حلم الطيران لاحقها مذ كانت طفلة. لطالما ارتدت أجنحة وحاولت التحليق، وكثيراً ما رأت نفسها تطير في أحلامها. لكن لم تتخيل أن هذا الحلم قد يوصلها إلى ما هي عليه اليوم. ففهيمة أحمدي دستجردي مهندسة الطيران الإيرانية الأولى، كما أنها طيار ثان، والوحيدة التي تقود طائرات من طراز إيرباص 320، ما يجعلها مميزة واستثنائية.
دستجردي من مواليد عام 1981، هي الابنة البكر لعائلة مكونة من ستة أفراد. حصلت على شهادة البكالوريوس في هندسة الطيران في إيران قبل أعوام، وخضعت للعديد من الدورات التدريبية في هذا المجال، وظل حلم الطيران يرافقها إلى أن حققته، وصارت تجلس في مقدمة الطائرة لتقودها إلى جانب الطيار الأول.
تقول دستجردي لـ "العربي الجديد" إنها لم تتعمّد خوض هذا المجال، على الرغم من كل أحلام الطفولة والرغبة بالتحليق. لكن مع دخولها الجامعة، عاد إليها حلمها، خصوصاً بعدما جرّبت القفز الحر بالمظلة، لتختبر شعوراً جميلاً للغاية. أحست أن الطيران يمنح الإنسان شعوراً بالحرية.
وفي الجامعة، تصف نفسها بـ "المحظوظة"، إذ إن مدرسيها زادوا من ثقتها بنفسها، ما عزز من جرأتها وقدراتها وجعل تجربتها استثنائية. وعلى الرغم من مرور 11 عاماً على بدء خوضها هذا المجال، تؤكّد أنها لم تعرف الخوف، بفضل الأشخاص الذين علّموها ودربوها. تضيف أن تجربتها في الطيران كانت موفقة للغاية، خصوصاً أن أساتذتها ومدربيها قرروا دعمها بشكل كبير كونها امرأة، ما جعلها تؤمن بنفسها وتُبعد كلمة المستحيل من قاموس كلماتها.
قادت دستجردي أنواعاً مختلفة من الطائرات قبل أن تصل إلى طائرات إيرباص 320. وبعد مرور أكثر من عقد من الزمن على بدء تجربتها، تؤمن اليوم أنه لا فرق بين الرجل والمرأة في هذه المهنة، على الرغم من أنها مهنة مصاعب وتحديات، إلا أن الصعوبات لا تخص المرأة وحدها.
أساتذتها ومدربوها قرروا دعمها بشكل كبير كونها امرأة (العربي الجديد) |
تصف دستجردي الطيران وقيادة الطائرات بالفن، لكنه فن مشروط بتحمل المسؤولية، خصوصاً أنها مسؤولة عن سلامة وأمن وراحة ركاب، ما ينطبق على طيارين من الرجال والنساء في كل أنحاء العالم. واجهت تحديات كثيرة، خصوصاً أن بعض المسافرين كانوا يظهرون ردات فعل لدى سماع صوتها والتأكد أن من تجلس على كرسي الطيار الثاني امرأة. لكنّها توضح أن النظرة تغيرت مؤخراً وزادت ثقة الكثيرين فيها. واليوم، يفتخر بها عدد كبير من الناس، ما سيؤثر إيجاباً على هذا القطاع ويزيد من الفرص أمام النساء.
وتؤكد أن في هذه المهنة تمييز بين الرجال والنساء، وهو ما لا يمكن إنكاره، لذلك هي مهنة صعبة أحياناً. إلا أن ذلك لم يدفعها إلى الاستسلام، وإن كانت تتعرض للتمييز في بعض الأحيان. والأصعب هو عدم الإيمان بقدرة النساء، لافتة إلى أن هذا لا ينطبق على الرجال وحدهم. بعض النساء لا تصدقن أن لدى المرأة القدرة على القيام بما هو مستحيل، وخوض مهن قد تكون محصورة بالرجال من دون أي مبررات منطقية، وعلى هؤلاء العمل بشكل جاد لتحسين وجهة النظر هذه.
في الوقت الراهن، تتعاون مع زملاء وزميلات لها يعملون جميعاً في قطاع الطيران بهدف تأسيس الجمعية الأولى للنساء العاملات في الطيران، وهي خطوة قد تجعل الأمور أفضل بالنسبة للنساء، وقد تزيد من عدد النساء اللواتي يقدن الطائرات مستقبلا، ليكنّ إلى جانب غيرهن من النساء العاملات في هذا المجال، وإن كان الأمر يحتاج بعض الوقت.
وفي ظلّ التحديات، تؤكد دستجردي أنه لو عاد الزمن بها قليلاً إلى الوراء، لربما فكرت مجدداً قبل اختيار هذه المهنة، علماً أنها تحب مهنتها كثيراً. على الرغم من كل ما حققته حتى الآن، ولربما كانت لتفضل مهنة لا تتعرض فيها للتمييز كونها امرأة، ما ينطبق على مهن كثيرة أيضاً. مع ذلك، فإن أموراً كثيرة تجعلها سعيدة بما تفعل.
إضافة إلى ما سبق، تتحدّث عن ساعات العمل غير المنظمة، لافتة إلى أن الطيارين يتدربون على الأمر ويتأقلمون معه بمرور الوقت. وتشير إلى أن روح الفريق تؤثر على جميع العاملين. في بعض الأحيان، يضطر بعضهم إلى تبديل دوامهم بسبب واجبات عائلية مهمة تجعلهم غير قادرين على العمل، وهذا ما يساعد الطيار كثيراً. تضيف أن الحياة في الجو لا يمكن أن تكون دائمة، ومهنة الطيران مشروطة بالحب والالتزام.
لم تتزوج دستجردي بعد، لكنّها ترى أن العائلة أولوية، وتشير إلى احتمال أن تأتي لحظة في حياتها تكون فيها مضطرة للاختيار بين مهنتها وعائلتها. إلّا أنّها تعود وتقول إن المرأة قادرة على تحقيق كل ما تريد داخل بيتها وخارجه.