الفيضانات التي شهدتها قرية نزاما ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. وكما في كلّ مرة، يلملم المواطنون أنفسهم ويبحثون عن مكان جديد. واقع يطرح تساؤلات حول كيفية الاستفادة من المياه المهدورة لصالح المجتمع
وجد سكان قرية نزاما السودانية، وعددهم 6 آلاف نسمة، أنفسهم يعيشون في العراء، بعدما دمر فيضان نهر الرهد النابع من الهضبة الإثيوبية قريتهم بالكامل، في ساعة مبكرة من أحد أيام شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، من دون أن يتمكنوا من إنقاذ أمتعتهم ومواشيهم. ولم يبقَ لهم غير الحسرة والنزوح إلى منطقة تبعد نحو ثلاثة كيلومترات من موطنهم الأصلي.
وتضرّرت مساحات شاسعة من الأراضي المزروعة بالذرة والسمسم والفول السوداني وغيرها، علماً أن هؤلاء السكان يعتمدون عليها في معيشتهم. وليست قرية نزاما الوحيدة التي تضرّرت من جرّاء السيول والفيضانات خلال هذا العام، بل سبقتها ولايات كسلا (شرق)، والجزيرة (وسط)، وكرفان غرب، والخرطوم.
مثل هذه الأحداث تعيد إلى الأذهان فيضانات تاريخية ما زالت عالقة في ذاكرة السودانيين بسبب الخسائر البشرية والمادية الكبيرة. وأبرزها تلك التي شهدتها البلاد خلال أعوام 1946 و1988 و1994 و2013، علماً أن فيضانات أخرى خلّفت خسائر ومآسي أيضاً.
في السودان أكثر من عشرة أنهر يتدفق بعضها بصورة دائمة، مثل النيل الأزرق والنيل الأبيض، والبعض الآخر يكون جريانه موسمياً، مثل نهر الدندر ونهر القاش. وهناك مياه الأودية والمياه الجوفية. ومنذ ما قبل الاستقلال في عام 1956، بدأ السودان بإنشاء خزانات وسدود صناعية وصل عددها اليوم إلى 7، أبرزها خزان سنار والروصيرص وسد مروي.
وفي ظل الثروة المائية هذه، يدور جدال مستمر حول مدى استفادة السودانيين من مياه الفيضانات، والعمل على تحويلها من نكبة إلى نعمة.
اقــرأ أيضاً
بدأت الحكومة الحالية العمل على تحقيق أهدافها من خلال تشكيل وحدة خاصة لإنشاء السدود، شرعت منذ ثماني سنوات في تنفيذ برامج بهدف الاستفادة من المياه والوصول إلى "زيرو عطش" بعد إيجاد حلول متكاملة لمشاكل مياه الشرب في كل من الريف والمدن. وتفيد وحدة تنفيذ السدود بأنها نفذت أكثر من 1250 مشروعاً (بناء سدود صغيرة وحفر آبار جوفية)، حققت فوائد اقتصادية واجتماعية. تضيف أنها تسعى إلى تحقيق أهداف استراتيجية، منها تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية في الريف، والحد من نسبة الفقر، وتنمية الموارد المائية، وتحسين الإنتاج الحيواني والزراعي والمزارع السمكية والحفاظ على البيئة وحمايتها. كما تعمل على دعم الأمن القومي والاستقرار من خلال تنمية المناطق الحدودية، وتوفير المياه لتخفيف الصراع على المياه داخل السودان ومع الدول المجاورة، وتوطين الرحل والرعاة لوقف النزاع حول المياه مع المزارعين، وتحفيز النازحين على العودة إلى مناطقهم.
يقول الخبير في مجال المياه حيدر يوسف، لـ"العربي الجديد": "الاستفادة من مياه الفيضانات ترتبط بطبيعة المناخ في السودان الذي يشهد تغيرات كبيرة"، مشيراً إلى أن التغيّر المناخي بات واضحاً جداً في السودان، وتظهر آثاره من خلال اختلاف معدلات الأمطار ومواعيد هطولها، لافتاً إلى أن ذلك التغيير يؤثر على أي خطط يجري إعدادها للاستفادة من مياه الفيضانات، في ظل عدم المعرفة المبكرة بحجم الفيضانات والمياة المخزّنة والزراعة. ويؤكد أنه ليس من المتاح الآن إقامة مشاريع زراعية كبيرة لريّها بمياه الفيضانات، والمطلوب هو التركيز على المشاريع الصغيرة التي لا تخلو من الآثار الاجتماعية الإيجابية.
وحول تقييم مشاريع حصاد المياه التي تنفذها الحكومة، يقول حيدر يوسف إنّ تلك المشاريع تتطلب دراسات، مؤكداً أنّ غيابها سيكون له تأثير اجتماعي سلبي، ولن يكون من خيار أمام البعض غير الهجرة.
اقــرأ أيضاً
من جهته، يقول مدير تنمية القدرات والتدريب في المركز الإقليمي لتنمية القدرات والأبحاث في حصاد المياه محمد مصطفى عباس: "السودان يستفيد إلى حد كبير من الري الفيضي الممتد على ضفاف النيل في السودان وحتى الحدود مع مصر، إضافة إلى الاستفادة من مشاريع الخزانات الجوفية التي ترفد المخزون الاستراتيجي من المياه لدى البلاد، ويمكن الاستفادة منه في أي وقت". يضيف لـ"العربي الجديد": "بمزيد من الجهد والدراسات، يمكن مضاعفة حجم الفائض الموسمي لغالبية أنهار السودان، ما ينعكس على النشاط الاقتصادي والاجتماعي، ويؤمن فرص عمل جديدة، ويؤدي إلى استقرار العديد من المجموعات القبلية التي تتنقل مع مواشيها بحثاً عن الماء والكلأ".
أما النائب عبد المنعم عجبين، فيقلّل من جهود الدولة للحد من مخاطر الفيضانات وزيادة حجم الفائدة منها، مشيراً إلى أن الخسائر الاقتصادية والآثار الاجتماعية التي تسببها الفيضانات كبيرة جداً، منها تشريد الأهالي وانتشار الأمراض وغرق المحاصيل الزراعية، موضحاً أن الجهود المبذولة لا توازي حجم الخسائر. يضيف لـ"العربي الجديد": "هناك تقصير إداري في ما يتعلق بحصاد المياه، وليست لدى الدولة برامج حقيقية تزيد معدلات الاستفادة من فائض المياه السنوي، الذي استفادت منه بلدان أخرى قريبة، مثل مصر وتشاد وزيمبابوي من خلال استصلاح الصحراء للزراعة". ويقول إنه يمكن توجيه مياه الفيضانات السنوية إلى مناطق أخرى أكثر حاجة إليها، مثل مناطق شرق السودان.
وتضرّرت مساحات شاسعة من الأراضي المزروعة بالذرة والسمسم والفول السوداني وغيرها، علماً أن هؤلاء السكان يعتمدون عليها في معيشتهم. وليست قرية نزاما الوحيدة التي تضرّرت من جرّاء السيول والفيضانات خلال هذا العام، بل سبقتها ولايات كسلا (شرق)، والجزيرة (وسط)، وكرفان غرب، والخرطوم.
مثل هذه الأحداث تعيد إلى الأذهان فيضانات تاريخية ما زالت عالقة في ذاكرة السودانيين بسبب الخسائر البشرية والمادية الكبيرة. وأبرزها تلك التي شهدتها البلاد خلال أعوام 1946 و1988 و1994 و2013، علماً أن فيضانات أخرى خلّفت خسائر ومآسي أيضاً.
في السودان أكثر من عشرة أنهر يتدفق بعضها بصورة دائمة، مثل النيل الأزرق والنيل الأبيض، والبعض الآخر يكون جريانه موسمياً، مثل نهر الدندر ونهر القاش. وهناك مياه الأودية والمياه الجوفية. ومنذ ما قبل الاستقلال في عام 1956، بدأ السودان بإنشاء خزانات وسدود صناعية وصل عددها اليوم إلى 7، أبرزها خزان سنار والروصيرص وسد مروي.
وفي ظل الثروة المائية هذه، يدور جدال مستمر حول مدى استفادة السودانيين من مياه الفيضانات، والعمل على تحويلها من نكبة إلى نعمة.
بدأت الحكومة الحالية العمل على تحقيق أهدافها من خلال تشكيل وحدة خاصة لإنشاء السدود، شرعت منذ ثماني سنوات في تنفيذ برامج بهدف الاستفادة من المياه والوصول إلى "زيرو عطش" بعد إيجاد حلول متكاملة لمشاكل مياه الشرب في كل من الريف والمدن. وتفيد وحدة تنفيذ السدود بأنها نفذت أكثر من 1250 مشروعاً (بناء سدود صغيرة وحفر آبار جوفية)، حققت فوائد اقتصادية واجتماعية. تضيف أنها تسعى إلى تحقيق أهداف استراتيجية، منها تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية في الريف، والحد من نسبة الفقر، وتنمية الموارد المائية، وتحسين الإنتاج الحيواني والزراعي والمزارع السمكية والحفاظ على البيئة وحمايتها. كما تعمل على دعم الأمن القومي والاستقرار من خلال تنمية المناطق الحدودية، وتوفير المياه لتخفيف الصراع على المياه داخل السودان ومع الدول المجاورة، وتوطين الرحل والرعاة لوقف النزاع حول المياه مع المزارعين، وتحفيز النازحين على العودة إلى مناطقهم.
يقول الخبير في مجال المياه حيدر يوسف، لـ"العربي الجديد": "الاستفادة من مياه الفيضانات ترتبط بطبيعة المناخ في السودان الذي يشهد تغيرات كبيرة"، مشيراً إلى أن التغيّر المناخي بات واضحاً جداً في السودان، وتظهر آثاره من خلال اختلاف معدلات الأمطار ومواعيد هطولها، لافتاً إلى أن ذلك التغيير يؤثر على أي خطط يجري إعدادها للاستفادة من مياه الفيضانات، في ظل عدم المعرفة المبكرة بحجم الفيضانات والمياة المخزّنة والزراعة. ويؤكد أنه ليس من المتاح الآن إقامة مشاريع زراعية كبيرة لريّها بمياه الفيضانات، والمطلوب هو التركيز على المشاريع الصغيرة التي لا تخلو من الآثار الاجتماعية الإيجابية.
وحول تقييم مشاريع حصاد المياه التي تنفذها الحكومة، يقول حيدر يوسف إنّ تلك المشاريع تتطلب دراسات، مؤكداً أنّ غيابها سيكون له تأثير اجتماعي سلبي، ولن يكون من خيار أمام البعض غير الهجرة.
من جهته، يقول مدير تنمية القدرات والتدريب في المركز الإقليمي لتنمية القدرات والأبحاث في حصاد المياه محمد مصطفى عباس: "السودان يستفيد إلى حد كبير من الري الفيضي الممتد على ضفاف النيل في السودان وحتى الحدود مع مصر، إضافة إلى الاستفادة من مشاريع الخزانات الجوفية التي ترفد المخزون الاستراتيجي من المياه لدى البلاد، ويمكن الاستفادة منه في أي وقت". يضيف لـ"العربي الجديد": "بمزيد من الجهد والدراسات، يمكن مضاعفة حجم الفائض الموسمي لغالبية أنهار السودان، ما ينعكس على النشاط الاقتصادي والاجتماعي، ويؤمن فرص عمل جديدة، ويؤدي إلى استقرار العديد من المجموعات القبلية التي تتنقل مع مواشيها بحثاً عن الماء والكلأ".
أما النائب عبد المنعم عجبين، فيقلّل من جهود الدولة للحد من مخاطر الفيضانات وزيادة حجم الفائدة منها، مشيراً إلى أن الخسائر الاقتصادية والآثار الاجتماعية التي تسببها الفيضانات كبيرة جداً، منها تشريد الأهالي وانتشار الأمراض وغرق المحاصيل الزراعية، موضحاً أن الجهود المبذولة لا توازي حجم الخسائر. يضيف لـ"العربي الجديد": "هناك تقصير إداري في ما يتعلق بحصاد المياه، وليست لدى الدولة برامج حقيقية تزيد معدلات الاستفادة من فائض المياه السنوي، الذي استفادت منه بلدان أخرى قريبة، مثل مصر وتشاد وزيمبابوي من خلال استصلاح الصحراء للزراعة". ويقول إنه يمكن توجيه مياه الفيضانات السنوية إلى مناطق أخرى أكثر حاجة إليها، مثل مناطق شرق السودان.