النظام السوري يحاصر مخيم الركبان في ظل صمت دولي

17 أكتوبر 2018
بؤس العيش في مخيم الركبان (عماد غالي/ الأناضول)
+ الخط -
يعيش عشرات آلاف النازحين السوريين في مخيم الركبان، الواقع على الحدود السورية الأردنية في عمق البادية، ما عاشه قبلهم مئات الآلاف من أشقائهم السوريين المدنيين في مناطق الحصار والتجويع. إذ فرضت عليهم تسويات بالتعاون مع الروس، حاصرتهم بخيار القبول إما بالعيش تحت سطوة النظام أو التهجير إلى الشمال السوري، بتواطؤ دولي.

أبو محمد، خمسيني نازح مع عائلته من ريف حمص إلى مخيم الركبان منذ نحو ثلاثة أعوام، يعتبره كثيرون أنه من الناس المحسودين في المخيم، لأنه يعيش في غرفة من الطين، وليس في خيمة كغيره من سكان المخيم. غرفة بنوافذ صغيرة، أرضها مفروشة بشادر (قماش الخيمة) وفوقه بطانية، وإلى جدارها تتجمع بعض الفرش، إنها غرفة للجلوس والنوم والطعام، هي المنزل كله لأفراد عائلته المكونة من ستة أشخاص.

وقال أبو محمد "لا أعلم من أين آتي اليوم لعائلتي بوجبة طعام، فمنزلي خالٍ تماماً مما يؤكل، ولا أملك المال، سأبحث إن كان أحد معارفي لديه كأس من الأرز أو البرغل يمكن أن يستغني عنه، فأخي لاجئ ووعدني بأن يرسل إلي 100 دولار لأتدبر أمري". وبيّن أن "مواد غذائية كثيرة بدأت تفقد من المخيم، وارتفعت أسعار ما تبقى فيه بشكل جنوني، حتى بات سكانه بأغلبهم عاجزين عن شرائها".

وقال مسؤول الإعلام في الإدارة المدنية عمر الحمصي، في حديث مع "العربي الجديد"، "منذ أكثر من 20 يوماً قطعت القوات النظامية الطرق الواصلة إلى مخيم الركبان، وكثفت الحواجز المحيطة بمنطقة الـ55، لمنع إيصال المواد الغذائية إلى المخيم عبر المهربين، ما تسبب بفقدان جزئي للمواد الغذائية، وارتفعت الأسعار ضعفي ما كانت عليه".

وأضاف أن "الواقع الطبي في أسوأ حالاته منذ وجد المخيم، فلا تتوفر الأدوية في المستوصفات داخل المخيم، في حين أن النقطة الطبية التابعة ليونيسف الموجودة داخل الأراضي الأردنية لم تعد تستطيع استيعاب أعداد المرضى".


وشدد على أن "تدهور الوضع الصحي يزداد سوءاً يوماً بعد آخر، فحرس الحدود الأردني يدخل يوميا نحو 200 مراجع لنقطة يونيسف، لكن نفاجأ بأن الحالات المحتاجة إلى إجراء للعلاج تتم إعادتها، بحجة أن المشافي الأردنية لا تستطيع استيعابها. حتى الحالات القليلة التي أدخلت إلى الأردن لم تستطع إجراء جراحات بسبب مطالبتها بدفع تكاليف الجراحة المالية، وهي مرتفعة جداً عموماً، فكيف بالنسبة لأهالي المخيم المعدمين".

ولفت إلى أن "حالات الوفاة ازدادت مؤخرا، آخرها كان أول من أمس بموت فتاة عمرها 16 عاماً بسبب نقص الغذاء والإسهال الشديدين وعدم وجود مشفى، وحياة العشرات مهددة اليوم".

وبيّن أن "أهالي المخيم، بالتنسيق مع الإدارة المدنية، نظموا اعتصاماً مفتوحاً بدأ يوم الجمعة الماضي وهو مستمر، بهدف إيصال صوت معاناتهم إلى المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية، وكلنا أمل أن يستجيب أحد لندائنا الإنساني".

وأضاف "ناشدنا الأمم المتحدة كثيرا وكانوا دائما يعدوننا بأنهم سيقدمون مساعدات إغاثية، لكن عندما نضغط عليهم، كانوا يجيبون أنتم موجودون في الأراضي السورية ونحن إن لم تمنحنا الحكومة السورية تصريحاً بالدخول، لا نستطيع الدخول، حتى إن منظمة الصليب الأحمر جرى تواصل بينها وبين الإدارة المدنية ووعدتنا بتقديم المساعدات، ولكن لا شيء يتحقق على الأرض".

وأعرب عن اعتقاده بأن "سبب الحصار يعود إلى أن النظام يريد من جميع سكان المخيم العودة إلى مناطق سيطرته، وإذا ما استمر الحال على ما هو عليه بالتزامن مع الصمت الدولي يكون هناك توافق دولي بالفعل على دفع أهل المخيم إلى مناطق النظام".

وأوضح أن "مغادرة سكان المخيم تحصل فردياً، في حين أن العودة لمناطق النظام ليست مسموحة للجميع بالأصل، فمثلاً عشيرة الفواعري أبرمت مصالحة مع النظام، ما يعني أن من تبقى من عشيرة الفواعري في المخيم يستطيع العودة إن كان يرغب في ذلك، أما كثير من الناس فيرفض النظام إبرام مصالحة جماعية معهم".

وأبدى الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء"، أمس الثلاثاء، استعداده لإرسال كوادر لتقديم المساعدة في مخيم الركبان، الذي تمنع عنه قوات النظام الغذاء والدواء منذ أكثر من 10 أيام. وقال مدير الدفاع المدني رائد الصالح، في تغريدات على "تويتر"، إنهم مستعدون لإرسال كوادرهم لمساعدة المدنيين المنكوبين في مخيم "الركبان". وطالب الأمم المتحدة بتسهيل مرور كوادره إلى المخيم للمساعدة وتقديم الخدمات لآلاف النازحين المحاصرين.

وارتفع عدد وفيات المخيم نتيجة نقص الرعاية الصحية والغذاء إلى 15 حالة خلال الأسابيع الماضية.

وسبق لإدارة المخيم أن وجّهت، يوم الإثنين، نداء استغاثة لتأمين المواد الأساسية، بعد مرور أسبوع على منع النظام السوري وصول المواد الغذائية، وأهمها الدقيق وحليب الأطفال.

كذلك تحدّثت مصادر محلية في منطقة الركبان قبل أيام عن لقاء ضمّ وفداً من وجهاء مخيم الركبان وممثلين عن قوات النظام في منطقة قريبة من منطقة 55، لبحث سبل تسوية أوضاع الراغبين في العودة إلى مناطقهم وإخراج الرافضين باتجاه الشمال السوري.