الإسمنت يجتاح دول العالم أكثر فأكثر، ولا سيّما مدنها الأساسية. ومدينة طهران، العاصمة الإيرانية، لا تختلف عن سواها من عواصم العالم التي راحت تتبدّل معالمها
خلال عقد من الزمن، لوحظ توسّع عمراني كبير في العاصمة الإيرانية طهران، وذلك على حساب المساحات الخضراء في هذه المدينة التي كانت تلفت زائريها بأشجارها وحدائقها. ففي الأعوام القليلة الماضية، راح أصحاب المباني السكنية والتجارية والإدارية على حدّ سواء، يستثمرون في تشييد مبان أخرى أو امتلاكها، ومنهم من يعمد إلى هدم مبنى قديم ليشيّد آخر مكانه، أحدث وأضخم وبعدد أكبر من الطبقات.
وهذا الأمر، إن كان جيداً في بعض نواحيه إذ يساهم في تجديد وجه المدينة، غير أنّه ينعكس سلباً على مسار العملية العمرانية وتأثيرها على مبانٍ قديمة في المدينة وكذلك على العمال. فقد وقعت بعض الحوادث خلال عمليات تشييد مبان ضخمة، من قبيل المجمعات التجارية والأبراج، بسبب حفر عميقة في الأرض لتثبيت أسس البناء داخلها وتشييد طبقات تحت الأرض، من دون إعداد دراسات دقيقة حول نوع التربة ومن دون التنبه إلى وجود مياه جوفية. وتوفي عدد من العمال بعد انهيار بعض المباني عقب تشييد أجزاء بسيطة منها في فترة زمنية قصيرة.
وكان رئيس مؤسسة النظام الهندسي العمراني في طهران، حسن قربانخاني، قد صرّح أخيراً بأنّ في العاصمة حفريات لتشييد مبان جديدة بالآلاف، وبأنّ المؤسسة التي تفرض رقابتها على عمليات التشييد في بداياتها تفقّدت خلال الأعوام الأربعة الماضية أكثر من 23 ألف موقع لحفريات في العاصمة ضربت أساسات بنائها في عمق الأرض، من المقرّر أن تقوم فيها مبانٍ ضخمة. وأشاد قربانخاني بعمل مؤسسته التي وبعد وقوع بعض حوادث انهيارات فجائية، بحسب ما قال، أقرّت خطّة رسمية لتفقّد المواقع ولرفع الرقابة. وتابع قربانخاني أنّ ذلك كان من شأنه أن يقلّص الانهيارات المتوقعة بمعدّل 62 في المائة خلال الأعوام القليلة الماضية، لافتاً إلى أنّ حفر أساسات البناء تصبح خطيرة كلما ازداد عمقها، في حال لم يراعِ المهندسون بعض المعايير الدقيقة.
اقــرأ أيضاً
إلى ذلك، أصرّ قربانخاني على تقاسم المسؤولية مع بلدية طهران، التي قال إنّ مؤسسته ترسل إليها التقارير بطريقة رسمية ودورية. فمؤسسة النظام الهندسي، بحسب ما يشرح، تراقب المراحل الأولية من البناء، وإذا لاحظت مخالفات في مرحلة ما توقفه. لكنّها في حال قدّمت تقريراً إلى البلدية التي تقع عليها مسؤولية مراقبة المشروع في مراحله اللاحقة، فعلى تلك الجهة متابعة الأمر.
وفي تقرير نشره موقع هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، جاء أنّ تلك الحفريات التي بمعظمها سوف تشيّد فيها مجمّعات تجارية ضخمة آخذة بالانتشار منذ سنوات في طهران. وشرح التقرير أنّ بناءها يتطلّب عادة حفراً على عمق كبير لتأمين مساحة لمواقف السيارات. وأشار التقرير إلى أنّ بعض الانهيارات تسببت في مقتل عمّال وصل عددهم قبل ثلاثة أعوام إلى أكثر من ستّين شخصاً سنوياً، لكنّ العدد قلّ حالياً. أضاف أنّ السبب الرئيس لوقوع تلك الحوادث يعود إلى عدم مطابقة المواصفات.
في السياق، يرى النائب الإيراني وعضو لجنة العمران البرلمانية، طيب بدري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "طهران عاصمة كبيرة وفيها سكان يصل عددهم إلى 14 مليوناً في حين يزورها كثيرون من محافظات ثانية، وهو ما يجعلها في حاجة إلى تحديث مبانيها بصورة دائمة لتقدّم خدمات أفضل. لكن الأمر أوجد مشكلات ثانية". يضيف أنّ "بعض المخالفات تتطلب أمراً واحداً وهو المعايير الجدية والرقابة المشددة"، مشيراً في الوقت ذاته إلى "التوسّع العمراني الذي لا يتلاءم وشكل المدينة أحياناً. بالتالي على البلدية أن تفرض رقابتها لتحافظ على شكل طهران وهويّتها، وهو أمر لا يحدث وسط كلّ هذا التوسّع العمراني الحديث".
ويقول بدري إنّه "من الطبيعي أن تشيَّد مبانٍ لا يراعي القائمون عليها المواصفات المطابقة"، واصفاً الوضع بأنّه "غير مثالي بطبيعة الحال. لكنّ أعضاء لجنة العمران البرلمانية يعملون حالياً على صياغة قانون مرتبط بفرض رقابة أكثر تشدداً". وعن البناء في مناطق طهران القديمة حيث آلاف المباني المتضررة من عوامل الزمن والتي تحتاج إلى ترميم وتتأثر بالحفريات العميقة للمباني الجديدة أكثر من غيرها، يؤكد بدري أنّ "الأمر يتعلّق بوظيفة وزارة الطرق وهندسة المدن. فإذا كان البناء يحتاج إلى خطط أكثر دقّة، يجب أن تركّز على ترميم تلك المباني المعرّضة لأخطار، لا سيما من قبيل السقوط في حال وقع زلزال في طهران. كذلك فهي معرّضة للتهالك بسبب حفريات المباني الجديدة أو حتى حفريات توسيع مسارات المترو".
بحسب تقارير نشرتها مواقع إيرانية عدّة، ومنها موقع "دنياي اقتصاد"، فإنّ هذا النوع من الحفريات يتسبّب في تشققات في المباني المجاورة إذا كانت قديمة، ويساهم في تسرّب المياه إلى جدرانها. فأصحاب المباني الحديثة والأبراج الضخمة يحفرون على عمق يزيد عن 15 متراً، أي ما يعادل ستّ طبقات تقريباً تحت الأرض. إلى ذلك، ثمّة مناطق في طهران جفّت مياهها الجوفية في عقود سابقة، وهذه الحفريات تصل إليها أحياناً، الأمر الذي يؤدّي إلى تخريب البناء الحديث حتى قبل أن يشيّد العمال كل طبقاته. وبحسب "دنياي اقتصاد"، فإنّ ذلك يتطلب إجراء تحاليل واختبارات للتربة التي تختلف بين منطقة وأخرى في طهران، لكنّ كثيرين لا يقومون بذلك أصلاً، وهو ما يصعّب مهمة المهندس المشرف على البناء والذي تعيّنه مؤسسة النظام الهندسي.
من جهته، يقول المهندس المتخصص بالجيولوجيا، هورمان غروي، إنّ "مناطق طهران تختلف بحسب مواقعها الجغرافية، وتختلف تربتها بين مكان وآخر. كذلك فإنّ التمدّد العمراني فيها جعل مساحتها أكبر ولم يعد يقتصر على خارطتها القديمة"، منتقداً "السماح بالبناء الحديث في كل المناطق". يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّه "في البلدان المتطورة، ثمّة مناطق سكنية في المدن وثمّة أخرى تجارية. لكن في طهران، هذا الأمر غير موجود. المناطق كلها مختلطة، وتشييد المباني التجارية غزا المدينة برمّتها". ويشير إلى "تأثيرات الحفر العميقة على المباني السكنية المجاورة"، مشدداً على أن الأمر يتطلب "تعاوناً مع شركات احترافية وتوزيع المهام بين المعنيين". ويتابع أنّ "مؤسسة النظام الهندسي تتعاطى إيجابياً مع الموضوع، لكن حين تصل المهمة إلى وزارة الطرق وهندسة المدن توكَل الأمور إلى جهة واحدة داخلها وهذا يضعف الرقابة أحياناً".
اقــرأ أيضاً
إلى ذلك، تحدّث غروي عن "المشكلات التي تسببت بها هذه الطريقة من البناء في طهران، والتي لا تتعلق بتبعات الحفريات العميقة وحسب، وإنما بتلك التي تأتي على حساب المساحات الخضراء، الأمر الذي يرفع نسبة التلوّث". ويكمل أنّ "بقعاً كثيرة تبدّلت في طهران وتحوّلت إلى مجمّعات تجارية ومبان إسمنتية ضخمة، وهو الأمر الذي يزيد من الشرخ الاجتماعي بين الفقراء والأغنياء، في المدينة التي لطالما ضمّت فئات مجتمعية مختلفة".
خلال عقد من الزمن، لوحظ توسّع عمراني كبير في العاصمة الإيرانية طهران، وذلك على حساب المساحات الخضراء في هذه المدينة التي كانت تلفت زائريها بأشجارها وحدائقها. ففي الأعوام القليلة الماضية، راح أصحاب المباني السكنية والتجارية والإدارية على حدّ سواء، يستثمرون في تشييد مبان أخرى أو امتلاكها، ومنهم من يعمد إلى هدم مبنى قديم ليشيّد آخر مكانه، أحدث وأضخم وبعدد أكبر من الطبقات.
وهذا الأمر، إن كان جيداً في بعض نواحيه إذ يساهم في تجديد وجه المدينة، غير أنّه ينعكس سلباً على مسار العملية العمرانية وتأثيرها على مبانٍ قديمة في المدينة وكذلك على العمال. فقد وقعت بعض الحوادث خلال عمليات تشييد مبان ضخمة، من قبيل المجمعات التجارية والأبراج، بسبب حفر عميقة في الأرض لتثبيت أسس البناء داخلها وتشييد طبقات تحت الأرض، من دون إعداد دراسات دقيقة حول نوع التربة ومن دون التنبه إلى وجود مياه جوفية. وتوفي عدد من العمال بعد انهيار بعض المباني عقب تشييد أجزاء بسيطة منها في فترة زمنية قصيرة.
وكان رئيس مؤسسة النظام الهندسي العمراني في طهران، حسن قربانخاني، قد صرّح أخيراً بأنّ في العاصمة حفريات لتشييد مبان جديدة بالآلاف، وبأنّ المؤسسة التي تفرض رقابتها على عمليات التشييد في بداياتها تفقّدت خلال الأعوام الأربعة الماضية أكثر من 23 ألف موقع لحفريات في العاصمة ضربت أساسات بنائها في عمق الأرض، من المقرّر أن تقوم فيها مبانٍ ضخمة. وأشاد قربانخاني بعمل مؤسسته التي وبعد وقوع بعض حوادث انهيارات فجائية، بحسب ما قال، أقرّت خطّة رسمية لتفقّد المواقع ولرفع الرقابة. وتابع قربانخاني أنّ ذلك كان من شأنه أن يقلّص الانهيارات المتوقعة بمعدّل 62 في المائة خلال الأعوام القليلة الماضية، لافتاً إلى أنّ حفر أساسات البناء تصبح خطيرة كلما ازداد عمقها، في حال لم يراعِ المهندسون بعض المعايير الدقيقة.
وفي تقرير نشره موقع هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، جاء أنّ تلك الحفريات التي بمعظمها سوف تشيّد فيها مجمّعات تجارية ضخمة آخذة بالانتشار منذ سنوات في طهران. وشرح التقرير أنّ بناءها يتطلّب عادة حفراً على عمق كبير لتأمين مساحة لمواقف السيارات. وأشار التقرير إلى أنّ بعض الانهيارات تسببت في مقتل عمّال وصل عددهم قبل ثلاثة أعوام إلى أكثر من ستّين شخصاً سنوياً، لكنّ العدد قلّ حالياً. أضاف أنّ السبب الرئيس لوقوع تلك الحوادث يعود إلى عدم مطابقة المواصفات.
في السياق، يرى النائب الإيراني وعضو لجنة العمران البرلمانية، طيب بدري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "طهران عاصمة كبيرة وفيها سكان يصل عددهم إلى 14 مليوناً في حين يزورها كثيرون من محافظات ثانية، وهو ما يجعلها في حاجة إلى تحديث مبانيها بصورة دائمة لتقدّم خدمات أفضل. لكن الأمر أوجد مشكلات ثانية". يضيف أنّ "بعض المخالفات تتطلب أمراً واحداً وهو المعايير الجدية والرقابة المشددة"، مشيراً في الوقت ذاته إلى "التوسّع العمراني الذي لا يتلاءم وشكل المدينة أحياناً. بالتالي على البلدية أن تفرض رقابتها لتحافظ على شكل طهران وهويّتها، وهو أمر لا يحدث وسط كلّ هذا التوسّع العمراني الحديث".
ويقول بدري إنّه "من الطبيعي أن تشيَّد مبانٍ لا يراعي القائمون عليها المواصفات المطابقة"، واصفاً الوضع بأنّه "غير مثالي بطبيعة الحال. لكنّ أعضاء لجنة العمران البرلمانية يعملون حالياً على صياغة قانون مرتبط بفرض رقابة أكثر تشدداً". وعن البناء في مناطق طهران القديمة حيث آلاف المباني المتضررة من عوامل الزمن والتي تحتاج إلى ترميم وتتأثر بالحفريات العميقة للمباني الجديدة أكثر من غيرها، يؤكد بدري أنّ "الأمر يتعلّق بوظيفة وزارة الطرق وهندسة المدن. فإذا كان البناء يحتاج إلى خطط أكثر دقّة، يجب أن تركّز على ترميم تلك المباني المعرّضة لأخطار، لا سيما من قبيل السقوط في حال وقع زلزال في طهران. كذلك فهي معرّضة للتهالك بسبب حفريات المباني الجديدة أو حتى حفريات توسيع مسارات المترو".
بحسب تقارير نشرتها مواقع إيرانية عدّة، ومنها موقع "دنياي اقتصاد"، فإنّ هذا النوع من الحفريات يتسبّب في تشققات في المباني المجاورة إذا كانت قديمة، ويساهم في تسرّب المياه إلى جدرانها. فأصحاب المباني الحديثة والأبراج الضخمة يحفرون على عمق يزيد عن 15 متراً، أي ما يعادل ستّ طبقات تقريباً تحت الأرض. إلى ذلك، ثمّة مناطق في طهران جفّت مياهها الجوفية في عقود سابقة، وهذه الحفريات تصل إليها أحياناً، الأمر الذي يؤدّي إلى تخريب البناء الحديث حتى قبل أن يشيّد العمال كل طبقاته. وبحسب "دنياي اقتصاد"، فإنّ ذلك يتطلب إجراء تحاليل واختبارات للتربة التي تختلف بين منطقة وأخرى في طهران، لكنّ كثيرين لا يقومون بذلك أصلاً، وهو ما يصعّب مهمة المهندس المشرف على البناء والذي تعيّنه مؤسسة النظام الهندسي.
من جهته، يقول المهندس المتخصص بالجيولوجيا، هورمان غروي، إنّ "مناطق طهران تختلف بحسب مواقعها الجغرافية، وتختلف تربتها بين مكان وآخر. كذلك فإنّ التمدّد العمراني فيها جعل مساحتها أكبر ولم يعد يقتصر على خارطتها القديمة"، منتقداً "السماح بالبناء الحديث في كل المناطق". يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّه "في البلدان المتطورة، ثمّة مناطق سكنية في المدن وثمّة أخرى تجارية. لكن في طهران، هذا الأمر غير موجود. المناطق كلها مختلطة، وتشييد المباني التجارية غزا المدينة برمّتها". ويشير إلى "تأثيرات الحفر العميقة على المباني السكنية المجاورة"، مشدداً على أن الأمر يتطلب "تعاوناً مع شركات احترافية وتوزيع المهام بين المعنيين". ويتابع أنّ "مؤسسة النظام الهندسي تتعاطى إيجابياً مع الموضوع، لكن حين تصل المهمة إلى وزارة الطرق وهندسة المدن توكَل الأمور إلى جهة واحدة داخلها وهذا يضعف الرقابة أحياناً".
إلى ذلك، تحدّث غروي عن "المشكلات التي تسببت بها هذه الطريقة من البناء في طهران، والتي لا تتعلق بتبعات الحفريات العميقة وحسب، وإنما بتلك التي تأتي على حساب المساحات الخضراء، الأمر الذي يرفع نسبة التلوّث". ويكمل أنّ "بقعاً كثيرة تبدّلت في طهران وتحوّلت إلى مجمّعات تجارية ومبان إسمنتية ضخمة، وهو الأمر الذي يزيد من الشرخ الاجتماعي بين الفقراء والأغنياء، في المدينة التي لطالما ضمّت فئات مجتمعية مختلفة".