"بوناني" المغاربة هادئة وصاخبة

31 ديسمبر 2018
الشباب يفضلون الملاهي الليلية (Getty)
+ الخط -


ينقسم المجتمع المغربي حيال احتفالات رأس السنة الجديدة، التي يسمّونها "بوناني"، إلى ثلاث فئات رئيسة. الفئة الأولى ترفض الاحتفال، في حين أنّ ثمة فئة ثانية تحتفل بالمناسبة في أجواء من الفرح بشراء الحلويات وتبادل الهدايا، وفئة ثالثة تحتفل بسهرات يتخللها تناول كحول وعدم انضباط في الشوارع.

وتتحول الأيام القليلة التي تسبق بداية السنة الجديدة في المغرب، إلى ما يشبه الاستنفار سواء في تجهيز الحلويات بمختلف الأنواع في المحالّ والمخابز، أو عرض الهدايا الجذابة، أو الاستنفار الأمني والمراقبة المكثفة للشوارع والأماكن العامّة المهمة في المدن الكبرى. ويزداد مستوى التأهب الأمني في ليلة "بوناني" بالذات، من باب الأمن الوقائي الذي يمنح طمأنينة أكبر للمواطنين والسيّاح، وقد ارتفع التأهب أكثر هذه السنة بسبب تداعيات جريمة قتل السائحتين النرويجية والدنماركية في إقليم الحوز على أيدي متطرفين.

ويقبل مغاربة كثر على الاحتفال بـ"بوناني" بشكل هادئ يحرص على جلب الفرحة إلى البيت وإدخال السرور إلى قلوب الأهل والأحباب، من خلال شراء أطباق الحلويات المختلفة، وكذلك تخصيص هدايا بمناسبة رأس السنة الجديدة عربوناً لمشاعر الحب والوئام.

يقول سعيد خربة، وهو موظف في القطاع الخاص لـ"العربي الجديد"، إنه حرص بمناسبة "بوناني" لسنة 2019 على شراء هاتف جديد لزوجته، مضيفاً أنّ "مثل هذه الهدايا تنعش مشاعر الأزواج وتزيل عنها رواسب الروتين والمشاكل اليومية، بالإضافة إلى فكرة تبادل الهدايا". من جهته، يقول حسن وهو صاحب مخبز يقع في وسط الرباط، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الناس يشترون الحلويات المختلفة، كلّ بحسب طاقته المادّية. الجميع يمكنه الاحتفال برأس السنة الجديدة، وليس الأغنياء وحدهم. ثمّة حلويات زهيدة الثمن يُقبل عليها ذوو الدخل المحدود، كما أنّ ثمة حلويات وشوكولاتة فاخرة للميسورين".



تمرّ الاحتفالات بالنسبة إلى هذه الفئة من المغاربة في أجواء مرحة وهادئة، فتجتمع الأسر في بيت معين، أو تلتئم الأسرة الواحدة أمام أطباق شهيّة فيتسامرون ويتجاذبون أطراف الحديث، أو يجلسون أمام شاشات التلفزيون، ينتظرون حلول الدقيقة الأولى من العام الجديد قبل أن يتبادلوا التهاني بعام كلّه أفراح وبركات.

في المقابل، ثمّة من يعيشون احتفالات "بوناني" في أجواء ساخنة تماماً، إذ تنتشر في الشوارع الرئيسة لكبرى المدن حشود الشباب من الذكور والإناث، الذين يختارون المقاهي والملاهي الليلية لقضاء هذه الساعات التي لا تتكرر سوى مرة واحدة في العام. يقول وليد لـ"العربي الجديد"، إنه في السنوات الثلاث الماضية كان يعيش أجواء "بوناني" بشكل مختلف، "فأنا لا أحب الاحتفالات المملة مثل الجلوس أمام التلفزيون أو التهام الحلوى، لذلك أذهب في الليلة الموعودة إلى الملاهي رفقة صديقته للاحتفال".

ويجد كثيرون من بين الشباب المغاربة متنفساً لهم في الملاهي الليلية، وهو ما لا يتاح لهم في بقية أيام العام، فالمناسبة تخفف عنهم القيود الاجتماعية. لكنّ بعض هؤلاء ينقلون الاحتفالات الساخنة إلى الشارع، فيتناولون الكحول ويثيرون الفوضى في الأزقة والأحياء. ولا تمر ليلة رأس السنة من دون وقوع حوادث مختلفة، تتلخص في سرقات تكثر خصوصاً في الازدحام الذي تشهده الأماكن العامة، وحوادث السير التي تتسبب بها السرعة أو القيادة تحت تأثير الكحول، بالإضافة إلى ضبط الثملين ممّن يحدثون الفوضى في الشوارع.



يقول الباحث الاجتماعي كريم عايش لـ"العربي الجديد"، إنّ "المغرب باعتباره بلداً يعتمد على السياحة كأحد مصادر الدخل، تتحول الاحتفالات برأس السنة فيه إلى فرصة جيدة لخلق بيئة رواج اقتصادي وسياحي، تستهدف الأجانب بالدرجة الأولى". يضيف عايش أنّ "الاحتفالات تهمّ أيضاً المغاربة الذين يرغبون في استغلال هذه المناسبة للاستجمام والراحة وقضاء عطلة مع الأبناء، وخصوصاً الذين يتابعون دراستهم في مدارس البعثات الفرنسية والأجنبية بالمغرب وينالون عطلة أطول، فتنشط العروض والتخفيضات الاستثنائية، التي تتيح الاستفادة من برامج إقامة وسهرات بالإضافة إلى وجبات بأسعار مخفضة في هذه الفترة".

يتابع عايش أنّ "شبح التهديدات الإرهابية والانفلات الأمني يخيّم على ليلة رأس السنة، بسبب ما شهده العالم من أحداث، وكذلك تجرّؤ بعض المحتفلين على القانون وعدم انضباطهم، بل أحياناً يعرّضون حياتهم وحياة المواطنين وممتلكاتهم للخطر، ما عجّل بفرض مخطط أمني حازم هدفه تعزيز الأمن وتكثيف الدوريات بأهم المدن السياحية والمناطق التي تشهد رواجاً بهذه المناسبة حتى تكون الأجواء مستقرة، وتبدأ السنة الجديدة من دون مشاكل".