عادت إيران إلى تشجيع الولادات ناقضة سياسات سابقة، فالمجتمع يتجه نحو الكهولة وقد استشعرت القيادات هذا الخطر
تقطن عائلة مرادي في طهران منذ عقود، ويعمل علي رضا (53 عاماً) وهو رب العائلة، موظفاً في إحدى الشركات. لديه ابن يدرس في الجامعة وابنة تخرجت وعثرت على فرصة عمل ثم تزوجت، وأنجبت الحفيد الأول للأسرة قبل عامين بعد بلوغها الثلاثين. في الأسرة نفسها جدة كبرى، هي والدة علي رضا، ما زالت على قيد الحياة، ولديها 75 عاماً.
هذه العائلة تشكل نموذجاً لعائلات إيرانية كثيرة يعيش أفرادها في المدن الكبرى بشكل رئيس، ويلحظ كلّ زائر لإيران الفروق العمرية بين أفراد العائلة الواحدة، وبالرغم من ذلك عدم إنجاب أكثر من طفل واحد أو طفلين في أفضل الحالات لدى العائلات التي تقطن في المدن بالذات.
هذا النموذج المتكرر يثير ارتياب المتخصصين، وقد أصدرت لجنة الثورة الثقافية دراسة موجزة مؤخراً أبدت فيها قلقها من تحول المجتمع الإيراني إلى مجتمع كهل، فعدد المسنّين في ارتفاع، تقابله قلة في معدل الولادات بالدرجة الأولى، وكذلك يزداد التأخر في سن الزواج.
رأت هذه اللجنة أنّ التحذير بات ضرورياً، فعدد المسنين يرتفع بمعدل أعلى بأربع مرات من معدل ارتفاع عدد السكان ككل، بل أكدت أرقامها أنّ هذا المعدل سيصل إلى 16 ضعفاً خلال العقدين المقبلين فقط. تأتي هذه الأرقام بالرغم من أنّ وزارة الصحة الإيرانية كانت قد أعلنت قبل فترة وجيزة عن ارتفاع معدل الولادات في إيران من 18 بالألف إلى 20 بالألف، وجاء هذا عقب إقرار خطة قبل ثلاث سنوات تقريباً تلغي سابقتها التي كانت تهدف إلى تنظيم النسل.
يوضح عضو اللجنة العلمية في وزارة التعليم العالي محمد جواد محمدي في تحقيق نشرته مراكز رسمية معتمدة في إيران أنّ المشكلة لا تتعلق بارتفاع معدلات الكهولة، بقدر ترافقه مع معدل ولادات منخفض بالرغم من بعض السياسات والخطط. وذكر أنّه قبل عامين من الآن كانت نسبة الكهولة في المجتمع تعادل 10 في المائة وهي التي تشمل من يزيد عمرهم على ستين عاماً، مؤكداً أنّ هذه النسبة ستصل بعد سنوات إلى 33 في المائة.
يشير محمدي إلى ما ذكره صندوق الأمم المتحدة للسكان عام 2012 وفيه أنّ عدد المسنين في العالم، ممن يتجاوزون الستين عاماً، أكثر من عدد الأطفال ممن هم تحت خمس سنوات، وحدث هذا للمرة الأولى عام 2000، وتوقعت الأمم المتحدة أنّه إذا استمر الوضع على هذا المنوال ففي عام 2050 سيزيد عدد المسنين، عمّن لم يتجاوزوا الخامسة عشرة، وهو ما يعني أنّ كثيراً من مناطق العالم ستتجه نحو الكهولة.
يقول محمدي لـ"العربي الجديد" إنّ هذه الحالة ستواجه إيران بمشكلة حقيقية، وهي ترتبط بشكل رئيس بعدم وجود سياسة كلية تركز على التوازن في توزع الهرم السكاني. يتابع أنّ معدل الولادات بدأ ينخفض تدريجياً في إيران منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتزامن هذا وانخفاض معدل الوفيات بمرور الوقت. يشير إلى أنّ التقديرات التي أخذت بعين الاعتبار نجاح خطط زيادة عدد السكان تحدد، في أفضل الحالات، أنّ نسبة الكهولة بين سكان إيران ستكون 12 في المائة قريباً، لتصل عام 2050 إلى 31 في المائة، أي أكثر من ثلث عدد السكان في ذلك الوقت بعد 33 عاماً.
اقــرأ أيضاً
بحسب دراساته، فإنّ الكهولة بين النساء ستكون أعلى من تلك التي بين الرجال، لأنّ معدل الوفيات بين الرجال أعلى، إذا ما كانوا من نفس الفئة العمرية في سنوات الكهولة.
وفي كتاب للمتخصص الاجتماعي حاتم حسيني نشرته كلية العلوم الاجتماعية في جامعة طهران قبل ثلاث سنوات بعنوان "الكهولة في إيران" يعتبر أنّ المشكلة الحقيقية التي يجب التركيز عليها من أجل حلّها ترتبط بانخفاض معدل الولادات. ويتفق مع وجهة النظر هذه المتخصص بالشؤون الاجتماعية أصغر مهاجري الذي لا يجد في ارتفاع معدل الأعمار بين الإيرانيين أي ضرر، كونه يؤشر إلى ظروف اقتصادية وصحية ومجتمعية أفضل، لكنّ الأزمة الحقيقية تكمن في عدم التوازن بين من يشكلون فئات الهرم السكاني العمرية.
يقول مهاجري لـ"العربي الجديد" إنّ تعريف الكهولة قد اختلف بالفعل ولم يعد سنّ الستين عاماً يمثل فئة المسنين بالنسبة للإيرانيين، بالتالي لا يمكن النظر إلى الأمر سلباً من هذه الزاوية، فالبقاء على قيد الحياة سنوات أطول أمر إيجابي. يعتبر أنّ على الإيرانيين أن يدركوا حقيقة ما الذي يعنيه أن يكون المجتمع كهلاً في سنوات مقبلة، وهذا يتطلب نشر حالة من الوعي وهو ما يقع على عاتق الحكومة والمعنيين في مؤسساتها بالدرجة الأولى، فمن الضروري أن يكون هناك نمو سكاني بمعدلات أكثر توازناً، فالثروة السكانية هامة للغاية، والفئة الشابة والفاعلة منها هي التي تؤدي إلى تطوير المجتمع، كما يقول.
عام 2014، شكّل الشباب الإيراني نسبة 40 في المائة من الهرم السكاني، وبمرور الوقت ترافق هذا مع تناقص تدريجي في عدد من لا تزيد أعمارهم عن 15 عاماً، وقد تنبه متخصصون اجتماعيون إلى هذا، بل وصل الأمر إلى اتخاذ المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي قراراً يقضي بوقف سياسة تنظيم النسل التي جرى إقرارها في سنوات سابقة حين كانت إيران تخضع لعقوبات مشددة وكانت قد خرجت للتو من حرب استمرت مع العراق ثماني سنوات. وطالب خامنئي بزيادة عدد المواليد كي يتسنى للإيرانيين أن يصلوا إلى 150 مليون نسمة.
اقــرأ أيضاً
تقطن عائلة مرادي في طهران منذ عقود، ويعمل علي رضا (53 عاماً) وهو رب العائلة، موظفاً في إحدى الشركات. لديه ابن يدرس في الجامعة وابنة تخرجت وعثرت على فرصة عمل ثم تزوجت، وأنجبت الحفيد الأول للأسرة قبل عامين بعد بلوغها الثلاثين. في الأسرة نفسها جدة كبرى، هي والدة علي رضا، ما زالت على قيد الحياة، ولديها 75 عاماً.
هذه العائلة تشكل نموذجاً لعائلات إيرانية كثيرة يعيش أفرادها في المدن الكبرى بشكل رئيس، ويلحظ كلّ زائر لإيران الفروق العمرية بين أفراد العائلة الواحدة، وبالرغم من ذلك عدم إنجاب أكثر من طفل واحد أو طفلين في أفضل الحالات لدى العائلات التي تقطن في المدن بالذات.
هذا النموذج المتكرر يثير ارتياب المتخصصين، وقد أصدرت لجنة الثورة الثقافية دراسة موجزة مؤخراً أبدت فيها قلقها من تحول المجتمع الإيراني إلى مجتمع كهل، فعدد المسنّين في ارتفاع، تقابله قلة في معدل الولادات بالدرجة الأولى، وكذلك يزداد التأخر في سن الزواج.
رأت هذه اللجنة أنّ التحذير بات ضرورياً، فعدد المسنين يرتفع بمعدل أعلى بأربع مرات من معدل ارتفاع عدد السكان ككل، بل أكدت أرقامها أنّ هذا المعدل سيصل إلى 16 ضعفاً خلال العقدين المقبلين فقط. تأتي هذه الأرقام بالرغم من أنّ وزارة الصحة الإيرانية كانت قد أعلنت قبل فترة وجيزة عن ارتفاع معدل الولادات في إيران من 18 بالألف إلى 20 بالألف، وجاء هذا عقب إقرار خطة قبل ثلاث سنوات تقريباً تلغي سابقتها التي كانت تهدف إلى تنظيم النسل.
يوضح عضو اللجنة العلمية في وزارة التعليم العالي محمد جواد محمدي في تحقيق نشرته مراكز رسمية معتمدة في إيران أنّ المشكلة لا تتعلق بارتفاع معدلات الكهولة، بقدر ترافقه مع معدل ولادات منخفض بالرغم من بعض السياسات والخطط. وذكر أنّه قبل عامين من الآن كانت نسبة الكهولة في المجتمع تعادل 10 في المائة وهي التي تشمل من يزيد عمرهم على ستين عاماً، مؤكداً أنّ هذه النسبة ستصل بعد سنوات إلى 33 في المائة.
يشير محمدي إلى ما ذكره صندوق الأمم المتحدة للسكان عام 2012 وفيه أنّ عدد المسنين في العالم، ممن يتجاوزون الستين عاماً، أكثر من عدد الأطفال ممن هم تحت خمس سنوات، وحدث هذا للمرة الأولى عام 2000، وتوقعت الأمم المتحدة أنّه إذا استمر الوضع على هذا المنوال ففي عام 2050 سيزيد عدد المسنين، عمّن لم يتجاوزوا الخامسة عشرة، وهو ما يعني أنّ كثيراً من مناطق العالم ستتجه نحو الكهولة.
يقول محمدي لـ"العربي الجديد" إنّ هذه الحالة ستواجه إيران بمشكلة حقيقية، وهي ترتبط بشكل رئيس بعدم وجود سياسة كلية تركز على التوازن في توزع الهرم السكاني. يتابع أنّ معدل الولادات بدأ ينخفض تدريجياً في إيران منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتزامن هذا وانخفاض معدل الوفيات بمرور الوقت. يشير إلى أنّ التقديرات التي أخذت بعين الاعتبار نجاح خطط زيادة عدد السكان تحدد، في أفضل الحالات، أنّ نسبة الكهولة بين سكان إيران ستكون 12 في المائة قريباً، لتصل عام 2050 إلى 31 في المائة، أي أكثر من ثلث عدد السكان في ذلك الوقت بعد 33 عاماً.
وفي كتاب للمتخصص الاجتماعي حاتم حسيني نشرته كلية العلوم الاجتماعية في جامعة طهران قبل ثلاث سنوات بعنوان "الكهولة في إيران" يعتبر أنّ المشكلة الحقيقية التي يجب التركيز عليها من أجل حلّها ترتبط بانخفاض معدل الولادات. ويتفق مع وجهة النظر هذه المتخصص بالشؤون الاجتماعية أصغر مهاجري الذي لا يجد في ارتفاع معدل الأعمار بين الإيرانيين أي ضرر، كونه يؤشر إلى ظروف اقتصادية وصحية ومجتمعية أفضل، لكنّ الأزمة الحقيقية تكمن في عدم التوازن بين من يشكلون فئات الهرم السكاني العمرية.
يقول مهاجري لـ"العربي الجديد" إنّ تعريف الكهولة قد اختلف بالفعل ولم يعد سنّ الستين عاماً يمثل فئة المسنين بالنسبة للإيرانيين، بالتالي لا يمكن النظر إلى الأمر سلباً من هذه الزاوية، فالبقاء على قيد الحياة سنوات أطول أمر إيجابي. يعتبر أنّ على الإيرانيين أن يدركوا حقيقة ما الذي يعنيه أن يكون المجتمع كهلاً في سنوات مقبلة، وهذا يتطلب نشر حالة من الوعي وهو ما يقع على عاتق الحكومة والمعنيين في مؤسساتها بالدرجة الأولى، فمن الضروري أن يكون هناك نمو سكاني بمعدلات أكثر توازناً، فالثروة السكانية هامة للغاية، والفئة الشابة والفاعلة منها هي التي تؤدي إلى تطوير المجتمع، كما يقول.
عام 2014، شكّل الشباب الإيراني نسبة 40 في المائة من الهرم السكاني، وبمرور الوقت ترافق هذا مع تناقص تدريجي في عدد من لا تزيد أعمارهم عن 15 عاماً، وقد تنبه متخصصون اجتماعيون إلى هذا، بل وصل الأمر إلى اتخاذ المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي قراراً يقضي بوقف سياسة تنظيم النسل التي جرى إقرارها في سنوات سابقة حين كانت إيران تخضع لعقوبات مشددة وكانت قد خرجت للتو من حرب استمرت مع العراق ثماني سنوات. وطالب خامنئي بزيادة عدد المواليد كي يتسنى للإيرانيين أن يصلوا إلى 150 مليون نسمة.