"شكراً يا بنات ويا ستّات على دعمكم وعلى تعليقاتكم.. بجدّ حسّيت إنّي أختكم وإنّي مهمّة عندكم وحسّيت بخوفكم عليّا.. أنا فعلاً خدت قراري ومش راجعة". هذه هي رسالة الشكر التي كتبتها امرأة مصرية، تطلق على نفسها اسم سلمى، عقب نشر قصّة تعرّضها للعنف الجسدي من قبل زوجها، عبر مجموعة مغلقة خاصة بالنساء على موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي.
بعد ثلاثة أعوام كاملة، لم تجرؤ في خلالها على البوح بما تعانيه، تمكّنت سلمى من كتابة قصتها، عندما شاهدت مسلسلاً تلفزيونياً يعالج قضيّة العنف الزوجي ولاحظت الاهتمام والتفاعل الكبيرَين معه عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتروي: "أوّلاً خلّاني ألبس النقاب.. مع إنّه خيّرني أنّي لو ملبستهوش هنسيب بعض. أنا وافقت وقولت خلاص مش عايزة حاجه تانيه من الدنيا غيره.. ولبسته. ابتدا تحكمات غريبة.. عايزني أغطي عيني كمان.. ألبس أكبر من مقاسي بمقاسين.. وحاجات كتير تخنق وماكنتش بعترض بحجّة مش عايزة أعمل مشاكل علشان الدنيا تمشي.. منعني عن كل أصحابي وقرايبي نهائي، وخلاني حتى مروحش عند أمي، ولمّا تكلمني يسمع المكالمة كلها... كنت ساكنة بعيد ولوحدي ومن أوّل يوم كان بيقفل عليّا بالمفتاح، والتليفون مقفول بباسوورد. كنت أستقبل مكالمات فقط".
تتابع سلمى قصتها: "بقيت وحيدة ومعزولة.. وأيّ مشكلة كانت بتحصل كان بيضربني بعنف وغباء مالوش مثيل، لدرجة إني ماكنش بيبان ليّا ملامح. بخلاف الإهانة والألفاظ القذرة.. مكانش بيرحمني حتى وأنا حامل. وبعدها يفضل يعتذر ويراضيني وأنا أسامح وأدعيله ربنا يهديه". وتكمل: "استحملت كتير أوي وبدأت اشتكي لأهله ماعملوش حاجة.. كان يهدا شهر أو اتنين ويرجع أوحش من الأوّل، وفضِلت على هذا الوضع لحدّ لمّا حصلت مشكلة كبيرة وضربني. كلمت أمي علشان تيجي تاخدني وحصلت مشكلة كبيرة جداً وكان عايز ياخد أولادي مني، وفعلاً مشيت. وقعدت أسبوع عند أمّي وبعدين كلمني إنّه عايز يرجع ونروح نعمل عمرة ومنخربش البيت، وطبعاً أقنعني ورجعت.. وروحنا العمرة ورجعنا وحياتنا اتظبطت لمدّة أربع شهور.. وبعد أسبوعين حصلت بيننا مشكلة وضربني على وشّي، روحت لما مشي لمّيت هدومى وخدت الولاد ومشيت". وبعدما استفاضت سلمى في سرد تفاصيل تعنيفها وشعورها بالإهانة في كلّ مرة، وفي وصفها نظرات ابنتها وابنها عند رؤية والدهما وهو يضربها، قبل أن تنهي منشورها بالعبارة الآتية: "بنتي وابني أهمّ عندي من نفسي.. مش عايزاهم يطلعوا معقّدين".
سلمى امرأة من بين آلاف النساء اللواتي تعرّضنَ للعنف الزوجي في مصر التي تحتلّ المرتبة الخامسة من بين أكثر الدول التي تتعرّض فيها النساء للعنف اللفظي والجسدي. وعلى الرغم من انتشار مؤسسات المجتمع المدني وتلك التي تُعنى بحقوق المرأة، فإنّ عدد المعنّفات إلى تزايد. وفي تقرير أعدّته هيئة الأمم المتحدة للمرأة (هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة) في عام 2017، فإنّ 35 في المائة من النساء في مصر تعرّضنَ للعنف بشتى الطرق، مرة واحدة في حياتهنّ على أقل تقدير.
من جهتها، تفيد بيانات المسح الديموغرافي والصحي لمصر لعام 2014، بأنّ نصف النساء المتزوجات في مصر تقريباً، 47.4 في المائة، تعرّضنَ للعنف الجسدي في وقت ما من حياتهنّ وهنّ بالغات. وقد تعرّضت 33 في المائة من النساء في وقت من الأوقات للضرب أو الصفع أو الركل أو أيّ شكل من أشكال العنف الجسدي على يد الزوج الحالي أو السابق، في حين أنّ 62.6 في المائة منهن أكّدنَ تعرّضهنّ لعنف نفسيّ و61 في المائة إلى شكل من أشكال العنف المعنويّ جاء معظمه على شكل سبّ من قبل الزوج. وبيّن المسح كذلك أنّ 60 في المائة من حالات قتل النساء أتت على أيدي أزواجهنّ.
تجدر الإشارة إلى أنّ المادة رقم 11 من الدستور المصري تنصّ على أن "تلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف". لكنّ المشرّع المصري يتعامل مع أشكال العنف التي تحدث في نطاق الأسرة - بمعظمها - على أنّها "خلافات اجتماعية"، وبالتالي لا يتدخل القانون لتنظيمها. فأفعال عدّة، من قبيل الاغتصاب الزوجي والسلوكيات الجنسية المهينة والضرب غير المبرح ومعظم أشكال العنف النفسي، تُعَدّ مباحة وفقاً للقانون. لكنّ المشرّع، تحت ضغط مطالبات الحراك النسوي والحقوقي وبهدف تحسين سمعته في ما يتعلق بحماية حقوق النساء على المستوى الدولي، بدأ يعمل على تجريم بعض أشكال العنف الأسري، ومنها ختان الإناث الذي تمّ تجريمه صراحة بمصر في عام 2008 باعتباره جريمة من "جرائم الجرح".
وتتولى مؤسسات الدولة والجمعيات الأهلية معالجة الأمر والدفاع عن المعنّفات من أزواجهنّ أو من أفراد أسرهنّ عموماً، وكذلك إيواءهنّ. ونجد في مصر ما يُعرف بـ"بيوت الإيواء" التي تحتمي فيها المرأة التي تتعرّض للعنف من أهلها أو شريك حياتها. ويُفترض بتلك المقار أن تضمن الأمان والحماية لهؤلاء النساء وتأهيل المعرّضات إلى العنف وإزالة آثاره البدنيّة والمعنويّة. وكانت منسقة الحماية الاجتماعية ومديرة مشروع تطوير مراكز استضافة وتوجيه المرأة بوزارة التضامن الاجتماعي المصرية، سها هاني، قد أعلنت سابقاً أنّ مصر تضمّ ثمانية مراكز إيواء على مستوى الجمهورية في محافظات القاهرة والجيزة والدقهلية والقليوبية والمنيا وبني سويف والفيوم والإسكندرية، غير أنّه وبسبب قلّة وعي النساء حول هذه المراكز، فقد تمّ الاتفاق بين وزارة التضامن الاجتماعي ومحكمة الأسرة المصرية على استضافة النساء الحاصلات على قرارات "تمكين من الشقّة" لم تنفّذ. يُذكر أنّ دور تلك المراكز الأساسي هو استقبال المرأة التي لديها خلافات مع أسرتها واستضافتها، فتخضع إلى جلسات مع متخصصين نفسيين واجتماعيين وتتحدّث مع محام، وتوَفَّر لها فرص عمل. لكنّها هي الوحيدة التي تحدّد خطواتها التالية، سواء أكانت الصلح مع زوجها أو طلاقها منه.
في بياناته الأخيرة، أعلن المجلس القومي للمرأة أنّ نحو 1.5 مليون امرأة مصرية تتعرّض للعنف الأسري سنوياً. وقد استند إلى دراسة ميدانية أعدّها، مفصّلاً أنّ 70 في المائة من حالات الاعتداء على النساء يتسبب بها الأزواج و20 في المائة الآباء و10 في المائة الإخوة. أمّا الكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع في مصر، فقد أشار إليها مسح أعدّه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في عام 2015، وقدّرها بـ6.15 مليارات جنيه مصري (نحو 345 مليون دولار أميركي) سنوياً.
وفي دراسة أعدّها مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية (منظمة مجتمع مدني مصرية)، في أغسطس/ آب الماضي، بعنوان "لا حماية لأحد"، حول العنف الأسري ضد النساء في مصر، فإنّ عدد النساء المتزوجات اللواتي يتركنَ منزل الزوجية نتيجة العنف على يد الزوج يُقدَّر بنحو مليون امرأة سنوياً، وتبلغ كلفة السكن البديل أو المأوى لهؤلاء النساء نحو 585 مليون جنيه (نحو 33 مليون دولار). كذلك، تخسر الدولة نحو نصف مليون يوم عمل للنساء الناجيات من العنف من جرّاء ما تعرّضن له على أيدي أزواجهنّ. وفي إحدى الشهادات التي أوردتها الدراسة، تقول ناجية من العنف الأسريّ أنّه "لسنوات طويلة كنت أتعرّض للضرب لأسباب غير منطقية. في إحدى المرّات تعرّضت للضرب بخرطوم المياه على وجهي لأنّني طلبت أن أمشّط شعري عند الكوافير قبل حضور حفل زفاف إحدى قريباتي. كنت أُضرَب لوقوفي على الشرفة. لو تقدّمت للمشاركة في (كورس) أو ورشة عمل كنت أتعرّض للضرب. لو طلبت أن أمارس الرياضة أو أن أذهب إلى ناد رياضي كان يتمّ ضربي، حتى في عيد ميلادي".