لماذا يعيش العنيد حياة أطول؟

08 يناير 2018
الإيطالية ماريا موريلي عاشت 103 سنوات (أوليفر مورين/فرانس برس)
+ الخط -
قد نسعى جميعنا إلى العيش فترة أطول باستخدام وسائل عديدة منها اتباع نظام غذائي صحي كالابتعاد عن تناول وجبات الطعام السريعة أو المقالي المليئة بالدهون والشحوم، ومنها ممارسة التمارين الرياضية. لكن، بعيداً عن كلّ هذه الأمور التي تساهم في تحسين حالتنا الصحية، وجدت دراسة جديدة أنّ بلوغ هذا الهدف قد يكون في أذهاننا وسلوكياتنا الإيجابية فضلاً عن العناد وأخلاقيات العمل بضمير.

فحص الباحثون مستويات الصحة النفسية والجسدية لمجموعة من الإيطاليين الذين تتراوح أعمارهم بين 90 عاماً و101، ووجدوا أنّ هناك العديد من الصفات النفسية الشائعة بينهم. وخلصت الدراسة التي نشرت في مجلة "علم النفس الدولية" إلى أنّ المشاركين من كبار السن يتمتعون برفاه عقلي أفضل من أفراد أسرهم الأصغر سناً. وهو ما اعتبر مؤشراً على تمتعهم بعمر مديد.

أجرى علماء من جامعة "كاليفورنيا في سان دييغو" وجامعة "روما لا سابينزا" مسحاً لتسعة وعشرين مشاركاً كانوا يعيشون في قرى نائية في جنوب إيطاليا، قيّموا فيه صحتهم العقلية والبدنية عبر سلسلة من الاختبارات والمقابلات. وبغية المقارنة، أجروا التدابير نفسها على أقاربهم من المشاركين الأصغر سناً الذين طلب منهم وصف شخصياتهم وأساليب حياتهم.
وجد الباحثون، فضلاً عن النظرة الإيجابية للحياة لدى المشاركين من كبار السن، أنّهم يملكون صفات العناد، التي من الممكن أن تكون ذات فائدة نفسية كبيرة، لأنّ هؤلاء الأشخاص يميلون عادة إلى الاكتراث أقلّ لما يعتقده الآخرون بشأنهم.

كذلك، كان الاهتمام أو الشغف بالحياة الريفية، عاملاً مشتركاً بين المشاركين المسنين. وتبيّن أنّ المشاركين الأصغر سنّاً أفضل جسدياً بينما كان أفراد أسرهم الأكبر سناً في صحة نفسية أفضل، نتيجة السمات الشخصية التي يتمتعون بها مثل العناد.


يقول ديليب جيست، المؤلف الرئيسي للدراسة وأستاذ الطب النفسي وعلم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، إنّه كان هناك عدد من الدراسات حول البالغين الطاعنين في السن سابقاً، لكنّها ركّزت في الغالب على علم الوراثة بدلاً من صحتهم النفسية أو شخصياتهم. أضاف أنّ الموضوعات الرئيسية التي انبثقت من هذه الدراسة، هي السمات الفريدة المرتبطة بصحة نفسية أفضل لهؤلاء السكان الريفيين، التي بدت إيجابية فضلاً عن أخلاقياتهم في العمل والشخصية العنيدة، وروابط الأسرة القوية والإيمان الديني.

ينوي جيست وفريقه متابعة النتائج التي توصلوا إليها مع المزيد من الدراسات الطولية التي ستدرس كيف أنّ صحة المشاركين البيولوجية تقارن بصحتهم البدنية والنفسية لتعزيز ما توصلت إليه الدراسة الأخيرة من نتائج.

في هذا الإطار، تقول جانيت (57 عاماً) وهي ربّة منزل بريطانية: "تجاوزت جارتنا عمر المائة عام، وكانت لا تزال بكامل قواها العقلية". تتابع في حديثها إلى "العربي الجديد" أنّ تلك السيدة "كانت امرأة قوية واثقة بذاتها ومتمّسكة بقيمها وقراراتها. لم تكن لتجامل أو تتراجع عن رأيها". تضيف: "لكنّنا لم نعتقد بتاتاً أنّ تلك الصفات قد تكون ساعدتها على عيش حياة أطول". تضيف أنّ طول الحياة مسألة قد لا يحدّدها اتباع نظام غذائي أو أيّ سمات شخصية، لأنّ الإنسان قد يصاب بمرض مفاجئ أو يواجه حادثاً يمكن أن يقضي على حياته. تروي جانيت كذلك قصة شاب في العشرينيات من العمر، كان يمارس الرياضة ويذهب إلى عمله يومياً على الدراجة الهوائية، وكانت صحته ممتازة. لكنّه ذات صباح، وحين كان متوجهاً إلى عمله كالعادة صدمته سيارة، ليفارق الحياة فجأة، ويترك أهله وكلّ من عرفه في حالة من الذهول والألم. تضيف أنّ العناد أو الإيجابية أو غيرهما من الأمور ربما تساعدنا على عيش حياة أطول إن لم نصب بمرض أو نموت جرّاء حادث مأساوي، وأنّ من واجب أيّ شخص الاهتمام بصحته لأنّها نعمة لا ندركها سوى عندما يقتحم المرض أجسادنا وتصبح المستشفيات مزارات متكررة نرتادها من أجل شفاء أمراضنا والتخفيف من أوجاعنا الكثيرة.
دلالات