أهالي عفرين يلجأون إلى المحاكم

20 ابريل 2018
في عفرين (بها الحلبي/ الأناضول)
+ الخط -
لم يكن الخمسيني أبو ولات يُدرك إن كان سيعود إلى منزله وأرضه في إحدى البلدات في منطقة عفرين، هو الذي غادرها هرباً من المعارك بين تركيا والفصائل المسلحة السورية المدعومة منها، وبين "قوات سورية الديمقراطية"، والتي تشكل "وحدات حماية الشعب" و"وحدات حماية المرأة" الكرديتان عمودها الفقري. ولم يعلم أنه حين يعود، سيجد من يسكن منزله من دون معرفته أو موافقته.

أبو ولات ليس الوحيد الذي واجه أمراً مماثلاً. يقول لـ "العربي الجديد" إن كثيرين من أمثاله عادوا عقب انتهاء العمليات العسكرية ليجدوا من احتل منزلهم وأرضهم، لافتاً إلى أن "صاحب الحق يتوجب عليه الشكوى لدى قيادة الفصيل الذي يسيطر على المنطقة، أو التوجه إلى المحكمة التي أنشأتها إحدى الفصائل، والانتظار إلى حين البت في القضية".

من جهته، يسأل أحد أبناء عفرين أبو علي، خلال حديثه لـ "العربي الجديد": "كيف يمكن لجهة أن تكون هي المعتدي والحكم وقوة التنفيذ في آن واحد؟ على سبيل المثال، في حال من يسكن البيت قيادي في الفصيل الذي أنشأ المحكمة، فكيف ستسير المحاكمة؟". ويرى أن القضاء في وضع مماثل لن يكون عادلاً.



لا يشعر أبو علي بالأمان. "ما زالت المنطقة غير مستقرة، وهناك مضايقات من قبل بعض العناصر التي تنظر إلى الأهالي على أنهم إما من قوات قسد أو متعاونون معها، في وقت يبقى هؤلاء غير منضبطين بشكل تام، ما يثير مخاوف كثيرين من أن يكونوا ضحيّة هذه الفوضى".

في المقابل، يقول الحاج الخمسيني أبو خليل، وهو من أهالي بلدة ميدان أكبس، لـ "العربي الجديد": "مع بداية عملية غصن الزيتون، لم أخرج من البلدة. وبعدما سيطر الجيش السوري الحر، بمساندة الجيش التركي، حدثت بعض التجاوزات من قبل عدد من عناصر الجيش الحر كالاستيلاء على منزلي. وقد يكون من حسن حظي أن محكمة تشكلت في البلدة، وأعادت لي منزلي الذي أعيش فيه الآن".

أمّا الخمسينية الحاجة أم مصطفى، من أهالي بلدة ميدان أكبس، فتقول لـ "العربي الجديد": "خرجت من بلدتي على خلفيّة المعارك الأخيرة في منطقتنا. وبعد انتهاء الحرب، عدت إلى منزلي ووجدت أنه محتل من قبل بعض عناصر الجيش الحر، وقدمت شكوى إلى محكمة ميدان أكبس لإخلاء المنزل. وبعد أربعة أيام، برروا سبب استيلائهم على المنزل بأن أحد أبنائها متطوع لدى حزب العمال الكردستاني".

وتقول زوجة أحد الموقوفين من أهالي بلدة ميدان أكبس بتهمة التعامل مع "قسد"، والذي اعتقل أثناء معركة غصن الزيتون، لـ "العربي الجديد": "تقدمت بشكوى إلى المحكمة بعد سرقة بيتي، ضدّ أشخاص يدعون أنهم من الجيش الحر، وألقت المحكمة القبض عليهم وأعادت المسروقات إلي". تضيف: "نتمنى من المحكمة فعلاً أن تتعامل بعدل بقضية زوجي كما تعاملت بعدل مع قضية سرقة بيتي".

أحد أسواق عفرين (إيمين سانسار/ الأناضول) 


من جهته، يقول القيادي في "فيلق الشام"، أحد الفصائل الرئيسية في عملية "غصن الزيتون"، وأحد مؤسسي المحاكم المقدم هشام الأحمد، لـ "العربي الجديد": "بعد توقف المعارك، كان لا بد من إدارة الموضوع القضائي في ظل الفراغ الأمني الموجود، ما اضطرنا إلى تشكيل محاكم لفض النزاعات ورد الحقوق لأهلها. سعينا في هذه المحاكم إلى استقدام ما استطعنا من متخصصين وأصحاب خبرات وإحالة كامل الموضوع لهم. ويقتصر دورنا اليوم على أن نكون قوة تنفيذية إلى حين وجود الشرطة المدنية في المنطقة".

بدوره، يقول رئيس محكمة ميدان أكبس القاضي عبد المنعم الحسن، لـ "العربي الجديد": "نحن في المحكمة نسعى إلى حل المشاكل والنزاعات بين المتخاصمين من خلال عقد صلحة. وفي حال لم يكن ذلك ممكناً، نتدخّل من خلال القوة التنفيذية لتنفيذ قراراتنا وأحكامنا المستمدة من القانون العربي الموحد الذي نطبقه في محاكمنا".

وحول وجود محامين في هذه المحكمة ودورهم، يبيّن القاضي الجزائي في محكمة "ميدان أكبس" عبد السلام أبو خليل لـ "العربي الجديد"، أنّ "القانون العربي الموحد يتيح للمتهم والمدعي توكيل محامين عنهما، سواء في الادعاء أو الدفاع، ونحن نشجع على هذا الأمر.
وحتى نكون شفافين، علينا الاعتراف بأن وجود المحامين ما زال خجولاً جداً، بسبب قلة تواجدهم في المنطقة حتى الآن". يضيف: "نسعى في الأيام المقبلة إلى أن يكون في المحكمة مجموعة من المحامين توكلهم المحكمة لمن لا محامي له".



بدوره، يقول الناشط الإعلامي أحمد أبو شام، لـ "العربي الجديد": "في منطقة عفرين محكمة واحدة موجودة في بلدة ميدان أكبس المحاذية للحدود التركية، بمبادرة من فيلق الشام، وأنشئت بعد نحو أسبوع من إعلان السيطرة على منطقة عفرين". ويبيّن أن "المحكمة تضم قاضياً فردياً مدنياً، وقاضياً فردياً جزائياً، وقاضياً شرعياً، ومعداً للمحاضر، ورئيس ديوان، وكاتباً، وإدارياً. هؤلاء يعتمدون القانون العربي الموحّد الصادر في عام 1981، ومرجعية المحكمة هي محكمة إعزاز".

يضيف: "الأهالي يبدون ارتياحهم لتشكيل هذه المحكمة، في حين أن حجم الإقبال عليها جيد نسبياً، مع بعض التحفظات على المماطلة في عدد من القضايا، خصوصاً في حال كان أحد أطرافها من فصيل آخر. ويُعمد إلى حل الإشكال من دون اصطدام. أما العشائرية، فهي شبه معدومة في عفرين. لذلك، المحاكم نافذتهم الوحيدة لفض النزاعات". ويوضح أن هناك "تنسيقا كاملا بين محاكم الريف الشمالي والحكم الصادر في أي منطقة من مناطق درع الفرات أو غصن الزيتون".