رمضان كريم في فرنسا

31 مايو 2018
حلويات رمضانية (شارلي تريبالو/ فرانس برس)
+ الخط -


ينتظر مسلمون في فرنسا شهر رمضان بفارغ الصبر. إضافة إلى كونه شهر العبادة، فإنه يشكّل فرصة للتعارف بين مختلف الحضارات. تقول سعدية، وهي متقاعدة من أصول مغربية: "خلال شهر رمضان، يزورني كثيرون من المسلمين وغير المسلمين. يرون كيف أعيش وأبنائي خلال هذا الشهر الذي ننتظره بفارع الصبر. أدخلهم إلى مطبخي وأُريهم كيف أصنع حلويات رمضان، وأطبخ حريرة رمضان، وكل ما تعلمته من والدتي". تضيف: "أتقاسم كلّ ما أعدّه مع الجيران، ويأخذ ابني قسماً آخر إلى المسجد، حيث يعدّ إفطار رمضان".

في هذا الشهر، تُنظّم موائد الإفطار في غالبية المساجد وأماكن الصلاة في فرنسا، وتكون أبوابها مفتوحة للمتطوعين، ويشارك فيها الناس بحسب استطاعتهم. كما تستقبل المهاجرين السريّين والفقراء. وتقول ماريّا، وهي فرنسية مسلمة متزوجة من مهاجر جزائري: "ننتظر هذا الشهر وننظّم لقاء سنوياً مع الجيران للتعارف وتقاسم الطعام. أبواب المسلمين تكون مفتوحة طيلة شهر كامل للجيران من كل الأعراق والديانات والثقافات".

حتّى في فرنسا، يعرف كثيرون بقدوم هذا الشهر، باستثناء الأحياء الفرنسية الخالصة أو الأرياف الفرنسية، التي لا وجود فيها لفرنسيين من أصول مسلمة أو مهاجرين مسلمين. وتعترف الحاجة أميناتا، وهي سنغالية في الستين من عمرها، أنّها أقامت علاقات عدة مع صديقات من بلدان مختلفة خلال شهر رمضان، بسبب ارتيادها المساجد. تضيف أنّها ليست الوحيدة. "بما أنّ الحياة في الغرب قاسية، وترى الناس يركضون خلف لقمة العيش، لا وقت للتعرف سوى على رفاق العمل. لكن رمضان يعوّض لنا هذا النقص".




صحيح أن توقيت العمل لا يختلف، الأمر الذي يوثّر سلباً على الصائمين في ظلّ اختلاف أوقات تناول الطعام والنوم، إلّا أنّ "كل شيء يهون في محبة رمضان". تضيف: "على الرغم من كل شيء، نجد الوقت الكافي للذهاب إلى المساجد وأداء صلاة التراويح والعودة في وقت متأخر إلى البيت. وهذه متعة لا تُضاهى على الرغم من التعب المتراكم".

في فرنسا، يساهم شهر رمضان في التقريب بين الثقافات. وتقول مريم (15 عاماً) إن صديقاتها من غير المسلمات لا يتوقفن عن سؤالها عن شهر رمضان: "هل أنت صائمة؟ وبماذا تشعرين؟". تضيف: "حتى حين لا أكون صائمة، يسألونني عن السبب".

هذا العام، صام مسلمو فرنسا في اليوم نفسه مع معظم الدول العربية والإسلامية. ويقول بعض المسلمين في فرنسا إنهم في حاجة إلى هذه الوحدة في هذا الزمن الصعب، وهو ما ركزت عليه مساجد عدة في فرنسا، داعية إلى مواجهة موحدة لمختلف التحديات. والتحديات ليست قليلة، من بينها ما يتعرض له الفلسطينيون، خصوصاً في قطاع غزة، وقد طُلب من الأئمة التضامن والصلاة لأجل إخوانهم في فلسطين، ومع كل ضحايا العنف والكراهية في العالم.

تحدٍّ آخر ناتج عن بيان عنصري والإسلاموفوبيا، أطلق عليه "معاداة سامية مسلمة جديدة"، والذي لا يفرق بين الإسلام والتطرف. إلا أن هذا البيان ساهم في التقريب بين المسلمين في فرنسا. ويربط عالم الاجتماع قدور زويلاي بين هذا التقارب وبين "رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يكشف في قادم الأيام رؤيته الخاصة للإسلام الفرنسي".

وكانت تصريحات سابقة للرئيس الفرنسي قد جوبهت برفض بعض المسلمين في فرنسا، منهم عميد مسجد باريس الكبير، ورئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، بدعوى أن المسلمين "أدرى من غيرهم بشؤون دينهم"، في ظل التعلق بالجمهورية وقانون عام 1905، الذي يفصل بين الدين والدولة.




قبل أيّام على حلول شهر رمضان، تعرّضت فرنسا لاعتداء إرهابي آثم، وكان مطلوباً فيه من مسلمي فرنسا التبرؤ منه وإدانته، وهو ما فعلوه، حتى قبل أن يُطلب منهم. في هذا السياق، يقول إمام مسجد مونفرموي في ضاحية باريس: "شهر رمضان هو شهر السلام والصفح الجميل، ولن يرى الفرنسيون من مواطنيهم المسلمين في هذا الشهر وغيره، سوى الكلمة الطيبة وروحية التسامح والتضامن".

8.6 ملايين شخص

في عام 2017، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مركز دراسات "pew research center" أن تعداد المسلمين المقيمين في فرنسا سيزيد بمعدل 12.7 في المائة، ليبلغ أكثر من 8 ملايين ونصف المليون شخص. وقدّر المركز عدد المسلمين في فرنسا عام 2016 بنحو 5.7 ملايين شخص، أي ما يعادل 8.8 في المائة من مجمل السكان، وقد يرتفع إلى 8.6 ملايين شخص بعد 8 سنوات بفعل الهجرة.