ما يتعرّض له المعتقلون في سجون مصر يعدّ مناهضاً لكلّ ما يتعلّق بحقوق الإنسان. هم مهدّدون بالموت في ظل التعذيب الذي يتعرضون له، وقد سقط آخر ضحية يوم الجمعة الماضي، قبل يوم من حلول اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب.
توفي مواطن مصري جديد من جراء التعذيب الممنهج في أقسام الشرطة يوم الجمعة الماضي. وتتعرّض الغالبيّة الكاسحة من المحتجزين للضرب المبرح، من دون رادع أو آلية لمحاسبة المتورطين من عناصر الشرطة في هذه الجرائم، على الرغم من تحوّلها إلى واقع يعيشه عشرات الآلاف من الشباب الذين باتوا معرضين للقتل في أية لحظة نتيجة التعذيب.
وتتزامن واقعة التعذيب الأخيرة مع حلول اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب في 26 الشهر الجاري، ضمن سلسلة دموية مستمرة منذ نحو خمسة أعوام، إذ سقط أكثر من 490 قتيلاً في السجون ومقار الاحتجاز المصرية منذ انقلاب الجيش على الرئيس محمد مرسي صيف عام 2013، ما يشكل انحرافاً كبيراً في إطار الحقوق والحريات، بحسب منظمات حقوقية غير حكومية.
وأعلنت وزارة الداخلية المصرية، أول من أمس، عن فتح تحقيق داخلي (شكلي) بواسطة قطاع التفتيش والرقابة في الوزارة، حول واقعة مقتل أحد المواطنين المتهمين على ذمة قضية سرقة داخل حجز قسم شرطة حدائق القبة، شمال العاصمة القاهرة، بهدف الوقوف على خلفياته، واتخاذ كافة الإجراءات القانونية قبل الواقعة، وإحالتها إلى النيابة العامة لتولي التحقيق.
وحاصر العشرات من أقارب الضحية قسم الشرطة، فجر الجمعة الماضي، خصوصاً أن واقعة الوفاة حدثت عقب ساعات قليلة من الاعتقال، ما اضطر مديرية أمن القاهرة للدفع بعدد من مدرعات الأمن المركزي الإضافية لمنع محاولة اقتحام القسم، وفض تجمهر الأهالي بالقوة، بعد اعتقال أربعة منهم، واتهامهم بالتورط في ارتكاب أعمال شغب، تمهيداً لعرضهم على النيابة المختصة.
في وضعيّة تأهّب (محمود خالد/ فرانس برس) |
وأفادت المناظرة الأوليّة لنيابة غرب القاهرة الكلية، بأن جثمان الضحية يخلو من أي إصابات ظاهرة، ما يتكرر في كل حالات التعذيب، التي يفضحها تقرير الطب الشرعي لاحقاً، مطالبة بنقل الجثة إلى مشرحة زينهم، لتبيان أسباب الوفاة بعد تشريحها، وتكليف هيئة الطب الشرعي بإعداد تقرير مفصّل، والتحفظ على كاميرات القسم وتفريغها.
وظاهرة وفاة المتهمين داخل مقار الاحتجاز معتادة في مصر، وكانت سبباً رئيسياً في اشتعال ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011، والتي كان مطلبها الأبرز إعادة هيكلة وزارة الداخلية. وشكّل تعذيب الشاب خالد سعيد حتى الموت، في يونيو/حزيران 2010، ومن بعده الشاب السلفي سيد بلال، سبباً لاندلاع الثورة.
وفي 20 يونيو/ حزيران الجاري، أرجأت محكمة جنايات جنوب القاهرة محاكمة ضابط و8 أمناء شرطة في قسم شرطة الوايلي، إلى 17 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، علماً أن جميع المتهمين مُخلى سبيلهم، على الرغم من اتهامهم بالتعذيب والاعتداء بالضرب عمداً على المواطن حسين فرغلي حتى وفاته داخل قسم الشرطة في 25 مايو/ أيار 2016.
وفي مايو/ أيار الماضي، أرجأت المحكمة نفسها محاكمة معاون مباحث وأمين شرطة في قسم المقطم، على ذمة تورطهما في قتل الشاب محمد عبد الحكيم الشهير باسم "عفروتو"، أثناء احتجازه بتهمة الاتجار بمخدّر "الاستروكس"، وقد ضبطاه من دون سند إجرائي مشروع، وعذباه بدنياً وتعديا عليه بالضرب، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
وكشف تقرير الطب الشرعي وجود آثار للتعذيب في جسد "عفروتو". وتوفي بعد تضرّر الطحال، وحدوث نزيف في البطن، وكسر في الضلع السابع للصدر نتيجة الضرب المبرح الذي تعرّض له على أيدي عناصر الشرطة، علماً أن تقريرا رسميا لوزارة الداخلية زعم أن المتهم توفي بسبب تعاطيه المخدرات.
في المقابل، قررت نيابة جنوب القاهرة الكلية إخلاء سبيل 36 متهماً من أقارب "عفروتو"، على ذمة التحقيقات التي تجرى معهم من جراء احتجاجهم أمام قسم شرطة المقطم، إثر توجيه النيابة العامة لهم اتهامات تتعلق بـ "التجمهر، وحرق سيارتي شرطة، ومقاومة السلطات، ومحاولة اقتحام قسم شرطة، وحيازة مولوتوف".
وتصاعدت وتيرة الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون الجنائيون والسياسيون، أثناء فترات احتجازهم في أقسام الشرطة المصرية، خصوصاً الكائنة في محافظتي القاهرة والجيزة، والتي تشمل الضرب المبرح، والتعذيب بوسائل عدة، لإجبارهم على الإدلاء باعترافات، أو لمجرد أهواء شخصية لدى ضباط الشرطة للانتقام منهم على خلفية معارضتهم للسلطة الحاكمة.
أمنستي تستذكر الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في روما (كريستيان مينيلي/Getty) |
ونصت المادة 126 من قانون العقوبات المصري على أنّ "كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم، أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف، يعاقب بالأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث إلى عشر سنوات. وإذا مات المجني عليه يحكم بالعقوبة المقررة للقتل العمد"، وهي العقوبة التي تصل إلى السجن المؤبد أو الإعدام (بحسب تقدير القاضي).
وفرضت اتفاقيّة مناهضة التعذيب، التي صادقت عليها مصر، على كل دولة طرف فيها أن تتخذ إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعالة "لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها القضائي"، مشددة على عدم جواز التذرع بأي ظروف استثنائية، أو بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة، أو عن سلطة عامة، كمبرّر للتعذيب.
ووفق ما رصده حقوقيون مصريون، تتنوع أساليب التعذيب في مقار الاحتجاز ما بين الضرب بالعصي، وأسلاك الكهرباء، والتعليق كالذبيحة (الرأس للأسفل والقدمين إلى أعلى)، والصعق بالعصى الكهربائية في كل أنحاء الجسد خصوصاً الأعضاء التناسلية، وصولاً إلى التمدد على فراش مبلل، يتصل بجهاز كهربائي مع تقييد اليدين والقدمين.
وتشير أصابع الاتهام إلى تورّط السلطات المصرية في تعذيب الباحث الإيطالي جوليو ريجيني حتى الموت، قبل عامين ونصف العام. هذا الرجل يتحدث أربع لغات، وحاصل على منح دراسية عدة، واستطاع تكوين صداقات له بالقاهرة، قبل أن يختفي في الذكرى الخامسة لثورة 2011، أثناء ذهابه لمقابلة صديق له في منطقة وسط البلد، وعثر عليه مقتولاً صباح الثالث من فبراير/ شباط 2016.
وبحسب تقرير الطب الشرعي، فإنّ جسد ريجيني بأكمله ظهرت عليه آثار تعذيب ممنهج، كالذي تتبعه الشرطة المصرية، تمثل في سحجات في الجسم من الأسفل نتيجة احتكاك جلد المجني عليه بجسم خشن، إضافة إلى وجود آثار كدمات متعرجة في الوجه والصدر بسبب تجمع الدماء تحت الجلد أحمر اللون، وقطع وجروح في الأنف والأذن اليسرى.