ملكيات السوريين... مرسوم النظام يهدّد بسلب العقارات

10 ابريل 2018
هل تبقى شقق هذه المباني لأصحابها المهجّرين؟ (سامر بويضاني/Getty)
+ الخط -

يرى معنيون بالشأن السوري أنّ المرسوم التشريعي الأخير الذي أصدره النظام لتنظيم الملكيات العقارية، يهدف إلى مصادرة عقارات المهجّرين من نازحين ولاجئين وكذلك المطلوبين من قبله، بأساليب احتيالية.

يشعر ملايين السوريين النازحين واللاجئين من جرّاء سبع سنوات من الصراع الدامي والحصار والتجويع والتهجير، بتهديد كبير، بعد إصدار رئيس النظام بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 10 لعام 2018 يوم الإثنين الماضي، القاضي بجواز "إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية"، وتعديل بعض مواد المرسوم التشريعي رقم 66 لعام 2012، ليتضمن إعادة تنظيم السجلات العقارية وتثبيت ملكيات المواطنين ومخططات تنظيمية، مطالباً شريحة واسعة من السوريين بتقديم ما يثبت ملكيتهم العقارية خلال فترة محدودة. بالتالي، قد يحرم هؤلاء السوريون وكذلك الملاحقون أمنياً من ملكياتهم العقارية الخاصة.

أبو قتيبة لجأ في عام 2013 إلى إحدى الدول المجاورة لسورية، بعدما كان قد اعتقل مرّات عدّة من جرّاء مشاركته في التظاهرات المناهضة للنظام. واليوم، يعبّر عن مخاوفه من أن يتسبب المرسوم الجديد في خسارته منزله في السيدة زينب. فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "منزلي يقع في منطقة العشوائيات. الفقراء من أمثالي لا يمكنهم أن يحلموا حتى بغرفة في المناطق المنظمة. وقد انتهيت من تسديد أقساطه في منتصف عام 2010، عبر عقد بيع قطعي ووكالة لإقامة دعوة بيع قطعي. لكنّ الثورة بدأت ولم أكن أملك تكاليف الدعوى القضائية في ذلك الوقت". يضيف أبو قتيبة: "أنا اليوم مطلوب أمنياً بسبب متابعة نشاطي الثوري، الأمر الذي يحرمني من القيام بأيّ معاملة رسمية في سورية، سواء أكانت شراء أم بيعاً أم استئجاراً أم توكيلاً، إذ إنّ كل شيء في حاجة إلى موافقة أمنية".




أبو جابر ناشط مدني هجّر من ريف دمشق قبل نحو عامَين، يشعر بأنّه سوف يُسلب بيته وأرضه من قبل النظام وباسم القانون. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه "يتوجّب على الشخص في المنطقة أن يقدّم الأوراق الرسمية خلال 30 يوماً. لم يتبقّ لي أحد من أهلي ليقدّم الأوراق، فتواصلت مع قريب لي وصديق قديم، لكنّهما اعتذرا، وأنا تفهّمت وضعهما. هما يعيشان في دمشق، وفي حال قاما بذلك، فإنّ دراسة أمنية سوف تُنفّذ عنهما وعنّي، بالتالي قد يتعرّضان للاعتقال ويجدان نفسيهما في محكمة الإرهاب. فالتواصل مع أمثالي ممّن يصنفهم النظام إرهابيين، تهمة تستدعي التحقيق".

أما ماجد الذي لجأ قبل ثلاثة أعوام إلى إحدى الدول الأوروبية، في إطار موجة اللجوء السوري، من دون أن تكون لديه "مشكلة مع النظام"، بحسب ما يؤكد، فيقول لـ"العربي الجديد": "لديّ مخاوف حقيقية من خسارة منزل عائلتي في جنوبي دمشق في حال عمدوا إلى إعادة تنظيم المنطقة. فوالداي توفيا وأنا وأخي في أوروبا، وإذا أردنا إرسال وكالة إلى محامٍ لمتابعة إثبات الملكية، فالأمر يحتاج إلى ثلاثة أشهر، في حين أن المهلة حُدّدت بـ 30 يوماً لتقديم الأوراق الثبوتية". يضيف ماجد أنّ "أخي كان قد اشترى منزلاً بعقد قطعي من شخص في حقّه ملاحقة أمنية، وهذا يمنع أخي من نقل ملكية المنزل إليه، وبالتالي قد يخسر المنزل والمال الذي دفعه. حاول الاستفسار من أكثر من محامٍ في دمشق عن المرسوم، لكنّ لم يكن أحد يملك جواباً شافياً. في المجمل، ربطوا الأمر بتوجيهات لجان السلطة. فإذا كان الهدف إعادة تنظيم تلك المناطق بطريقة عادلة ومنح تعويضات منصفة، فإنّ ذلك ممكن. وإذا كانت السلطة تنوي استملاك تلك المناطق ونزع مناهضيها ملكياتهم، فإنّ ذلك ممكن. الأمر هو ما تضمره السلطة ولم تصرّح به".

في السياق، وفي منشور على موقع "فيسبوك"، كتب الباحث الحقوقي والمحامي عارف الشعال: "تلقيت اتصالات كثيرة تطلب رأيي حول القانون 10/2018، وسُئلت تحديداً إن كان قصد المشرّع منه إحداث تغيير ديموغرافي في تركيبة السكان في المناطق التي سيطبق فيها. في الواقع، يصعب على المختص السير بركاب نظرية المؤامرة والاشتراك في اللغط الذي أثاره هذا القانون قبل دراسة متأنية له، وهذه الدراسة التي نعكف عليها حالياً تحتاج وقتاً وأدوات لا نملكها في الواقع". أضاف: "رئيس مجلس الدولة الأسبق المستشار عامر الموقع الخطيب (يقول) في كتابه قانون التوسع العمراني: لا بدّ لتفهم أيّ قانون من الرجوع إلى لائحة أسبابه الموجبة، فهي التي تشرح وتبين مبررات إصداره، والغاية المتوخاة منه".

وتابع الشعال: "وفي ظل سياسة الإحجام عن نشر الأسباب الموجبة للقوانين، وتأخر نشر مناقشات أعضاء مجلس الشعب في الجريدة الرسمية لأشهر طويلة، لا مناص من الاعتماد على التحليل والمقارنة والاستنباط للتكهن بما رمى إليه المشرع بإصداره هذا القانون أو ذاك. من جهة أخرى تثير التشريعات العقارية والعمرانية بالذات إرباكاً آخر من نوع خاص نظراً لتعددها ودقتها وتعقيدها وتشابكها. وبدون الإحاطة بهذه التشريعات كافة ومقارنتها ومقاطعتها مع القانون الجديد لفهم أبعاده، يكون التعليق عليه مفتقداً للمنهجية العلمية المطلوبة". وشدّد الشعال على أنّه "وريثما ننتهي من دراسته بشكل وافٍ، أكتفي بهذه العجالة بالتعبير عن انطباع أولي حوله، فهذا القانون يعتبر مربكاً من جوانب عدة، لأنّه قانون مزدوج. فهو من جهة قانون قائم بحد ذاته يسمح بإعادة تنظيم المناطق الخاضعة للتنظيم سابقاً، ومن جهة أخرى يشمل تعديلاً عميقاً للمرسوم التشريعي 66 لعام 2012 الذي قام بتنظيم المنطقة الممتدة من خلف أوتوستراد المزة بدمشق وصولاً لجنوب دمشق، وهي مناطق سكن عشوائي ومخالفات كما هو معروف".

مبان تتظر عودة مالكيها (الأناضول)

وأوضح الشعال: "ووجه الإرباك فيه أنّه لو كان يرمي لمعالجة مناطق المخالفات خاصة، لكان القانون رقم 33 لعام 2008 الخاص بتثبيت الملكية في مناطق السكن العشوائي مناسباً لهذا الغرض، ولو كان غرضه تنظيمياً بحتاً لاكتفى بقانون تنظيم وعمران المدن رقم 23 لعام 2015، لكنّ هذا القانون نصّ صراحة في مادته الأولى على إحداث منطقة تنظيمية ضمن المخطط التنظيمي العام!! أي ضمن المناطق المنظمة والمستقرة أصلاً التي تعدّ الملكية فيها مصانة بقوة الدستور. والمربك أيضاً أنّ المعيار الذي اتكأ عليه المشرّع بإحداث هذه المنطقة التنظيمية هو دراسات وجدوى اقتصادية، ولم يقل صراحة إنّه ينصب على المناطق المدمرة أو التي تحتاج إعادة إعمار، فضلاً عن أنّ كافة أحكام وبنود القانون تشير إلى أنّه يمكن أن ينطبق على مناطق منظّمة تحتاج إعادة إعمار، أو مناطق لا تحتاج إعادة إعمار، بدليل الآليات التي وضعها لحالات الإخلاء وتعويض المستأجرين والمزارعين وتأمين السكن البديل، وبالتالي يمكن لهذا القانون أن يطاول مناطق مأهولة غير مدمرة!".

وأكمل الشعال: "صحيح أنّ هذه النواحي تعدّ أحد وجوه الإرباك في هذا القانون المثير للجدل، ولكنّه بالمحصلة كأيّ تشريع آخر يمكن تشبيهه بسكين المطبخ، إن أحسن استخدامها في تقطيع المكونات، تساهم في إعداد أطيب الطعام، وإن أُسيء استخدامها، تدمي اليدين".

من جهته، كتب المحامي ميشيل شماس على صفحته الشخصية في موقع "فيسبوك"، أنّ "المرسوم 10 لعام 2018 يفتح الباب على مصراعيه أمام تغيير ديمغرافي وتشريع مصادرة ممتلكات ملايين المهجرين والنازحين"، داعياً "كافة اللاجئين السوريين ممّن لديهم تواصل مع سلطات الدول التي لجأوا إليها، إلى تنبيهها إلى المرسوم 10 لعام 2018 الذي سيحرم اللاجئين من ممتلكاتهم في بلدهم وبالتالي سيمنعهم من العودة إلى بلدهم".




أضاف شماس: "على سبيل المثال نصت المادة الثانية من المرسوم 10 على ما يلي: المادة 6 أ- تدعو الوحدة الإدارية خلال شهر من صدور مرسوم إحداث المنطقة المالكين وأصحاب الحقوق العينية فيها بإعلان ينشر في صحيفة محلية واحدة على الأقل وفي إحدى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والموقع الإلكتروني لها وفي لوحة إعلاناتها ولوحة إعلانات المنطقة، للتصريح بحقوقهم. وعلى هؤلاء وكل من له علاقة بعقارات المنطقة التنظيمية أصالة أو وصاية أو وكالة أن يتقدم إلى الوحدة الإدارية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ الإعلان بطلب يعيّن فيه محل إقامته المختار ضمن الوحدة الإدارية، مرفقاً بالوثائق والمستندات المؤيدة لحقوقه أو صور عنها إن وجدت. وفي حال عدم وجودها عليه أن يذكر في طلبه المواقع والحدود والحصص والنوع الشرعي والقانوني للعقار أو الحقوق التي يدّعي بها وجميع الدعاوى المرفوعة له أو عليه. ب- يجوز لأقارب أصحاب الحقوق حتى الدرجة الرابعة أو بموجب وكالة قانونية ممارسة الواجبات والحقوق المنصوص عليها في الفقرة السابقة نيابة عن أصحابها". وسأل شماس: "فمن سيجرؤ من المطلوبين أمنياً على التقدم إلى تلك اللجنة (الوحدة الإدارية) بالمستندات أو حتى من سيجرؤ من الأقارب على التقدم أيضاً؟ هنا اللعبة".