وقف الإعانة الشهرية عن ملايين "الغلابة" في مصر

11 ديسمبر 2018
من يضمن معيشته؟ (فايد الجزيري/ Getty)
+ الخط -

الفقراء
، أو الغلابة، في مصر، ينتظرون تحسين أوضاعهم المعيشية، فتبادر الحكومة إلى الضغط عليهم أكثر. آخر السياسات الظالمة وقف الإعانة المالية الشهرية عن ملايين منهم، بعد إسقاطهم من قوائم المستحقين

ألغت الحكومة المصرية معاش (راتب) "التضامن الاجتماعي" للفقراء، وهي المساعدات التي تتراوح بين 100 جنيه مصري (5.60 دولارات أميركية) و150 جنيهاً (8.35 دولارات) شهرياً، وحوّلتها إلى معاش "تكافل وكرامة" الذي رفعت قيمته. هذه الخطوة هلل لها البعض، باعتبارها تزيد مخصصاتهم الشهرية، لكنّ ذلك كان لاستبعاد أكثر من 70 في المائة من المستحقين من المشروع الجديد، ما أصاب هؤلاء بحالة من الغضب.

بدأت فصول الكارثة، عندما تقدم عدد كبير من المواطنين للمشروع، بحسب الشروط الموضوعة من قبل وزارة التضامن الاجتماعي، وجرت الموافقة عليهم، بحسب الأوراق المقدمة إلى مكاتب المحافظات، وسُلمت للمتقدمين لصرف معاش "تكافل وكرامة" البطاقات المصرفية اللازمة التي تحتوي ما بين 350 جنيهاً (19.50 دولاراً) و400 جنيه (22.28 دولاراً). وبعد عام أو أكثر من الصرف، رتبت الملايين من الأسر المصرية البسيطة والغلابة حياتهم على أساس هذا المبلغ، لكنّ كثيرين منهم فوجئوا بتوقف البطاقات المصرفية الخاصة بهم، وعندما سألوا مكاتب وزارة التضامن الاجتماعي في المحافظات عن ذلك، كانت الإجابة من الموظفين: "لا علم لنا بذلك"، بينما أشارت الوزارة إلى أنّ من توقفت بطاقاتهم "لا تنطبق عليهم الشروط" بالرغم من ظروفهم الاجتماعية المتدهورة.




في هذا الإطار، يكشف مسؤول حكومي أنّ أزمة الأهالي مع "بطاقة التموين" واللف والدوران حول مكاتب التموين، والحذف العشوائي للملايين من حاملي بطاقة التموين، هو سيناريو يتكرر مع معاش "تكافل وكرامة"؛ إذ يتردد المواطنون على مكاتب التضامن الاجتماعي لتقديم الأوراق الدالة على أهليتهم للمعاش، والنهاية معروفة مسبقاً إذ تُرفض طلباتهم، مع العلم أنّ تلك الأسر تنطبق عليها الشروط فعلاً ولديها أبناء في مراحل التعليم المختلفة، كما أنّ من بين المراجعين سيدات مطلقات وأرامل وأشخاصا ذوي إعاقة، ليس لديهم دخل يساعدهم في أعباء الحياة. يوضح المسؤول أنّ ذلك أتاح لبعض السماسرة أن يغرروا بأحلام البسطاء، عن طريق تولّي إنجاز ملفاتهم وإجراءاتهم أمام كلّ مكتب من مكاتب التضامن الاجتماعي.

يضيف المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أنّ ما يحدث هو بداية لإلغاء الدعم نهائياً، بعدما أكد رئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، على رفع الدعم عن الأطفال ما فوق اثنين في الأسر، علماً أنّ تلك الأسر من الغلابة، وكثير منها لديه أكثر من طفلين. يشير إلى أنّ مشروع "تكافل وكرامة" يكلف الدولة 21 مليار جنيه (مليار و172 مليون دولار) سنوياً، وفي إطار أزمة الموازنة العامة، تطالب أجهزة من داخل الحكومة بتخفيض هذا المبلغ إلى أقل من النصف. يوضح أنّ هذه المنظومة تضم حالياً 3 ملايين أسرة، ولديهم أطفال يصل عددهم إلى 5 ملايين طفل، منهم مليونا طفل ما دون 6 سنوات.

وجّه برلمانيون مصريون انتقادات عديدة لوزيرة التضامن الاجتماعي، غادة والي، بسبب الحذف العشوائي للملايين من أسر معاش "تكافل وكرامة"، وأبدى أعضاء مجلس النواب خوفهم من أن يكون ذلك بداية لإلغاء "تكافل وكرامة" بشكل كامل. في هذا الإطار، أكد النائب ثروت بخيت، أنّه من الجانب الدستوري لا يجوز إيقاف برنامج "تكافل وكرامة" الذي يأتي ضمن برامج تخفيف العبء عن الفقراء ومن لا يملكون مداخيل شهرية ثابتة، موضحاً أنّ أصحاب تلك المعاشات هم من فئات كبار السن والمطلقات والأرامل والأشخاص ذوي الإعاقة، مطالباً بضرورة استمرار صرف المعاشات الخاصة بتلك الفئات، نظراً لاحتياجها إلى تلك الأموال الضعيفة، لتوفير احتياجاتها الأساسية والضرورية اليومية.

تقدّم النائب إسماعيل نصر الدين، بطلب إحاطة بضرورة حضور الوزيرة مناقشة توقف صرف معاشات أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن والفقراء، المعروف بمعاش "تكافل وكرامة"، متسائلاً: "ما هو سر عدم حضور الوزيرة إلى البرلمان، بالرغم من تقديم عشرات الاستجوابات وطلبات الإحاطة لحضورها، حتى اليوم؟ وهل هي محصنة إلى هذه الدرجة من جانب الحكومة؟". وعقّب: "إذا كانت محصنة من الحكومة، فمعناه أنّ هناك توافقاً على إلغاء الدعم المالي للفقراء والمحتاجين، وهو الأمر الذي سيؤدى إلى تدهور حال هؤلاء المواطنين مادياً ومعنوياً، خصوصاً أنّهم يعتمدون على هذا المعاش ولا يجدون وسيلة إنفاق غيره".

وأشار النائب عاطف عبد الجواد، إلى أنّ كثيراً من المواطنين تقدموا إليه بشكاوى تتعلق بوقف صرف معاش "تكافل وكرامة"، موضحاً أنّه تقدم بطلب إحاطة يطالب فيه باستدعاء وزيرة التضامن الاجتماعي، لبحث مشاكل البرنامج، مناشداً بسرعة التدخل لحلّ الأزمة وإنهاء مشكلة البطاقات، قبل تفاقمها. تابع أنّ هناك حالة من الغضب بين المواطنين، إذ زاد وقف المعاشات من أوجاع الفقراء.

وهناك أيضاً طلب مقدم من النائب مجدي ملك، بشأن ضرورة مراجعة المستحقين لبرامج الحماية الاجتماعية التي تقدمها الدولة في برنامج "تكافل وكرامة" لتحسين الأحوال المعيشية لفئات تستحق الرعاية الاجتماعية والمساندة الاقتصادية.

رصدت "العربي الجديد" بعض ردود فعل المواطنين. يقول الأربعيني محمد كامل: "ليس لديّ راتب ثابت، وزوجتي مصابة بالذئبة الحمراء (مرض مناعي)، وبعد عام من صرف معاش تكافل وكرامة، فوجئت بتوقفه، وبالسؤال تبيّن أنّي لا أستحقه لأنّ لديّ رخصة قيادة، مع العلم أنّي لا أعمل بالرخصة، ولديّ ثلاثة أطفال في مراحل التعليم المختلفة".

بدوره، يقول العامل اليومي محمد إبراهيم، إنّه فوجئ بتوقف البطاقة، موضحاً أنّ "المعاش أساساً ضعيف، لكنّي رتبت حياتي على أساسه". يشير إلى أنّه لم يجد إجابة واضحة في مكاتب التضامن الاجتماعي أو في الوزارة حتى الآن، حول توقف بطاقته.




كذلك، تقول فاطمة فوزي (65 عاماً) إنّها مريضة سكري وضغط، وكانت تعيش على معاش "تكافل وكرامة"، لكنّها فوجئت مثل غيرها بتوقف المعاش من دون أيّ مبرر، ولم يقدم لها مكتب التضامن الاجتماعي أيّ حلّ، بالرغم من تقديم جميع المستندات التي تثبت أنّها لا تتقاضى أيّ راتب، بل تتسول لقمة العيش وكلفة العلاج من الأقارب والجيران الذين يعرفون ظروفها تماماً.