قصص مهجرين من الغوطة... سنوات الحصار والجوع

29 مارس 2018
عجز في تغطية احتياجاتهم البسيطة (Getty)
+ الخط -


بوجهٍ عبوس وملامح غارقة في البؤس، يبدو الخمسيني أبو شادي، المُهجّر من الغوطة الشرقية إلى إدلب، وكأنه قد حمل هموم العالم على ظهره، ويقول لـ"العربي الجديد"، بمرارة "سنوات من الحصار والجوع خسرت خلالها منزلي ومعرض مفروشات ومنجرة وسيارة نقل، وخرجت من الغوطة مع عائلتي بما علينا من ملابس فقط، واليوم يشغلني ما ينتظرنا في الأيام القادمة".

ويتابع "أتحمل مسؤولية عائلتي، وأطفالي يريدون ملابس جديدة ومدارس وطعاما، في الغوطة كان الجميع يأكلون نفس الطعام، أرز وعدس وبرغل وخبز الشعير، لكن اليوم في إدلب الوضع يختلف، فهناك الكثير من المأكولات التي لم يسبق أن تذوقها أحد منهم، وأنا لا أستطيع أن أحتمل أن يعيش أطفالي بمزيد من القهر والعوز، لذلك أنا بحاجة إلى عمل ومنزل، لا أعلم إن كنت سأجد المنزل هنا، في ظل هذا الازدحام، حيث لا يجد الشخص مكانا يأوي إليه".

ويوضح أن "المساعدات الإنسانية لا يمكن الاعتماد عليها، فلا ضمانات على استمراريتها، إضافة إلى أنها لا تؤمن الحاجيات الأساسية، فلا يمكن أن يعيش الإنسان عمره على القليل من الأرز والبرغل والعدس والسكر والزيت والطحين".

أما سعاد، الناشطة في المجال الطبي منذ سنوات، فإن الصورة لديها أوضح من أبو شادي،  وتقول لـ"العربي الجديد"، سأتابع عملي في المجال الطبي، فقد عملت ممرضة لسنوات في غرفة العمليات واكتسبت خبرة جيدة، وأريد أن أتابع عملي الإنساني".

وتضيف "المشكلة التي أواجهها اليوم مع عائلتي، وكبقية أهل الغوطة المهجرين أننا لم نتمكن بعد من إيجاد مكان نستقر به، بسبب قلة المساكن الخالية، وفي بعض المناطق لا يوجد أي منزل، لكن هناك احتمال أن يستضيفنا أحد الأهالي في غرفة بمنزله".

من جهته، يخشى أسامة، (25 عاماً) والمهجر من الغوطة الشرقية، أن يعيش في إدلب ذات التجربة التي عاشها في الغوطة، مفيدا لـ"العربي الجديد"، أنه "يفكر بالسفر خارج سورية، ليكمل دراسته التي توقفت منذ سنوات بسبب حصار الغوطة".

ويعرب عن أمنيته بأن "يأتي يوم يستطيع فيه العودة إلى منزله في الغوطة ويعيد بناءه كما كان ويزور قبر أبيه وأمه وأخيه، الذين فقدهم في إحدى الغارات الجوية على الغوطة". 

من جانبه، يقول أبو عبد الله الشامي، أحد المهجرين من الغوطة الشرقية إلى إدلب لـ"العربي الجديد"، "المهجرون من الغوطة الشرقية إلى إدلب يشعرون بالضياع، فلا يعلمون ماذا سيحل بهم وأين سيقيمون، وبعدما كانت تجمعهم بلدتهم والعائلات مع بعضها البعض، أصبحت كل عائلة في مكان، وفي بعض الحالات الأب في بلدة والابن وعائلته في بلدة أخرى، والعائلات اليوم تعيش كل 5 أو 6 في منزل واحد وفي بعض الأحيان أكثر من ذلك، لكن لا يمكن أن يعيشوا لسنوات على هذه الحالة".

كما يبين أن "الأهالي يشعرون بمخاوف أكبر من حيث تأمين سبل الحياة، فاليوم تهجير الغوطة جذب المنظمات الإنسانية وهناك من يقدم المساعدات، وبالرغم من الحدث وتهجير آلاف أو عشرات آلاف المدنيين، هناك عجز في تغطية احتياجاتهم البسيطة من مواد غذائية وملابس وأماكن إقامة، فماذا سيحل بنا عندما تهدأ الأمور وتبدأ المنظمات بالرحيل". يتساءل المتحدث.

ولا يخفي أنّ "الناس لديها مخاوف كبيرة من عدم تأمين عمل يمنع عنها العوز، في ظل وجود بطالة واسعة في إدلب قبل قدوم آلاف المدنيين، في حين لا يوجد نشاط اقتصادي متنوع، فالأمر يقتصر على القليل من الزراعة والتجارة وبعض الحِرف، إضافة إلى القتال".

بدوره، قال الناشط الاعلامي في إدلب جابر أبو محمد لـ"العربي الجديد"، إن "وضع مهجري الغوطة مأساوي، وغالبيتهم لا يدرون ما يفعلون، فالأعداد كبيرة، ولم يعد هناك أماكن لاستقبالهم وما زالت قوافل المهجرين مستمرة"، ضارباً مثلاً بما يحدث في منطقة الغدفة شرق معرة النعمان، حيث يقيم نحو 500 مهجر، والعدد قابل للازدياد، والمساعدات التي تصل إليهم قليلة جدا، في حين قدم لهم الأهالي إسفنجات وأغطية، وقسما كبيرا من الطعام، والسكن في الجامع والمدارس وصالة للأعراس، وهذه الأماكن غالبيتها غير مهيأة لاستقبال هذه الأعداد، حتى أن منسقي الاستجابة ناشدوا الناس باستقبال المهجرين بمنازلهم".


ولفت إلى أن المهجرين لا يشعرون بالاستقرار ويخشون من التعرض للتهجير من إدلب أيضا في حال شنّ النظام عليها هجوما جديدا، كما أن فرص العمل تكاد تكون معدومة للأهالي فكيف ستكون للمهجرين، "إدلب بحاجة إلى تنشيط الحياة الاقتصادية ودعم كبير من المجتمع الدولي لتجنب كارثة اجتماعية اقتصادية لمئات آلاف المدنيين".