في العام الجامعي الماضي، في خلال الانتخابات الطالبية الأخيرة، أتت النتائج باتحاد موال للنظام. وهذا أمر كان متوقعاً سلفاً من المعنيّين، في ظلّ الشروط المفروضة والتي ما زالت سارية في خلال موسم الانتخابات الذي ينطلق اليوم في مصر.
بصورة مفاجئة، ومن دون سابق إنذار، أعلنت الحكومة المصرية ممثلة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بدء ماراثون الانتخابات الطالبية في جامعات مصر، اليوم الخميس، على مستوى الجمهورية. وقد أصدر وزير التعليم العالي، الدكتور خالد عبد الغفار، قراراً رسمياً ينصّ على انطلاق أعمال الانتخابات في الأوّل من نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 وحتى 15 من الشهر نفسه، وفقاً لقواعد الجامعات وقوانينها، ولعلّ أبرزها رفض ترشّح أيّ طالب ينتمي إلى تيار إسلامي، وذلك تحت شعار "الجامعة مكان للعلم والتعلم". والسبب في استبعاد هؤلاء الطلاب معلوم لدى للجميع، وهو اختلافهم السياسي مع النظام ورغبة الحكومة في إقصائهم عن الحياة السياسية حتى في داخل الجامعات.
وعُقِد اتفاق بين وزارة التعليم العالي والجامعات، يقضي بإرسال قوائم ترشيح الطلاب، أوّلاً بأوّل، إلى الأجهزة الأمنية للتحرّي عن المرشّحين "عائلياً". فيتمّ بالتالي التحرّي عن الطالب وأقاربه حتى الدرجة الرابعة والتعرّف إلى والدَيه، بهدف إبعاد أيّ طالب له أو لدى أقاربه انتماءات سياسية أو دينية معيّنة.
ويتخوّف طلاب كثيرون من حدوث تزوير في الانتخابات المزمع إجراؤها، أو تدخّل الحكومة في سير عملياتها، منذ الترشّح حتى إعلان النتيجة، وبالتالي فوز الطلاب "المرضِيّ عنهم فقط" ونجاح طلاب بعينهم بالتزكية مثلما حدث في انتخابات العام الدراسي الماضي 2017 - 2018. ويستنكر هؤلاء الطلاب ما يصفونه بالتدخلات الأمنية المتوقعة كما في الأعوام السابقة، معبّرين عن رفضهم أيّ مساس بخيارات الطلاب والضغط عليهم تحت أيّ مبرر، من خلال الهيئات الإدارية في الجامعة وعدد من أعضاء هيئات التدريس، من أجل انسحاب بعض "المغضوب عليهم" من الانتخابات المقبلة وفق سياسة "التطفيش" من أجل "صناعة اتحادات مستأنسة مع الحكومة".
وتجري انتخابات الاتحادات الطالبية في جامعات مصر وفق اللائحة الطالبية المرفوضة التي وضعتها الأجهزة الأمنية ووزارة التعليم العالي المعروفة باسم "لائحة 2007" الصادرة بقرار من رئيس الجمهورية المخلوع محمد حسني مبارك. وقد وُصِفت من قبل البعض بأنّها "لائحة أمن الدولة" المعترَض عليها من قبل الطلاب، إذ إنّها اشترطت عدم جواز إقامة أيّ أنشطة من دون موافقة عميد الكلية ورئيس الجامعة، بالإضافة إلى السماح للأجهزة الإدارية والأمنية بالتدخّل في سير الانتخابات وإعادتها في أيّ وقت طبقاً لرؤية وزارة التعليم العالي، وهذا ما حدث في انتخابات عام 2016 عندما ألغيت نتائجها بعدما تبيّن وجود اتحاد ضد النظام. وتنصّ اللائحة على أنّ الإشراف على الانتخابات يكون من جهات من الجامعة نفسها وليس من قبل جهات محايدة، وكذلك على عدم ممارسة أيّ عمل سياسي، بالإضافة إلى إجراء الانتخابات في أضيق الحدود والتي وصفها الطلاب بـ"القطار السريع". تجدر الإشارة إلى أنّ الانتخابات والحملات الانتخابية تجري في خلال أقلّ من أسبوع.
في السياق، يؤكد أستاذ جامعي فضّل عدم الكشف عن هويّته، أنّ "ما يحدث في انتخابات الطلاب أمر طبيعي، في ظل نظام استبدادي يريد من المجتمع أن يصبح مرآة له"، مشيراً إلى أنّ "النظام اعتمد على العصا الأمنية لتحطيم أيّ وجهات نظر مخالفة له". لكنّه يقول: "أنا متفائل بما يحدث، فهذا من الشواهد القوية على قُرب انتهاء حقبة زمنية طالت وزاد طغيانها"، مقدّراً "انسحاب الطلاب من تلك الانتخابات بسبب التزوير المتوقع والتدخلات الأمنية". يضيف الأستاذ الجامعي نفسه أنّه "كان من الأجدر إجراء انتخابات قوية وقيام اتحادات طالبية حقيقية تدير شؤون الطلاب وتسمح لهم بالمشاركة في قضايا مجتمعهم، بدلاً من لجوئهم إلى العنف والأفكار الظلامية والرجعية". ويتابع أنّه "من خلال التزوير والبلطجة تبعث الدولة برسائل إلى الشباب مفادها أنّ كل الأمور بقبضة الأمن، والمشاركة محظورة إلا على أتباع النظام".
وكانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قد وضعت شروطاً لانتخابات الطلاب، أبرزها أن يكون للطالب نشاط طالبي موثّق في الكلية أو الجامعة، في مجال اللجنة المرشّح لها، باستثناء طلاب السنة الجامعية الأولى، وألا يكون قد وقعت عليه أيّ عقوبات تأديبية أو جنائية طوال فترة دراسته في الجامعة، ما لم يردّ اعتباره. كذلك، يتوجّب على المرشّح ألا يكون منتمياً إلى أيّ تنظيم، وأن يلتزم بتقديم برنامج انتخابي مع أوراق الترشّح في المجال المرشّح له. وتستمرّ الانتخابات والحملات الانتخابية لمدّة أسبوعين، على أن تُعلَن النتائج يوم الأحد 11 نوفمبر/ تشرين الثاني، لتبدأ انتخابات الإعادة في اليوم التالي 12 نوفمبر/ تشرين الثاني، تليها انتخابات أمناء اللجان ومساعديهم على مستوى الكليات، ثم انتخابات رئيس الاتحاد ونائبه على مستوى الكليات، وأخيراً انتخاب رئيس الاتحاد ونوابه التي تحددها وزارة التعليم العالي.
محمد صادق طالب في الفرقة الثالثة في كلية الصيدلة، يقول إنّ "الكوسة والتربيطات بدأت في عدد من الكليات بالتنسيق بين الطلاب وعدد من أساتذة الجامعات، لترشيح طلاب معيّنين لهذه الانتخابات. وهو ما يشير إلى فوضى وغياب للنزاهة. وهذا أمر متوقع في الأساس في خلال سير العملية الانتخابية في الجامعات". أمّا محمد الذي تحفّظ عن الكشف عن هويّته كاملة، فهو طالب في كلية التربية، ويشير إلى أنّ "الأمن الإداري في الجامعات وعدد من الموظفين يعمدون إلى إبلاغ الجهات الأمنية أوّلاً بأوّل عن تحرّكات عدد من الطلاب، في محاولة لإعادة الحرم الجامعي إلى قبضة الأجهزة الأمنية". ويتوقّع محمد أن "يتعرّض طلاب إلى الاعتقال، خصوصاً من الذين لا يملكون ميولاً سياسية أو دينية. كلّ ما في الأمر أنّهم يعارضون النظام".
من جهته، يتوقّع محمد مصطفى في الفرقة الرابعة في كلية الحقوق، أن "تسير العملية الانتخابية بين الطلاب مثلما جرت الانتخابات الطالبية في خلال العامَين الدراسيَّين الماضيَين، إمّا بإلغاء الانتخابات مثلما حدث في 2016 - 2017 وإمّا بنجاح بعض الموالين للنظام بالتزكية مثلما حدث في 2017 - 2018". يضيف أنّ "وزير التعليم العالي يخاف من الاتحادات، ونحن نعلم أنّ الانتخابات هي شكلية فقط أمام الرأي العام". أمّا مشير إبراهيم وهو طالب في الفرقة الرابعة في كلية التجارة، فيتحدّث عن "استبعاد مجموعة من الأسماء في الكشوف النهائية للانتخابات من دون سبب واضح"، جازماً أنّ "كل المقاعد محسومة بالتزكية". ويشرح أنّ "الجامعات وبتعليمات من الحكومة، قرّرت منذ بداية العام الدراسي الجاري، حظر النشاط الحزبي في داخل الحرم الجامعي، وقصرت الأنشطة الطالبية على ممارسة الرياضة والفعاليات الثقافية فقط. وهو ما يؤكد رفض النظام أيّ وجود للمعارضة في الجامعة".