قصّة شعر مجانية في "مسار الخير"

30 يناير 2018
داخل صالون الحلاقة (العربي الجديد)
+ الخط -

"بصيص العين ولا عماها"، يقول الأربعيني خالد السويلم، معلّقاً على افتتاح أول صالون حلاقة في قريته، جرف الدراويش، التابعة لمحافظة الطفيلة الأردنية (180 كيلومترا جنوب عمّان). وبينما كان يراقب الأطفال المصطفين أمام الصالون الذي افتتحته مبادرة "مسار الخير" في القرية، يقول: "حتّى لما صار عندنا صالون بكرفان (بيت جاهز)، ما إلنا غير نحمد ربنا. الريحة ولا العدم".

قبل افتتاح المحل في 18 يناير/ كانون الثاني الجاري، كان الراغب في قص شعره يتكبد عناء الذهاب إلى مدينة الحسا، التي تبعد عن قريتهم نحو 19 كيلومتراً، حيث صالونات الحلاقة. إلا أن المشقة والكلفة المالية جعلتهم مقلّين في قص شعرهم. ويقول السويلم: "كانت تمضي أشهر من دون أن يتمكن الشخص من الذهاب لقص شعره في الحسا. بعض الأهالي اعتادوا قص شعر أبنائهم بماكينة جز الصوف"، لافتاً إلى أن "الناس هنا فقراء، وتبلغ كلفة المواصلات ذهاباً وإياباً خمسة أضعاف ثمن قص الشعر، وهذه الكلفة لا يقدر عليها الناس".

خرج الطفل عودة الحجايا (12 عاماً) مبتسماً من الصالون بعدما قصّ شعره على الطريقة الحديثة، وقرّر أن يزور الصالون بشكل دائم، معلّقاً: "هذه أحلى قصة ومجانية". الصالون الذي أنشأته مبادرة "مسار الخير" لا يتقاضى أصحابه أجراً، بل توزَّع على كل زبون هدية تحتوي مستلزمات للعناية الشخصية. إضافة إلى الصالون، افتتحت المبادرة مخبزاً يوزع جزءاً من إنتاجه على الأسر المحتاجة، ويبيع الجزء الآخر ليساهم في توفير دخل للعاملات فيه من المجتمع المحلي.

أطفال قرية جرف الدراويش (العربي الجديد) 

يقول القائم على "مسار الخير"، محمد القرالة، الذي يعمل مصوراً صحفياً: "المشروعان الخيريّان موّلا من قبل متبرعين متحمسين لمساعدة المناطق الأشد فقراً"، لافتاً إلى أن "المتبرعين هم أساس نجاح المبادرة". وأوكلت إدارة المشروعين إلى جمعية "شابات الجرف الخيرية"، كشريك محلي، وقد تأسست الجمعية في عام 2015 وتعنى بمساعدة فقراء القرية.

وتقول رئيسة الجمعية، وداد المناعين، إن المخبز سيوفر فرص عمل لعدد من فتيات القرية، إضافة إلى خبز مجاني للناس الأشد حاجة. وتكفّل المتبرعون بتوفير الطحين للمخبز لمدة شهرين مجاناً على أن تقوم الجمعية بعد ذلك بشرائه. كذلك، سيوفر الصالون فرص عمل لشباب وفتيات من القرية، وسيصار إلى تدريب البعض على الحلاقة والتجميل. ويلفت القرالة إلى أن الصالون سيقدّم الخدمة مجاناً، وسيتولى المتبرعون دفع كلف التدريب وأجور شهرية مستقبلاً، وسيكون هناك أيام للنساء.


يلخّص أبو فلاح، الذي يعتقد أن عمره تجاوز 90 عاماً، الواقع قائلاً: "ما حد مطلع علينا غير ربنا". لذلك، يؤكّد القرالة: "هنا يبدأ واجبنا، في المناطق الأشد فقراً والأكثر حاجة". ويقول: "عندما نتجول في القرى النائية، نكتشف الوجه الآخر للأردن، حيث الفقر المدقع، وأي مساعدة تُقدّم تشكل فرقاً في حياة الناس".

منذ سنوات، ينخرط القرالة في جهود فردية لمساعدة المحتاجين، مفضلاً وصف المساعدات بـ "الهدايا". وكانت صورة التقطها ونشرت في 26 ديسمبر/ كانون الأول في عام 2016، جعلته يتّجه نحو تأسيس مبادرة "مسار الخير". والصورة لأطفال قرية البربيطة في محافظة الطفيلة، ينتعلون فيها أحذية ممزقة، وكانت كفيلة بهز المجتمع الأردني. يقول القرالة: "بعد نشر الصورة، تواصل معي مئات الراغبين بتقديم التبرعات لأطفال القرية. جمعنا التبرعات ووزعناها على القرية والقرى المجاورة".

خبز طازج في إطار المبادرة (العربي الجديد)

منحت نقابة الصحافيين الصورة جائزة أفضل صورة للعام 2016، وحصل القرالة على مبلغ 3 آلاف دينار، فتبرع لصالح إنشاء صالون حلاقة في البربيطة، وأطلق "مسار الخير" كمبادرة منظمة. ويلفت القرالة إلى أن الصالون عيادة طبية توفر بعض الأدوية، كما أنه مركز ترفيهي وتثقيفي تعرض فيه أفلام ورسوم متحركة وجلسات توعية.

"وما يؤهله لكل تلك الأدوار أنه موجود في مناطق تنعدم في بعضها الكهرباء وأخرى يسكن الناس فيها الخيام"، بحسب القرالة. الصالون الذي افتتح في جرف الدراويش هو الثالث الذي تنشئه المبادرة، فيما أنّ المخبز هو الرابع من نوعه. وكلها مشاريع نفذت في المناطق الأشد فقراً وحاجة. كذلك، نفذت المبادرة العديد من حملات توزيع المساعدات العينية، وقدمت علاجات مجانية ورحلات ترفيهية للأطفال. ويعزو القرالة النجاح إلى "الإنسانية التي ما زالت حاضرة في نفوس المتبرعين".
دلالات