تهريب حدودي... سجائر تعبر من الكويت إلى السعودية سراً

02 مارس 2018
بات المحل شبه فارغ من السجائر (العربي الجديد)
+ الخط -
رفع أسعار التبغ في السعودية كان سبباً كافياً لانتعاش تجارة تهريب  السجائر عبر الحدود الكويتية، كون أسعارها أرخص، لكن ذلك أدى إلى خلو المتاجر من السجائر. وفي حال تأخر ضبط التهريب، قد يتحول الأمر إلى نشاط أشبه بالجريمة المنظمة

بعد قرار السلطات السعوديّة فرض ضريبة بنسبة مائة في المائة على التبغ ومشروبات الطاقة، تزامناً مع فرض ضريبة القيمة المضافة ورفع أسعار الوقود نتيجة العجز المالي الذي تعاني منه ميزانية البلاد، بفعل هبوط أسعار النفط والحرب على اليمن، نشطت تجارة تهريب السجائر بين الحدود الكويتية والسعودية، وانخرط عشرات السعوديين المقيمين في الكويت أو في المناطق الحدودية المتاخمة للكويت في هذه التجارة، على أمل تحقيق ربح سريع، وتزويد السوق السعودي باحتياجاته من السجائر الرخيصة.

ويبلغ سعر علبة الدخان في الكويت 850 فلساً (نحو 3 دولارات تقريباً)، فيما يبلغ سعرها في السعودية 24 ريالاً (نحو 6.5 دولارات)، ما فتح المجال أمام الشباب السعودي العاطل عن العمل، للدخول في مجال التهريب وتحقيق أرباح ضخمة، نتيجة نقل السجائر من الكويت إلى السعودية، من خلال إخفائها في مقاعد السيارات أو في الإطارات الاحتياطية أو في الديكور الخشبي للسيارة.

يقول أحمد، وهو سعودي من أم كويتية وُلد وعاش ودرس في الكويت، ويقيم في منطقة تيماء شمال البلاد، حيث تعيش غالبية الجالية السعودية، لـ "العربي الجديد": "تهريب السجائر شكّل فرصة ذهبية للعشرات من الشباب السعودي العاطل عن العمل، بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، لزيادة دخلهم وتحقيق عائدات خيالية". ويحكي عن عملية التهريب، التي لم تستطع السلطات السعودية كشفها بعد، قائلاً: "أشتري علب الدخان من منافذ بيع متعدّدة داخل الكويت، إذ إن تجار التجزئة والباعة في الأسواق الغذائية باتوا يرفضون بيع أكثر من علبتين للفرد في بعض الأحيان، بسبب نقص المخزون في الكويت نتيجة إقدام السعوديين على شراء السجائر. أخبّئها في أماكن سرية في السيارة، وأجتاز أحد المنافذ الحدودية من دون أن أثير الشك".



وعن الكميات التي يهرّبها، يقول أحمد: "لست طماعاً مثل الآخرين. أهرّب 30 كروز سجائر فقط في كل عملية (300 علبة)، وأربح من العملية نحو 300 دينار كويتي (ألف دولار)، أي أن خمس عمليات تهريب في الشهر تعادل راتب مهندس كويتي في الحكومة".

أما أبو حنان، وهو لقب مهرّب سعودي يعيش في مدينة عرعر الفقيرة شمال المملكة العربية السعودية، فيقول لـ "العربي الجديد" إنه يستخدم سيارة بلوحات كويتية لتهريب كميات أكبر، ويجني من الرحلة الواحدة أكثر من 700 دينار كويتي (أي ما يعادل 2300 دولار أميركي). ويبدو الرقم كبيراً لشاب فقير يتحدّر من مدينة فقيرة. ويحصل البيع بعد تجاوز الحدود مباشرة، حيث يقف تجار التجزئة الآسيويون المقيمون في السعودية لشراء السجائر من القادمين من الكويت وتزويد البقالات والمحلات بها.

ينفث دخان سيجارته (ياسر الزيات/ فرانس برس) 


يضيف أن تهريب السجائر ليس تجارة غير قانونية بالكامل مثل تهريب المخدرات أو بقية الممنوعات، بل هو قائم على التهرب الضريبي فحسب. ولدى الإمساك بأي مهرب من قبل شرطة الحدود الكويتية، فإن البضاعة تسحب ويدرج اسمه على قوائم التفتيش. وعند الإمساك به في السعودية، يحال إلى النيابة العامة للمحاكمة، "الحمد لله، هذا لم يحدث لي بعد".

وفرغت متاجر بيع التبغ في الكويت من مخزونها، بفعل الإقبال السعودي المتزايد على شراء السجائر وتهريبها، ما سبب سخطاً بين المدخنين الكويتيين، فأصدرت الإدارة العامة للجمارك الكويتية بياناً شدّدت فيه على أنّه لكل سعودي مسافر الحق في حمل كروزين فقط (20 علبة)، وما زاد على ذلك سيعدّ عملية تهريب وبالتالي تصادر البضاعة.

يقول أكرم هشام، مدير متجر تبغ تابع لمركز سلطان، أحد أكبر متاجر التسوّق في الكويت، لـ "العربي الجديد": "السجائر تكاد تنفد من الكويت، بفعل الإقبال السعودي الكبير عليها وشرائها بكميات كبيرة تمهيداً لتهريبها. كما توقف وكيل السجائر وموردها الحصري عن تزويدنا بها، طمعاً منه في زيادة الأسعار"، موضحاً أن "الأخير يخطط للحصول على أرباح إضافية من خلال بيعها للمهربين من دون أي اعتبار للمدخنين الكويتيين. وفي اعتقادي إذا طالت الأزمة، ستتصرف الحكومة بشكل أكثر حزماً حيال تلاعب التجار والمهربين".



من جهته، يقول وليد الحربي، الذي يعمل مفتّشاً في الإدارة العامة للجمارك البرية في منفذ النويصيب المطل على السعودية جنوب الكويت، لـ "العربي الجديد": "الجمارك أعلنت حالة الاستنفار منذ ثلاثة أشهر لمواجهة ظاهرة التهريب، والأمر ليس كما يظن الناس، أي أنه يقتصر على شباب طائشين يريدون ربحاً كثيراً، بل نعتقل ممثلي شركات سعودية يحاولون تهريب السجائر إلى الداخل بكميات مهولة جداً، حتى إن مخازن الجمارك امتلأت بالبضائع المصادرة، ما دعانا إلى إفراغ بعض غرف العمل وتحويلها إلى مخازن للتخزين". يضيف: "لا يقتصر الأمر على تهريب السجائر فحسب، بل يشمل هذه الأيام تهريب القمح والأرز والحليب المجفف المدعوم من الدولة، وقد تمكنا من مصادرة أكثر من 200 علبة حليب مجفف هربت إلى السعودية قبل أيام". يضيف: "يومياً نكشف 15 حالة تهريب سجائر في هذا المنفذ. أما منفذ السالمي الذي يقع في شمال غرب البلاد، فإن عمليات المصادرة فيها أكثر. وعرضت علي وعلى آخرين الرشى، لكننا مستمرون في أداء واجبنا الوطني".

وعن الإجراءات التي تقوم بها الإدارة العامة للجمارك بعد مصادرتها السجائر، يقول المحامي والخبير القانوني محمد العفيصان، لـ "العربي الجديد": "توقع غرامة تقديرية بحق المتهم، وغالباً ما يرصد اسمه للمراقبة في حال دخوله أو خروجه البلاد مرة أخرى. وتباع السجائر المصادرة في المزاد العلني، وفقاً لقانون الجمارك الموحد لعام 2003، والتعديلات المنصوصة عليه".

وتخشى الحكومة الكويتية من أن تتحول عمليات التهريب إلى ظاهرة كبيرة تؤدي إلى زيادة الجريمة بين المهربين والشركات. يقول الباحث الاجتماعي في جامعة الكويت، خليل خالد، لـ "العربي الجديد": "في حال لم تواجه هذه الظاهرة بحزم، ستخلق حالة شبيهة بما حدث في الولايات المتحدة، خلال فترة منع الكحول في ثلاثينيات القرن الماضي، أي الجريمة المنظمة". يضيف: "من المضحك أن قراراً تافهاً مثل رفع أسعار التبغ في دولة مجاورة قد يؤدي إلى صناعة عالم جريمة كامل في بلد صغير مجاور مثل الكويت".