آشوريو روسيا يتمسكون بتراثهم

07 أكتوبر 2018
داخل الكنيسة الآشورية في موسكو (العربي الجديد)
+ الخط -
على الرغم من عيشهم في روسيا منذ أكثر من قرن واندماجهم الكامل في المجتمع، إلا أنّ أبناء الجالية الآشورية يبحثون عن حفظ لغتهم وتراثهم الثقافي ونقلهما إلى الأجيال الجديدة حتى لا تتلاشى هويتهم وسط هموم الحياة اليومية.

جاء الآشوريون إلى روسيا على عدة مراحل، أولاها في أعقاب الحرب الروسية - الفارسية (1826 - 1828)، لكنّ الموجة الأكبر كانت خلال الحرب العالمية الأولى، إثر المواجهات مع القوات العثمانية وترحيل نحو 100 ألف آشوري من المناطق التي كانوا يقطنون فيها بين الرافدين: دجلة والفرات.

وفي غياب إحصاءات دقيقة، يقدر رولاند بيجاموف، وهو آشوري يقيم في العاصمة الروسية ويحمل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، عدد أبناء جاليته في روسيا بنحو 14 ألفاً، يتركز نحو 3 آلاف منهم في موسكو. يقول بيجاموف، لـ"العربي الجديد": "شكل الهاربون من إبادة الآشوريين، والأرمن، واليونانيين البنط، خلال الحرب العالمية الأولى أكثر من نصف الجالية الآشورية في الاتحاد السوفييتي. حافظت الأجيال الأولى منهم على لغتها وانتمائها إلى كنيستها التاريخية، وحتى عام 1937 كانت هناك مدارس ابتدائية آشورية، لكنّها أغلقت وسط موجة القمع إبان حكم (الزعيم السوفييتي) يوسف ستالين والتي قضت على الفئة المثقفة من الشعب الآشوري. وبعد الحرب العالمية الثانية، تلقت الجالية الآشورية ضربة جديدة، بتعرضها لعمليات ترحيل واسعة النطاق، قبل أن تستعيد مكانتها من جديد".

مبنى الكنيسة الآشورية في موسكو (العربي الجديد) 


بيجاموف الذي ينتمي إلى الجيل الثالث من الآشوريين في روسيا، كان يتحدث مع والديه باللغة الروسية منذ صغره، إلّا أنّ ذلك لم يمنعه من تعلم لغته التاريخية من أجداده، فجعل اليوم من تدريس اللغة السريانية وحفظها بين الأجيال الجديدة همه الأساسي. ويلخص أبرز التحديات التي يواجهها في مهمته، قائلا: "يصعب الحفاظ على اللغة في المدن الكبرى مثل موسكو، إذ بات الشباب يتحدثون اللغة الروسية مع خلطها ببعض الكلمات من لغة آبائهم. يشعرون بالانجذاب إلى لغتهم، لكن عدم وجود دولة خاصة بهم يقلل من حافز تعلمها، فبات إتقانها أمراً شبه مستحيل. لا تعليم ولا مدارس ولا مساكن آشورية في موسكو، فلم يعد الشباب يتواصلون مع بعضهم البعض إلا في الأعياد الكنسية والقداس الأسبوعي بالكنيسة الآشورية التي بنيت حديثاً".



وفي إطار نشاطه، يقدم بيجاموف دروساً أسبوعية في اللغة السريانية وقواعدها لأبناء الجيل الجديد، من الصغار والكبار، بما يؤهلهم لإجادة أيّ لهجة إن أرادوا ذلك في ما بعد.
الثلاثيني رومان، نشأ في العاصمة الأذربيجانية باكو، فيما تعود أصول والده الآشوري إلى شمال العراق. هو واحد ممن قرروا الالتحاق بدورات تعلم اللغة السريانية بعد انتقاله إلى موسكو. يقول لـ"العربي الجديد": "والدتي روسية ولم أكن أعتبر نفسي آشورياً حتى انتقالي إلى موسكو، إذ تعرفت إلى أبناء الجالية واندمجت معهم، وتزوجت من فتاة آشورية، ونربي أبناءنا الثلاثة على أنّهم آشوريون. أدرك أنّ هناك صعوبة في تعلم مختلف اللهجات، فأسعى إلى تعلم اللغة السريانية الكلاسيكية لنقلها إلى أبنائي". على الرغم من أصوله الأجنبية، اندمج رومان بشكل كامل في المجتمع الروسي ولا يجد أي صعوبة في التفاهم مع زملائه في العمل بإحدى المؤسسات الحكومية الروسية.

صف لتعليم السريانية في موسكو (العربي الجديد) 


من جانب آخر، تمكنت بعض العائلات الآشورية والمختلطة من الحفاظ على لغتها الأصلية عبر نقلها إلى الجيل الجديد، وذلك عن طريق التحدث بها مع أبنائهم منذ صغرهم وتربيتهم في أجواء ثقافة وطنهم التاريخية. يوري شيمكو (30 عاماً)، صحافي وأحد ناشطي الجالية، واحد من هؤلاء، إذ حضرت أسرته إلى روسيا بمساعدة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، قبل قرن. يقول شيمكو لـ"العربي الجديد": "نشأت في أسرة آشورية وأفتخر بأصولي، ونحن - أبناء الجالية - نعتبر أنفسنا جميعاً آشوريين. يتردد أبناء الجالية الأكثر نشاطاً، على الكنيسة التي توحد شعبنا وتتيح لنا سماع لغتنا الأم، كما نحتفل بـ12 عيداً سنويا تتعلق بالقديسين الذين يحتفي بهم الآشوريون في مختلف قراهم. وبالرغم من أنّ الآشوريين غادروا تلك القرى قبل أكثر من 100 عام، فما زالوا يتذكرون أسماء القديسين التي تحملها كنائسهم ويحتفون بها".
دلالات