بعد أسابيع من تفعيل السلطات العراقية قانون التحرش، تشن وزارة الداخلية العراقية حملة ضد المتحرشين في الأسواق والأماكن العامة وقرب المدارس والجامعات. لكن بعض حالات الاعتقال بتهمة التحرش تخفي خلفها أعمال ابتزاز مالي أو استهدافا "طائفيا"، ما يحرّف تطبيق القانون.
وقال مسؤولون أمنيون إن فصائل مسلحة ضمن ما يعرف بـ"الحشد الشعبي" دخلت على خط تفعيل القانون بشنّها حملات اعتقال انتقائية تحت مزاعم محاربة التحرش دون أن يُطلب منها ذلك أو تكلّف رسميا، مؤكدين أن بعض الفصائل باتت تعتقل أشخاصاً بتهم التحرش، وتطلق سراح المتهمين مقابل المال أو تعتقلهم بدوافع طائفية.
ويقضي القانون باعتقال المتحرش وإحالته إلى القضاء، كما تنص التوجيهات الجديدة على منع إطلاق سراح أي من المتورطين بجرائم التحرش أو إخراجهم بكفالة، قبل إحالتهم إلى القاضي الذي يقرر نوع الحكم المناسب بحق المتحرش خصوصاً إذا كرّر ارتكاب فعل التحرش.
وقال ضابط في شرطة الكرخ لـ"العربي الجديد": "تم تفعيل قانون التحرش، وكثرٌ من الطلاب يعتقلون اليوم عشوائياً وأحياناً بدوافع طائفية أو لمعرفتهم أن الطالب أو الشاب من عائلة ميسورة. ومليشيات الحشد حرفت القانون وكذلك أسباب تفعيله".
وبيّن أنّ "المعتقلين يتعرضون للضرب والإهانة وهذا بخلاف القانون، وما حدث أخيراً لشبان غرب بغداد على يد مليشيات تابعة لـ"الحشد الشعبي" الشرطة منه براء، وهناك كسور ورضوض تعرض لها شبان بعمر 17 و16 عاما اتهموهم بالتحرش، ونعتقد أن سبباً طائفياً وراء ذلك".
وأضاف: "نحن لا نستطيع مساعدة هؤلاء الطلاب، بغضّ النظر عن كونهم مذنبين أو أبرياء فضربهم وتعذيبهم لا يصحّان"، لافتاً إلى أن "هناك خللا واضحا في تطبيق القانون، فالقضاء يستقبل متهمين معتقلين على أيدي المليشيات وهذا بخلاف القانون أيضاً، لأن المفترض أن الاعتقال تقوم به قوات الشرطة".
وتشير مصادر أمن عراقية وأخرى محلية، من مجلس محافظة بغداد، إلى أن "عمليات اعتقال المتحرشين تسببت بظلم عدد كبير منهم، وهناك انتقائية كبيرة، وبعض المليشيات وحتى الشرطة وجدت فيها باب تربح مالي من خلال أخذ مبالغ مالية من ذوي المتهم أو من المتهم نفسه".
ويقول أحد الذين اعتقلوا بتهمة التحرش ويدعى (س. ه) إنه أعطى المسؤول عن القوة التي اعتقلته هاتفه "آيفون" لقاء إطلاق سراحه بعد أن هدده بـ"حفلة من الضرب والتعذيب".
من جهته، قال الطالب أنمار ياسر السامرائي، البالغ من العمر 17 عاما، لـ"العربي الجديد": "استوقفتني سيارة الشرطة عند خروجي من المدرسة وأنا في الطريق إلى المنزل في منطقة حي الجامعة، غرب العاصمة بغداد، واقتادوني إلى مركز للشرطة بتهمة التحرش، علما أني لم أكن قرب مدارس للبنات كون المنطقة التي أسير بها بعيدة عن أي مدرسة". وأوضح: "كان تعامل عناصر الشرطة معي ذا طابع طائفي، وأسمعوني ألفاظا وكلمات نابية".
أما والد أنمار، فقال: "عند تسيير ابني إلى المحكمة لتدوين أقواله وعرضه على القاضي، طلب مني أحد عناصر الشرطة مبلغ 3000 دولار من أجل تغيير أقواله لإطلاق سراحه، كون القانون ينص على عقوبة بالسجن لعام واحد أو غرامة مالية يحددها القاضي لكل من ارتكب جريمة التحرش". وأكد لـ"العربي الجديد": "أجبرت على دفع المبلغ، وبذلك أخرج ولدي من السجن".
ورأى الخبير الأمني محمد الحياني، أنّ "ظاهرة التحرش ليس جديدة، وهناك قوانين تتعلق بالتحرش في كل بلدان العالم، لكن الواقع في العراق مختلف إذ يصار إلى استغلال القانون، والتعامل معه بطائفية".
وأكد خلال حديثه مع "العربي الجديد": "لا يمكن السكوت على استغلال القانون من قبل أفراد الأمن والمليشيات بأي شكل من الأشكال، لأن ذلك يسهم في خلق فتنة جديدة في المجتمع، وسط غياب الرقابة المحلية والعالمية عما يحصل".