تونسيون محرومون من أدويتهم

16 ابريل 2018
حتى المستشفيات تشهد نقصاً في الأدوية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
تعيش تونس أزمة نقص حاد لكثير من الأدوية الأساسية، إذ غابت من الصيدليات من دون إنذار. وهو ما يضطر المرضى إلى الصبر على أوجاعهم، ما قد يعرّض بعضهم لخطر الموت، فيما الأزمة بعيدة عن الحلّ قريباً

"ازدادت الحيرة في صفوف كثير من التونسيين بسبب نقص الأدوية، إذ يضطر البعض إلى البحث مطولاً وزيارة كثير من الصيدليات، علّهم يعثرون على الدواء المناسب خصوصاً لمرضى القلب والسكري وضغط الدم وأمراض النساء ومن بينها حبوب منع الحمل، وتزداد الحيرة في صفوف الأهل عندما يتعلق الأمر بأدوية حيوية تهم مناعة الأطفال وتصفية الكلى وزرع الأعضاء وغرف العمليات والجراحة"، هذا ما يشير إليه كاتب عام نقابة أصحاب الصيدليات، مصطفى العروسي، في حديثه إلى "العربي الجديد".

يضيف العروسي أنّ هناك نقصاً حاداً في ما يقدر بـ60 إلى 100 نوع من الدواء، وهي الأزمة الأولى من نوعها في تونس، إذ لم تصل البلاد إلى هذه المرحلة الحرجة سابقاً. يشير إلى أنّ الأزمة عميقة ولا بدّ من إقرار سلطة الإشراف بوجود الأزمة لكي يجري التشخيص والبحث عن حلول جذرية: "إلاّ أن نكران الأزمة سيعمقها أكثر". يؤكد أنّ الأزمة الخانقة التي تمر بها الصيدلية المركزية، المزود الوحيد للأدوية في تونس، سببها تراكم مستحقات لها لم تسددها المستشفيات العمومية والمؤسسات العمومية تقدّر بـ820 مليون دينار تونسي (337 مليون دولار أميركي) ومستحقات أخرى لدى الصناديق الاجتماعية وصندوق التأمين على المرض "الكنام" بأكثر من 245 مليون دينار (101 مليون دولار) والتي تعاني بدورها من عجز كبير في سداد ديونها، ما جعل الصيدلية المركزية تعيش أزمة مالية خانقة، ولم تعد بالتالي قادرة على تسديد ديونها لدى الوكالات الأجنبية التي توقفت عن تصدير الأدوية.




يوضح كاتب عام نقابة الصيادلة أنّ الحلّ الذي اتبعته الحكومة بتقديم طلب قرض دولي لتمويل الصيدلية المركزية لتسديد جزء من مستحقات الوكالات الأجنبية، لإعادة تزويد تونس بالأدوية الحيوية، ساهم في إعادة التزويد تدريجياً بأدوية كانت مفقودة تماماً. يضيف أنّ هذا الحل لن يستمر طويلاً لأنّ الكميات التي ضخت ليست كبيرة وستشهد الصيدليات في الأيام القليلة المقبلة اضطراباً جديداً.

يلفت الكاتب العام للجامعة العامة للصحة، التابعة لاتحاد الشغل، عثمان الجلولي لـ"العربي الجديد" إلى أنّ المشكلة تكمن في فقدان التوازن المالي للصيدلية المركزية، وسببه عدم استخلاص مستحقاتها لدى المهنيين. كذلك، فإنّ تدخل الحكومة لم يكن ناجعاً بالكيفية المناسبة لاتخاذ القرارات الملائمة، مبيناً أنّ اضطراب توزيع الأدوية وفقدان عدد منها أضرّ بالمخزون الاستراتيجي، فهناك معايير دولية لهذا المخزون ولا يجب المساس به، لأنّه يتعلق بالأمن الدوائي للتونسيين. يتابع أنّ تصريحات وزارة الصحة التي تؤكد باستمرار على عدم وجود نقص كبير في الأدوية، غير صحيحة، فالنقص ملحوظ من خلال الأدوية المفقودة من الصيدليات، ومن تصريحات رؤساء الأقسام الطبية الذين اشتكوا من عدم توفر الأدوية التي يحتاجونها.

يشير إلى أنّ ديون وزارة الصحة للصيدلية المركزية تقدّر بـ400 مليون دينار (165 مليون دولار) وهي مسؤولية الحكومة في ضخ الأموال، وليس دفع الصيدلية المركزية للاقتراض، مشيراً إلى أنّه كان من الأجدر تسديد هذه الديون. وحول ما راج من أخبار عن ملفات فساد في الصيدلية المركزية، يقول إنّه قد تحصل تجاوزات من قبل بعض الأعوان وهذا لا يعني التقليل من خطورة التجاوزات إن وجدت، لكن لا بدّ من التركيز على الملفات الكبيرة وعدم تضليل الرأي العام.

يضيف أنّ إقالة الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية المعز لدين الله المقدم وتعيين أيمن المكي خلفاً له، الخميس الماضي، على خلفية ما شهدته البلاد في المدة الأخيرة من اضطراب في توزيع الأدوية، لن يغير الكثير، فهي ليست الوصفة السحرية لإنقاذ الصيدلية المركزية. ويعتبر أنّ تغيير الأشخاص لن يحلّ مشكلة الديون المتراكمة منذ سنوات، مبيناً أنّ هناك تناقضاً كبيراً، فمنذ نحو شهر، أثنى رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، في زيارة له إلى الصيدلية المركزية على جهودها، ليقال رئيسها المدير بعدها.




من جهته، أكد كاتب عام نقابة الصيدلية المركزية، سفيان الدلاجي، في تصريح للإذاعة الوطنية التونسية، أنّ المخزون الموجود حالياً من الأدوية لا يكفي إلاّ لمدة لا تتجاوز شهراً وعشرين يوماً مع فقدان أنواع من الأدوية الأساسية المستعملة خصوصاً في غرف العمليات.

لكنّ وزارة الصحة أكدت في بيان لها عدم تسجيل أيّ فقدان للأدوية الحياتية والأساسية، مؤكدة أنّ المخزون الحالي يتجاوز ثلاثة أشهر. وأفادت الوزارة أنّ هناك أدوية معوّضة، لها نفس المفعول وهي متوفرة حالياً في المستشفيات العمومية والصيدليات الخاصة.