قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، اليوم الخميس، إن السلطات المصرية أخفت قسرا سائق سيارة ليموزين مصرياً-أميركياً، وإن السلطات عذبته واحتجزته سرا لأربعة أشهر. وقدّم خالد حسن (41 عاما) للمنظمة، شهادة مفصّلة عن تعذيبه، منها مزاعم بالاغتصاب مرتين.
وذكرت المنظمة أن عناصر الأمن الوطني اعتقلوا حسن وأخفوه في 8 يناير/كانون الثاني 2018 في الإسكندرية، مصر، وعلى الرغم من مطالبة أسرته السلطات فورا بمعلومات عن مكان وجوده، لم يُعترف باعتقاله علنا إلى أن مثل أمام النيابة العسكرية للمرة الأولى في 3 مايو/أيار.
ردت السلطات المصرية في رسالة بتاريخ 2 أكتوبر/تشرين الأول على المنظمة، زعمت فيها أنه اعتُقل في 3 مايو/أيار، نافية أنه تعرض للتعذيب. لكن خبراء الطب الشرعي المستقلين الذين راجعوا صورا لجروح ساق حسن وجدوا أنها تتطابق مع روايته عن التعذيب.
ودعت "رايتس ووتش" النيابة العامة المصرية إلى فتح تحقيق في ادعاءات التعذيب، وأن يتكلف طبيب شرعي مختص بفحص حسن، وقالت "على قاضٍ مدني مراجعة اعتقاله، وإطلاق سراحه ما لم يكن هناك دليل موثوق بأنه ارتكب جريمة حقيقية".
من جهته، قال مايكل بَيْج، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة: "يؤكّد اختفاء حسن والمزاعم المفصّلة عن تعذيبه وإنكار الحكومة، ذلك أنّ قوات الأمن المصرية تأمن من العقاب على أعمالها".
وأضاف "تمكّن خالد حسن من الكشف عن التفاصيل المروعة عن معاملته، لكن آلافاً آخرين محتجزين في سجون مصر، عاجزون عن رواية قصصهم".
ونبّه محمد سلطان، وهو سجين سابق في مصر ومدافع عن حقوق الإنسان في مجموعة "مبادرة الحرية" المستقلة في الولايات المتحدة، هيومن رايتس ووتش إلى القضية في سبتمبر/أيلول.
وفي مقابلات أُجريت عن بعد، قال حسن للمنظمة إنه في الأسابيع التي تلت اعتقاله في 8 يناير/كانون الثاني، ضربته قوات الأمن بشدة، وعرّضته إلى صعقات كهربائية شملت أعضاءه التناسلية، واغتصبته شرجيا في حالتين على الأقل، مرة بعصا خشبية ومرة من قبل رجل آخر.
وتمكنت المنظمة من التحدث إلى فردين من عائلة حسن والاطلاع على اتصالاتهما بالسلطات بحثا عن معلومات حول مكانه. كما استعرض خبراء الطب الشرعي صورا عن جروحه التي التقطها حسن في السجن مؤخرا. قال الشخصان إن المسؤولين المصريين أمروا زوجة حسن وأولاده بمغادرة البلاد، ولم تعرض عليهم إمكانية اللجوء للقضاء. وهم يعيشون الآن في الولايات المتحدة.
قال حسن إن المدعين العسكريين الذين رأوه للمرة الأولى في 3 مايو/أيار تجاهلوا روايته عن التعذيب وأمروا باحتجازه على ذمة التحقيق، واتهموه، إلى جانب مئات المتهمين الآخرين، بالتورط في قضية تتعلق بجماعة تابعة لتنظيم"داعش" في مصر. نفى حسن تلك الاتهامات وظل رهن الحبس الاحتياطي في سجن استقبال طرة في القاهرة منذ ذلك الحين، كما عبّر عن نقص الغذاء والرعاية الصحية هناك. لم يمثل أمام محكمة مدنية أو يُسمح له بمعرفة التهم الرسمية الموجهة إليه، ولم يُحدّد موعد للمحاكمة.
ونقلت المنظمة قول أحد أفراد الأسرة إنّ حسن، الذي هاجر إلى الولايات المتحدة قبل عدة سنوات، كان يعيش في مدينة نيويورك وكان يمضي عدة أسابيع كل عام مع زوجته وأولاده الذين يعيشون في مصر. أضاف قريب حسن أنّ هذا الأخير لم يسبق أن اعتُقل أو استُجوب.
ووثقت المنظمة نمطا من التعذيب المنهجي للمحتجزين في مراكز الاعتقال السرية التابعة لـ"قطاع الأمن الوطني" ومراكز الشرطة لجمع معلومات حول المشتبه بمعارضتهم وإعداد قضايا – تكون في كثير من الأحيان ملفقة - ضدهم. تتضمن أساليب التعذيب عادة وضعيات مجهدة، الصعق بالكهرباء، التهديدات بالاغتصاب، وفي بعض الأحيان الاغتصاب.
كما وثقت المنظمات الحقوقية المحلية مئات حالات الاختفاء خلال السنوات الخمس الماضية. وعلى الرغم من أن قطاع الأمن الوطني مسؤول عن أكثر الانتهاكات الصارخة ضد السجناء، لم يُدَن أي ضابط في القطاع عن هذه الجرائم في حكم قضائي نهائي في تاريخ مصر الحديث.
قال حسن إن المسؤولين في السفارة الأميركية زاروه، لكنه أعرب عن خيبة أمله من أن الإدارة الأميركية التزمت الصمت حيال الانتهاكات في مصر تحت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي.
اعتقال وتعذيب واغتصاب
قال حسن إن رجالا بملابس مدنية، عرّفوا عن أنفسهم بأنهم من قطاع الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، اعتقلوه في الإسكندرية خلال توجهه لملاقاة شقيقه بعد ظهر 8 يناير/كانون الثاني. نقلوه إلى مقر الجهاز في المعمورة، ثم إلى مقر الجهاز في حي سموحة بالإسكندرية.
وبين أن أفراد الأمن اعتدوا عليه مدة 8 أيام، ثم نقلوه إلى مقرهم في العباسية بالقاهرة، حيث احتجزوه لشهر آخر أو أكثر. بعد إجباره على الاعتراف بجرائم تحت التعذيب، أعادوه إلى سموحة 3 أشهر أخرى، إلى أن تُشفى معظم جروحه الظاهرة، ثم عرضوه أخيرا على النيابة العسكرية في 3 مايو/أيار التي سجلت ذلك التاريخ كتاريخ اعتقاله وأمرت باحتجازه من دون التحقيق في روايته حول التعذيب.
وأضاف أنه خلال اعتقاله بمعزل عن العالم الخارجي ضربه عناصر الجهاز بشكل مبرح وجرحوا ذقنه وأدموا أنفه. كانوا يجردونه من ملابسه عادةً أثناء الاعتداء. علقوه من ذراعيه لأيام متسببين بخلع كتفيه. صعقوه مرارا بالكهرباء في الرأس واللسان والشرج والخصيتين. استخدموا الأسلاك في سموحة، وفي العباسية استخدموا أجهزة الصدمات الكهربائية التي كان يراها تُشحن أحيانا. قال إنهم كانوا يضعونه أحيانا على فرش مبلل لزيادة تأثير الصدمات الكهربائية.
وقال إن أفراد الشرطة استخدموا صاعقا على ساقه تسبب في جرح مفتوح التهب لاحقا. انتفخت ساقه والتهبت وأغمي عليه مرارا بسبب ذلك. قال إنهم أجروا عملية على الجرح دون تخدير بينما كان ضابط يقف فوق صدره.
وحصلت هيومن رايتس ووتش على صور وفيديو صُّورت مؤخرا لجروح حسن. قال خبراء إن الجروح تتسق مع شهادة حسن عن الانتهاكات.
كما راجعت صورا ومقطع فيديو حديثا لما قال حسن إنها علامات لجروح ساقيه بسبب الصدمات الكهربائية. راجع خبراء عديدون من "الفريق المستقل لخبراء الطب الشرعي" بتيسير من "المجلس الدولي لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب"، هذه المواد؛ وجدوا أن الإصابات تتسق – وفي حالة واحدة تتفق تماما – مع استخدام أداة صدمة كهربائية، مثل أداة صعق بالطريقة التي وصفها حسن.
أنكرت "الهيئة العامة للاستعلامات"، الجهة المشرفة على المراسلين الأجانب في ردها المكتوب على هيومن رايتس ووتش، إخفاء حسن قسرا أو تعرضه للتعذيب. وقالت أيضا إن محاميه لم يقدموا طلبا رسميا لفحصه على يد الأطباء الشرعيين.
لكن حسن قال إنه أخبر المدعين العسكريين، الذين رأوه في 3 مايو/أيار، إنه تعرض للاختفاء قسرا والتعذيب منذ يناير/كانون الثاني، لكنهم لم يأمروا بإجراء تحقيق في مزاعم التعذيب التي تعرض لها. قال إنه لم يقدم، ولا محاميه، طلبا رسميا لإجراء فحص لقول زملائه المعتقلين له إنه لن يفيد في شيء وقد يطيل إقامته في الحبس السري بمعزل عن العالم الخارجي. أضاف "يعرف (عملاء الأمن) ما يقومون به".
أدرج المدعون العسكريون حسن في القضية العسكرية 137 لعام 2018، والمعروفة باسم "قضية ولاية سيناء 2"، والتي اتهم فيها المئات بالانضمام إلى فرع داعش المصري ومساعدة أهدافه عبر التجسس على الجيش والتآمر لشن هجمات عنيفة.
أنكر حسن ضلوعه في الجماعة. قال إنه يعرف شخصا واحدا فقط من المتهمين في هذه القضية وتعرض أيضا إلى انتهاكات خطيرة واحتاج إلى جراحة. لم يتمكن محامو حسن من الحصول على نسخة من ملف الادعاء.
وأوضحت المنظمة أنه في السنوات الأخيرة، أخضعت النيابة المصرية العديد من المعارضين السياسيين للحبس الاحتياطي المطول. في أغلب حالات المعارضة السياسية، عنيفة كانت أم سلمية، لا يُسمح للمحامين عادة بالحصول على نسخة من ملف النيابة حتى بدء المحاكمة، وبالتالي لا يستطيعون مراجعة الأدلة أو الطعن فيها. أكدت الهيئة العامة للاستعلامات أن حسن متهم في القضية، لكنها لم تذكر أي اتهامات محددة.