محمد الهسي المسعف الجريح

28 مايو 2018
بدأ عمله في عام 2000 (محمد الحجار)
+ الخط -

هو جزء من نضال الشعب الفلسطيني. محمد الهسي الذي اختار أن يكون مسعفاً يسعى إلى إنقاذ الجرحى على الرغم من إصابته. يريد أن ينام وضميره مرتاح

قضى نحو عشرين عاماً من حياته يتنقل بين البيوت المدمرة والمصابين والشهداء في مختلف مناطق جنوب قطاع غزة. كان حريصاً على تأدية واجبه الإنساني في أصعب الظروف التي عاشتها مناطق الجنوب في ظل القصف الإسرائيلي واستهداف المدنيين. وفي الوقت الحالي، تراه على مقربة من خيام العودة، على الرغم من عشرات الإصابات التي تعرض لها خلال عمله، خصوصاً في يده اليمنى.

محمد الهسي (43 عاماً)، هو مدير مركز إسعاف خانيونس في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني. يحرص على التواجد يومياً على مقربة من خيام العودة في بلدة خزاعة، شرق مدينة خانيونس. لم تمنعه يده المصابة من الاستمرار في عمله. يسأله كثيرون عن قدرته على الاستمرار في عمله كمسعف، على الرغم من إصابته في يده.

كان الهسي قد أُصيب بفعل شظايا صاروخ طائرة إسرائيلية "أباتشي"، وهو يحاول إسعاف مصابين خلال انتفاضة الأقصى في عام 2002، أي بعد عامين من اندلاعها. أجريت له عمليات جراحية عدة، وتماثل للشفاء بعد أشهر. وأثناء عمله بعد عشرة أعوام، تعرض للإصابة مرة أخرى في يده نفسها خلال إنقاذه لأحد المصابين، ما دفع الأطباء إلى تثبيت جهاز العظام البلاتيني فيها.

كان الهسي قد أُصيب بفعل شظايا صاروخ طائرة إسرائيلية "أباتشي" (محمد الحجار) 


يقول الهسي لـ"العربي الجديد": "أؤمن كثيراً بالآية التي تقول إنه من أحيا نفساً كأنما أحيا الناس جميعاً. أشعر بسعادة حين لا تكون إصابة أي شخص خطيرة، أو في حال أنقذنا مصاباً في اللحظة الحرجة، لأن العمل الإنساني أكبر من الاحتلال الإسرائيلي والديمقراطية التي يدعيها". يضيف: "الخطر في مهنتي كمسعف يبدأ منذ صعود سيارة الإسعاف وبدء العمل على إنقاذ أرواح الناس". يلفت إلى أنه تعرض لإصابات كثيرة في أنحاء جسده. "أصبت في أنحاء عدة في جسمي من جرّاء العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة. وفي أحيان كثيرة، كان موتي محتماً. لكن عندما كنت أشاهد حال المصابين والجرائم الإسرائيلية، كنت أعمد إلى مداواة إصابتي بسرعة، للعودة إلى العمل وإسعاف المصابين".



يوم الجمعة بالنسبة للهسي يتطلّب جهداً وتركيزاً عالياً. على الرغم من الغاز المسيل للدموع والدخان، يعمل على إنقاذ الأرواح ومساندة المسعفين في نقل الجرحى. في مرات كثيرة، تعرّض طاقم الإسعاف الذي يرافقه لقنابل الغاز المسيلة للدموع، والتي تطلق عليهم بشكل مباشر. ويوضح أن طواقم الإسعاف تعرضت لعشرات الانتهاكات الإسرائيلية في مناطق شرقي غزة، علماً أن الطواقم الطبية لا تحتاج إلى التنسيق مع الإسرائيليين. وسبق أن تعرضت طواقم الإسعاف لاعتداءات وانتهاكات خلال الهبة الجماهرية لأجل الأقصى في أغسطس/ آب عام 2016، وخلال إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة للاحتلال، إضافة إلى العدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة، وخلال إنقاذ بعض المدنيين في منازلهم في المناطق القريبة من الحدود.

تأثر الهسي بخبر استشهاد الصحافي ياسر مرتجى (محمد الحجار) 


تأثر الهسي بخبر استشهاد الصحافي ياسر مرتجى في السابع من إبريل/ نيسان الماضي. رآه مصاباً بطلق ناري، وحاول بمساعدة مسعفين آخرين إنقاذه وإسعافه لكي يبقى يقظاً، لكنه غاب عن الوعي بعد وصوله إلى مستشفى ناصر في مدينة خانيونس. يقول: "فوجئت في ساعات الصباح الأولى عندما استشهد مرتجى. لا أعلم كيف لنا تحمل هذا المشهد، علماً أن مرتجى روح مثابرة تصور الحقيقة. بكى المسعفون بعد سماع خبر استشهاده. لكنّنا في مجتمع يمكن أن نفقد فيه أي شخص نعرفه في أية لحظة لأننا نعيش في ظل احتلال".

لطالما رأى الهسي كيف يتعمد الاحتلال قتل المدنيين من دون رحمة. ويصف الرصاص المتفجّر بـ "طلقة تدمير المستقبل". فإن أصابت أحد أطراف الغزيين، يكون احتمال بتر الطرف وارداً بنسبة 80 في المائة. ويرى أن الاحتلال يعمل على تطوير الغاز المسيل للدموع وإضافة تركيبات كيميائية ذات تأثير عال على الجسد. يلاحظ أن الغاز بدأ يسبب حالة من الصرع والرجفة الشديدة تستمر لما يراوح بين 5 إلى 10 دقائق في حال تنشقه.

المسعف الذي يلتزم البيت تحت ذريعة الإصابة، لا يمكن لضميره أن يغفر له  (محمد الحجار) 


يضيف الهسي: "بدأت عملي مع أحداث الانتفاضة في عام 2000، ما أكسبني خبرة كبيرة بالمقارنة مع أي مسعف في العالم، فقد عملت في ظل الأزمات والحروب والكوارث، وعرفت وقتها أنني جزء من نضال هذا الشعب. والمسعف الذي يلتزم البيت تحت ذريعة الإصابة، لا يمكن لضميره أن يغفر له، في الوقت الذي يعج الميدان بآلاف المصابين".



ويتمنى من كل المؤسسات والمنظمات الدولية الضغط على الاحتلال الإسرائيلي حتى يكون المسعف بأمان ويتمكن من ممارسة عمله من دون شعور بالخطر. فالرسالة التي يحملها المسعف هي إنقاذ أرواح المدنيين.