ما مصير ضريح لينين؟

23 فبراير 2018
ضريح لينين (العربي الجديد)
+ الخط -
لا يمرّ عام في روسيا من دون تجدّد الجدال حول مصير جثمان زعيم ثورة البلاشفة في عام 1917، فلاديمير لينين، بين من يرى ضرورة في دفنه، وآخرون يصرون على بقائه في ضريحه في الساحة الحمراء إلى جوار الكرملين. وأظهر استطلاع للرأي أعده مركز "ليفادا" مؤخراً، انقساماً عميقاً بين الروس حول هذه المسألة، وأعرب 41 في المائة من المستطلعة آراؤهم عن قناعتهم بضرورة دفنه، فيما عارضت النسبة نفسها الأمر.

وشبّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أهمية جثمان لينين لدى الشيوعيين باحتفاء المسيحيين برفات القديسين. وبعدما تقدّم أحد النواب عن الحزب الليبرالي الديموقراطي إلى رئيسة مجلس الاتحاد الروسي فالينتينا ماتفيينكو، العام الماضي، بطلب النظر في مسألة إزالة ضريح لينين من الساحة الحمراء، توعّد زعيم الحزب الشيوعي غينادي زيوغانوف بعدم السماح بالأمر.

مع ذلك، يرى رئيس المركز الملكي لعموم روسيا، نيقولاي لوكيانوف - رازوموفسكي، أنه يجب إزالة ضريح لينين ومقابر جميع القادة الشيوعيين، وفي مقدمتهم الدكتاتور جوزيف ستالين، من الساحة الحمراء ومحيط الكرملين. ويقول لـ "العربي الجديد": "نعتبر أنه يجب إزالة كل المقابر من الساحة الحمراء، وإعادة الساحة إلى شكلها التاريخي، أي ساحة للمعارض التجارية والتجول. لا داعي لنهب المقابر كما كان يفعل الشيوعيون، بل يجب تسليم الرفات لأقرباء هؤلاء، أو إعادة دفنها في ضواحي موسكو". ويرى أنّ وجود رفات قادة الاتحاد السوفييتي وسط موسكو يشكّل إهانة لمن فقدوا ذويهم نتيجة للقمع الستاليني، ويصف حملة الاعتقالات التي أطلقها ستالين في عام 1937 بأنها كانت "إبادة جماعية بحق الشعب وطاولت ملايين الأشخاص".

تجدر الإشارة إلى أن هذه الحملة التي أطلق عليها اسم "الإرهاب الكبير"، أسفرت عن اعتقال أكثر من 1.5 مليون شخص وإعدام نحو 680 ألفاً منهم في أقل من عام ونصف العام. وتعدّ الصفحة الأكثر دموية ومأساوية في تاريخ روسيا السوفييتية.



مع ذلك، وبعد مرور قرن كامل على ثورة البلاشفة، ما زال المجتمع الروسي منقسماً حول نتائجها، بين من يرى أنها أدت إلى قيام دولة عظمى وقوة نووية حققت توازناً في العالم، في مقابل اعتقاد آخرين بأنها أدت إلى اندلاع حرب أهلية بين الحرسين الأبيض والأحمر، وإبادة الطبقة المثقفة، ومهدت لـ "الإرهاب الكبير".

إلا أنّ لوكيانوف - رازوموفسكي يقلّل من أهمية إنجازات القيادة السوفييتية، قائلاً: "كان يُنفق موارد هائلة على التسليح وسط إفقار الشعب، كما أن السلاح النووي لا يحمي سوى من يتحكم فيه، أي قيادة البلاد". ويخلص إلى أن روسيا تحتاج في الوقت الحالي إلى عملية "التطهير من الشيوعية"، على غرار تلك التي أجريت في بلدان أوروبا الشرقية، مثل بولندا والمجر بعد سقوط جدار برلين في عام 1989. ويذكّر بأن "جميع قادة روسيا هم من الشيوعيين السابقين، ولا يوجد شيوعي سابق"، على حد وصفه.

من جهة أخرى، يرى كبير الباحثين في معهد علم الاجتماع التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أندريه أندرييف، أن الوقت للبت في مصير جثمان لينين لم يحن بعد، داعياً إلى تركيز الجهود على قضايا أكثر أهمية. ويقول لـ "العربي الجديد": "شخصية لينين لها معنى رمزي، لأنها تتعلق بانقلاب عام 1917، الذي حدد مسار تاريخ البلاد لسبعة عقود. أصبح لينين شخصية مقدّسة للبعض، وعكس ذلك تماماً للبعض الآخر. لكن حتى أولئك الذين لا يتعاطفون مع لينين، يعتبرونه شخصية بارزة غيرت مجرى التاريخ".



وحول موقفه من مسألة دفن جثمان لينين، يقول: "يجب قبول التاريخ بما مر به من منعطفات، وينبغي ترك البت في هذه المسألة للأجيال المقبلة، وإلى حين تجاوز الانقسامات الحالية". يتابع: "لا داعي لمحاربة أشباح الماضي. يرقد لينين في ضريحه في الساحة الحمراء، بينما دفن آخر قياصرة روسيا، نيقولاي الثاني، في قلعة بتروبافلوفسك في سانت بطرسبرغ. لم نصل إلى مرحلة المصالحة بعد، ولكن كل واحد منهما يرقد في مكانه".

ويدعو أندرييف إلى التركيز على القضايا الملحة مثل التنمية الاقتصادية والتكنولوجيا الرقمية، وترك مسألة دفن جثمان لينين لأجيال لن تسبب القضية حساسية كبيرة لها، على عكس ما عليه الحال الآن.

ثورة اشتراكية عالمية

كان فلاديمير لينين (1870 - 1924) من أبرز قادة حركة التمرد التي أسفرت في عام 1917 عن إقامة سلطة السوفييت وسيطرة البلاشفة على مقاليد الحكم في البلاد. وخلق البلاشفة نوعية جديدة من الدولة كانت تهدف إلى تحقيق "ثورة اشتراكية عالمية"، مستندة إلى أيديولوجيا رفض إمكانية إصلاح الرأسمالية. 
دلالات