"طعام العودة" على حدود غزة

10 مايو 2018
تعاون نسائي (محمد الحجار)
+ الخط -

بالترافق مع هبّة الشبان الفلسطينيين على حدود غزة مع الأراضي المحتلة إثباتاً لمسيرة العودة وحقها، نشاطات مؤازرة كثيرة، منها تطوع نساء في إعداد الطعام

تشهد مناطق خيام العودة المنتشرة في خمس محافظات في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر، أجمل صور الوحدة المجتمعية المغيبة عن الشعب الفلسطيني طوال 11 عاماً من سنوات الانقسام. عند الحدود تعد أمهات ورجال وشبان وجبات طعام ومأكولات فلسطينية وعربية منها تراثية قديمة على الحدود لإطعام الجميع، إلى جانب تواجد الأطفال وسعادتهم في أجواء افتقدوها في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها قطاع غزة.

تنشط النساء لإعداد وجبات طعام عن أرواح الشهداء في النهار، بينما أصرت مسنات على المشاركة مع إضفائهن أجواء تراثية على المسيرات. وقد دفعت روح هذه المبادرات لتشجيع كثير من النساء للمجيء إلى الحدود والمشاركة في دورهن. وكلّ يوم يتلقى المتواجدون في الخيام وجبات طعام مختلفة من السيدات في النهار، ومن الشبان في الليل.



أمينة أبو النور (45 عاماً)، تحضّر هي وجاراتها الطعام كلّ يوم بعد الظهر في قدور كبيرة، ليتولى الشبان المتواجدون في شرق بلدة جباليا شمال قطاع غزة إشعال النار لإعداده ومن بعدها تقديمه في أطباق بلاستيكية توزع على جميع من في الخيام في منطقتهم. تقول أبو النور لـ"العربي الجديد": "هذه الأجواء لا نعيشها إلا خلال تجمع النساء في مناسبات الأعياد تحديداً خلال إعداد الكعك وحلويات العيد، وفي الأفراح خلال إعداد أطباق الضيوف، لكنّنا الآن نعيش الأجواء كلّ يوم، إذ نشعر كأنّنا في عرس وطني كبير. كم أشعر بالسعادة وأنا أشارك صمود شعبنا على الحدود لتحقيق مطالب حق العودة الفلسطيني".

تجهيز حلويات (محمد الحجار)
 

بالرغم من الظروف الصعبة إلا أنّ أبو النور تجد الكثير من النساء يبادرن لجمع النقود من بعضهن البعض ثمناً للوجبات، وأخريات يجلبن الخضروات وغيرها من منازلهن. تشير إلى أنّهن على هذه الحال منذ أكثر من أسبوعين، إذ يجهزن الطعام يومياً في ما عدا يوم الجمعة لما فيه من خطر عليهن خصوصاً مع غزارة إطلاق جنود الاحتلال الرصاص والغاز المسيل للدموع على الحدود.

أماني عبد الجواد (30 عاماً) واختها نسرين عبد الجواد (38 عاماً) تخصصان ثلاثة أيام في الأسبوع للذهاب إلى منطقة دوار ملكة، شرق مدينة غزة، بالقرب من خيام العودة، للاشتراك مع النساء هناك في إعداد الطعام. تقول أماني لـ"العربي الجديد: "أعتقد أنّ استمرار مبادرتنا في إعداد الطعام من أجمل الصور التي يمكن أن نرسلها إلى العالم الخارجي، إذ بالرغم من كلّ الظروف الصعبة التي نعيشها نحن صامدون لأجل حقنا في عيش حياة كريمة. لا يقتصر عملنا فقط على إعداد الطعام، بل تمثل مبادرتنا هذه تعايشاً سلمياً على الحدود، نحن وكلّ النساء وأطفالنا وشبابنا وحتى كبارنا".

يشاركون بدورهم في اعداد الطعام (محمد الحجار) 


تعد الشقيقتان "القدرة الفلسطينية" المؤلفة من الأرزّ بالبهارات مع اللحوم أو الدواجن، وطبق السوماقية وهي أكلة غزاوية مؤلفة من نبتة السلق والسماق المطحون وخلطات أخرى، ومتبل الباذنجان على الطريقة الفلسطينية، والمقلوبة الفلسطينية التي تحتوي على أرزّ وبهارات وخضروات.

لاقى حضور النساء ومن بينهن المسنات، ترحيباً كبيراً خصوصاً مع استمرار إعدادهن الوجبات. نساء كثيرات بتن يتكفلن بإحضار المواد الأولية للوجبات بالكامل من مالهن الخاص، بينما تعدّه الكبيرات في السنّ، وبذلك يستفدن من تعلم أكلات تراثية فلسطينية، بالإضافة إلى خبز الطابون البلدي.

الأطفال يُراقبنهما (محمد الحجار) 


تعدّ الحاجة أم سارة أبو مرعي (55 عاماً) خبز الطابون (التنور) في شرق مدينة غزة بالقرب من خيام العودة، وهي تجد في المكان أجواء ممتعة إذ يتحلق حولها الأطفال لمشاهدة ما تفعل، ثم يبدؤون في السؤال عن طرق إعداد الخبز وعن الطابون اليدوي وكيفية استخدامه، إلى جانب إعدادها أنواع الكعك على الفرن البلدي وتعليمها للشابات المتواجدات على الحدود.

تقول أبو مرعي لـ"العربي الجديد": "الأطفال لا يعرفون الطابون البلدي أو طابون الحديد، لأنّهم جيل حديث كان وعيه الأول على إعداد الخبز بالفرن الكهربائي والمخابز الكبيرة. من الجيد أن يعرفوا ما هو الطابون البلدي الذي ارتبط أجدادنا فيه، وكان الطابون البلدي حاضراً في غزة إلى ما قبل عام 2000، وكنا نجهز عليه أكثر من 10 أنواع من الخبز".
تلاحظ أبو مرعي أنّ هذه الوجبات ساهمت في إطعام الأسر الفقيرة التي تلجأ إلى الحدود والتي تجد هناك طعاماً لها في ظل الأزمة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة. تضيف: "كلّ يوم أقول للشبان والنساء: لا تتركوا الحدود... أعدوا الطعام وغنوا وتحدثوا واسهروا هنا... الحدود تشهد على كرامة الشعب الفلسطيني".