبناء بعض ملاعب مونديال روسيا. وفي سانت بطرسبرغ تحديداً ساهم هؤلاء في بناء ملعب زينيت أرينا" والأخير شهد مباريات كأس العالم الأخيرة.

تفيد تقارير مفوضية حقوق الإنسان للأمم المتحدة في 2015، ومقررها الخاص بكوريا الشمالية، مرزوقي داروسمان، إلى أنّ ما يجري حصده عن كلّ عامل في المتوسط هو ما بين 120 دولاراً أميركياً و150 دولاراً شهرياً، إلى جانب "مبالغ أخرى كبيرة تدفع للحكومة في كوريا الشمالية عن هؤلاء العمال". ومن الواضح بحسب التقارير والتحقيقات ومقاطع الفيديو التي صورت سرا أنّ هؤلاء العمال باعتراف بعضهم من دون أن يدري أنه يتحدث مع الصحافة "يتلقون بضعة نقود للسجائر والبيرة في بولندا". ويبيت هؤلاء العمال في مساكن جماعية مكتظة، كما كشفت التحقيقات "ظروفاً إنسانية غير لائقة في استغلال تلك العمالة في صناعة النسيج في روسيا، كقطع الأخشاب في سيبيريا وبناء ملاعب كرة القدم لمونديال روسيا 2018، ومنعهم تماماً من الاختلاط بالسكان المحليين، وهم أصلاً يعملون لساعات طويلة ولا يتلقون سوى حفنة من رواتبهم بحوالي 20 في المائة من الأصل فقط" بحسب ما نقل التلفزيون الدنماركي عن "أمنستي" العام الماضي، و"نيويورك تايمز" عن منظمة "داتا بايس، المركز الحقوقي للكوريين الشماليين".




وتقول الباحثة في سياسات الأمن بشرق آسيا، الدنماركية، كاميلا نوروب سورنسن، إنّ "ما يجري هو سياسة ممنهجة برعاية حكومة بيونغ يانغ، إذ ما زلنا نشهد إرسال المزيد من عمال العبودية إلى الخارج، وهو ما تشير إليه معظم الأبحاث المتخصصة في هذا الشأن... فمداخيل العمالة في الخارج أساسية للدولة اليوم، ومن روسيا وحدها يرسل نحو 145 مليون يورو سنوياً. وتضيف سورنسن "لقد فقد العديد من العمال حياتهم أثناء بناء ملاعب كرة القدم، وفي أحد مشاريع بناء الشقق الفاخرة في موسكو في مايو/ أيار 2017". وتشير سورنسن إلى "أنّ المزيد والمزيد من العمال يجري تسجيلهم أو يسجلون أنفسهم للعمل في روسيا، إذ يظن هؤلاء أنّ حياتهم ستكون أفضل في روسيا، مقارنة بأعمالهم وظروفهم في كوريا الشمالية، بالرغم من أنّهم لا يحصلون سوى على نحو 20 في المائة من أجورهم الأصلية".