الأمان الوظيفي معدوم بغزة

24 أكتوبر 2018
كفى! (محمد الحجار)
+ الخط -

موظفو غزة في خطر اليوم. الأمان مفقود بالنسبة إليهم، ويشعرون بأنّ الجوع يتهدّدهم بعدما صارت البطالة أقرب إليهم من أيّ وقت مضى.

لم تعد أيّ من المؤسسات الرسمية أو الخاصة أو الدولية العاملة في غزة قادرة على تأمين أمان وظيفي للعاملين في إطارها أو حتى للمتقدمين بطلبات عمل فيها منذ ثلاثة أعوام في القطاع المحاصر. وكانت الوظيفة في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تُعَد من "وظائف الأحلام" بالنسبة إلى اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، وتحديداً بالنسبة إلى اللاجئين إلى غزة الذين هُجّروا من المدن والقرى الفلسطينية المحتلة، ولا سيّما أنّ "أونروا" تابعة للأمم المتحدة ولن تُحلّ إلا بعد عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم أو التوصل لتسوية القضية. لطالما وفّرت وظيفة وكالة "أونروا" للغزيين دخلاً جيداً، إلى جانب بعض الامتيازات الوظيفية، لكنّ تلك الامتيازات لم تعد اليوم واردة في الوكالة التي توقفت عن التوظيف الرسمي منذ ثلاثة أعوام واكتفت بالتشغيل وفق عقود. كذلك أوقفت عقود البطالة التي تمتد على مدى عامَين، في فبراير/ شباط الماضي، بعد إعلان توقّف برامج التوظيف المؤقت بالكامل. يُذكر أنّها في آخر دفعة، سرّحت نحو ألف موظف قبل نحو أسبوعَين.

تفيد آخر بيانات "أونروا" بأنّه في نهاية العام الماضي، تخطّى عدد موظفي الوكالة في غزة 10 آلاف موظف، ثلاثة آلاف منهم يعملون بنظام عقود سنوية ومؤقتة. فاطمة العاصي من بين الذين فُصلوا قبل نحو أسبوعَين، وهي تعمل في مجال التدريس منذ 20 عاماً. قرّرت الإضراب عن الطعام إلى حين التوصّل إلى حلّ لها ولزملائها المفصولين. يُذكر أنّه أغمي عليها أمام مقرّ "أونروا" خلال ذلك الإضراب. تقول العاصي لـ"العربي الجديد" إنّه "عندما كان موظف الأونروا يتقدم للزواج من إحداهنّ، كانت عائلتها تطمئنّ لأنّه يعمل في مؤسسة مضمونة ويمكنه بالتالي تأمين كل احتياجات أسرته. لكنّ موظف الأونروا اليوم كما غيره، يشعر بالقلق مع اقتراب نهاية كل شهر وهو ينتظر راتبه، خوفاً من أيّ قرار قد يصفّيه مثلما حصل معي. لم تعد أيّ من الوظائف آمنة وغزة ضحية سياسات دولية تكاد أن تعرّضنا للجوع".



إلى جانب وظائف الأونروا، تأتي وظائف السلطة الفلسطينية التابعة لرام الله التي لم تعد توفّر الأمان. هي كانت قد أغلقت باب التوظيف في عام 2007، في حين أنّ موظّفيها في القطاع منذ إبريل/ نيسان الماضي وحتى اليوم يتعرضون إلى تقليص رواتبهم وصلت إلى نسبة 50 في المائة. وما يتقاضونه يخصص لتسديد ديون وقروض مصرفية بالإضافة إلى سدّ تكاليف العائلة الأساسية.



أحمد نور، موظف في إحدى إدارات السلطة الفلسطينية منذ عام 1994، يقول إنّ "الموظف الرسمي في غزة صار أشبه بأداة سياسية وتحت رحمة المموّل والحاكم الأساسي لمؤسسته". يضيف لـ"العربي الجديد": "أكاد ألا يتقاضى شيئاً من راتبي بعض خصم نصفه، وما يتبقّى أسدّد به قرضاً مصرفياً حصلت عليه لأعلّم ابنتي لبنى في كلية التمريض وأبني منزلاً للعائلة قبل ثلاثة أعوام". ويشير نور إلى أنّه "بالنسبة إلى أصحاب القرار، لا يوجد أسهل من تعريض موظفيهم لعقوبة أو لقطع رواتبهم أو نسب منها. وسبق أن قُطع راتبي لمدّة ستّة شهور من قبل السلطة الفلسطينية بعد معلومات تفيد بأنّني تابع لحركات إسلامية. لكنّني استعدت وظيفتي بعدما أثبتت عدم انتمائي إلى أيّ طرف. بعج ذلك، قطعوا نصف راتبي، شأني شأن كل موظفي القطاع".



تجدر الإشارة إلى أنّ عدد موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة يبلغ نحو 62 ألف موظف مدني وعسكري، فُرِض على 11 ألف موظف منهم نظام التقاعد الإجباري، بحسب نقيب موظفي السلطة في قطاع غزة عارف أبو جراد، ولم تفلح تظاهراتهم ولا اعتصاماتهم المفتوحة في تراجع السلطة عن قراراتها.



من جهة أخرى، كانت حركة حماس قد وفّرت فرص عمل في إطار إدارات حكومتها بغزة التي تألفت في عام 2007 إلى حين توقيع المصالحة الفلسطينية في عام 2017. ووصل عدد موظفيها حتى نهاية عام 2015 إلى نحو 42 ألف موظف مدني وعسكري، يتقاضون فقط 40 في المائة كلّ 40 يوماً منذ ثلاثة أعوام. أشرف حمام من الموظفين التابعين لحكومة حماس السابقة، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "وظيفة الأونروا كانت قبل 20 عاماً الأكثر أماناً وبعدها وظيفة السلطة الفلسطينية. قد وعدتنا حكومة حماس بأن تقف معنا وعدم التخلي عنّا". يضيف: "لكنّه تبيّن أنّ ثلاثتهم لا يستطيعون تأمين رواتب لنا بصورة مستمرة".




في السياق، يقول الباحث الاجتماعي أيمن النجار لـ"العربي الجديد" إنّه "على مدى 10 أعوام، ونتيجة انعدام الأمن الوظيفي في المؤسسات الرسمية، اتّجه غزيون كثر، لا سيّما من الشباب، إلى مهن خطيرة". يضيف النجار أنّ "ظواهر عدّة ظهرت بسبب الانعدام الوظيفي وقلة الفرص، من قبيل الاتجار بالممنوعات والتسوّل بأنواعه، لا سيّما زجّ الأطفال في مهن خطيرة لكسب التعاطف وجمع المال". ويتابع أنّ "أخطر تلك المهن كانت العمل في الأنفاق الحدودية بين قطاع غزة ومصر منذ عام 2008 وحتى 2014، وقد شهدنا سقوط مئات الضحايا العاملين في الأنفاق".